خرج أردوغان بمقترح جديد وسط الحرب في غزة، عندما أبدى استعداد بلاده لتولي المسؤولية مع دول أخرى في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه من إسرائيل بعد انتهاء الحرب بغزة، بما في ذلك آلية الضامنين، مما يثير الأسئلة عن تلك الآلية الجديدة وماذا يريد أردوغان فعلاً من قطاع غزة.
كشف أحمد شديد الباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، أن أردوغان يبحث عن مكان لتركيا وسط هذا الزحام المكتظ بالمفاعيل الدولية في القضية الفلسطينية وخاصة حرب غزة الأخيرة، من وجود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والوجود المصري والقطري، وبالتالي يقوم أردوغان باستطلاع الساحة الدبلوماسية عبر بعض التصريحات واستعداده لأن يكون حاضراً وفاعلاً في الساحة الفلسطينية.
وأضاف شديد في تصريح خاص لوكالة فرات، أن الدور التركي على الحياد وغير فاعل في الحرب الأخيرة على غزة باستثناء بعض التظاهرات والخطابات التي ألقاها أردوغان، وذلك لسبب واضح أن الداعم الأكبر للتحركات الأخيرة لحركة حماس هو ما يسمى محور المقاومة بقيادة إيران وحلفائها في الدولة العراقية وسوريا وحزب الله وجميعهم مشتبكين مع تركيا.
أردوغان مقبول نوعاً ما في غزة خاصة البعد الأيديولوجي، وهذا لوقوع قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس والقضاء على حماس هو درب من الخيال ولا يمكن حدوثه، لا عسكرياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً، والدليل على ذلك أن حماس تقود معارك عنيفة يتكبد فيها الاحتلال خسائر كبيرة، ولذلك فكرة القضاء على حماس غير واردة، وحماس في البعد الأيديولوجي إخوان مسلمين وكذلك أردوغان وبالتالي هنا يكمن المربط، حيث يعتقد أردوغان أنه يبحث في مكان محسوب عليه بحكم الأيديولوجية.
واضاف الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن الكثير من قيادات الإخوان التي غادرت مصر ذهبت إلى تركيا وكذلك الكثير من قيادات حركة حماس موجودة على الأراضي التركية، وكذلك التقارب التركي القطري الذي لا يخفى على أحد، وبالتالي من الطبيعي أن يبحث أردوغان لنفسه عن مكان في الساحة الدولية والإقليمية عبر قطاع غزة، على غرار ما حققه في الساحة الليبية.
وبين شديد، أن آلية الضامنين ووجود تركيا في غزة بعد الحرب، حسن النية به غير متوفر لأن أردوغان وتركيا ترى قطاع غزة جسم منفصل عن الكل الفلسطيني، وهو يتحدث في إطار تجزئة القضية الفلسطينية، وحتى إن فشلت عملية تهجير الفلسطينيين من القطاع برفض مصري قاطع، ولذلك كالحديث عن قطاع غزة بطريقة أردوغان هو في الواقع تصفية للقضية الفلسطينية وهو مرفوض بالمطلق من الجانب الفلسطيني وهو ما يجمع عليه السلطة الوطنية الفلسطينية أو حتى المعارضة الفلسطينية المتمثلة في حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، وأي مشروع عن قطاع غزة .
وأوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن الحديث عما بعد الحرب وليس ما بعد حماس لأنه حتى وزير الخارجية الفلسطيني خرج بتصريح بأن حماس مكون من مكونات المجتمع الفلسطيني، وهي حاضرة بكافة مؤسسات الشعب الفلسطيني، يمكن أن يكون لتركيا دور بعد الحرب إلا إذا عرقلت هذا الدور سوريا وبشار الأسد الذي له حضور وتأثير قوي على حماس بحكم علاقاته مع حزب الله ووجود قيادات حماس بسوريا، بسبب الاحتلال التركي للشمال السوري.
وأردف شديد، أن الدور الذي يبحث عنه أردوغان قد يأتي عبر المساعدات، وذلك لأن الدعم العسكري لا تقوى عليه أنقرة، والدعم السياسي لا يثمر ولا يغني من جوع، وهنا يأتي دور الدعم الإنساني، وهو الملف الذي يمكن لتركيا أن تتقدم عبره، وذلك من خلال مصر لأنه لا يمكن تقديم أي مساعدات إلا من خلال الدور المصري ومعبر رفح، وحالياً تركيا غير فاعلة ومغيبة بشكل كبير، ولكن مستقبلاً حين تضع الحرب أوزارها ويذهب الناس إلى أمورها الحياتية ويتحول الأمر من قصف متبادل لقضايا إنسانية ومساعدات يمكن فقط أن نجد دور تركي.
وأشار الباحث في الشأن الإسرائيلي، أنه تبقى أمام أردوغان العقدة السورية والاحتلال التركي للشمال السوري في عفرين وبعض المناطق في شمال سوريا خاصة أن لدى ما يسمى بمحور المقاومة الذي يأتي من بيروت وصنعاء وبغداد حتى طهران، وكلها عواصم تنظر بعين الريبة للدور التركي وتختلف مع أنقرة بسبب السلوك الغير سوي لتركيا مع قضايا المنطقة والاحتلال لأراضي الشمال السوري.
بينما كشف محمد أبو سبحة، الباحث في الشؤون التركية، أن مقترح تركيا بشأن آلية الدول الضامنة لوقف الصراع في غزة، ينظر إليه على أنه ربما استنساخ لسيناريو مسار أستانا الذي انطلق في عام 2017، بشأن سوريا، والمقترح الذي تروج له تركيا لم يتم الإفصاح عن فحواه حتى الآن، ولم يعلن أي طرف تأييده، وفي الغالب ربما لعدم الاقتناع بجدوى.
وأكد أبو سبحة في تصريح خاص لوكالة فرات، أن تطبيق "آلية الدول الضامنة" في غزة، فبلا شك إسرائيل ترفض بشكل عام الوجود الدولي في غزة، وهو مطلب قديم للسلطة الفلسطينية بتوفير قوات دولية من قبل مجلس الأمن لحماية الشعب الفلسطيني، كذلك تخشى بشكل خاص من وجود دعم تركي مباشر لحركة حماس في القطاع سواء على الصعيد السياسي أو العسكري.
وأضاف الباحث في الشؤون التركية، أنه بالنظر إلى آلية الدول الضامنة في سوريا والتي تكون تركيا عضو مؤسس فيها، فإن الآلية لم تقدم للطرف الأضعف أي نتائج إيجابية، بل على العكس حققت للطرف الآخر تقدما أسهل وأسرع.
وبيّن أبو سبحة، أنه بلا شك تسعى تركيا بكل السبل لأن يكون لها رأي مسموع في القضية الفلسطينية وتستغل في ذلك العلاقة مع حركة حماس، وهو دور تحاول اختطافه من مصر دون جدوى، وتتفوق عليها فيه حليفتها قطر، وبالطبع هناك رغبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في استغلال ذلك لدعم أسهمه السياسية في الشارع التركي الذي يتعاطف أغلبه مع القضية الفلسطينية، لكن من الأفضل لتركيا الابتعاد عن هذا الملف لعدة أسباب من أهمها صعوبة المنافسة مع مصر الداعم التاريخي والموثوق به لدى الجانب الفلسطيني وكذلك الإسرائيلي، كذلك بسبب اهتمام تركيا باستمرار العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل مهما كانت الظروف، فضلا عن أن عدم الثقة في التزام إسرائيل بأي اتفاقات سيضع الحكومة التركية في حرج بالغ على المستوى المحلي والدولي.