وفي هذا الصدد، حاورت كالة فرات للأنباء (ANF)، الكاتب الصحفي المصري البارز إلهامي المليجي ومنسق المبادرة العربية لحرية أوجلان، للحديث حول أسر أوجلان وما يلاقيه من عزلة وتجريد، وقد أكد على أن تلك الواقعة نقطة مظلمة في تاريخ البشرية، كما أن عزلته بهذه الطريقة كاشفة عن فاشية النظام التركي، مشدداً على أهمية أفكاره في معالجة كثير من إشكاليات وقضايا المنطقة.
وكان نص الحوار كالآتي:
*تحل هذه الأيام ذكرى المؤامرة الدولية التي نفذت بحق أوجلان، نتحدث عن ربع قرن تقريباً من الظلم بحقه، ما قراءتك لهذه الذكرى وسياقها؟
* ربع قرن من الزمان يمر على المؤامرة التي شاركت فيها مخابرات الولايات المتحدة وإسرائيل بالإضافة إلى المخابرات التركية والكينية وغيرها من مخابرات دول غربية، وكانت المؤامرة تستهدف توجيه ضربة للقوى التحررية المناضلة من أجل قيم الدمقراطية ومبادئ السلام في المنطقة والعالم، وكذلك ضرب حركة تحرر الكرد، عبر إفشال المشروع الذي طرحه وتبناه القائد والمفكر عبد الله أوجلان والذي يفضى في حال تطبيقه إلى دمقرطة منطقتنا بما يضمن العيش الآمن لجميع الإثنيات والعرقيات والمذاهب والأديان على قدم المساوة، وفي ظل هذا المناخ يضمن الكرد تحقيق حقوقهم المشروعة التي حُرموا منها على مدى قرون بسبب التعسف والتعصب القومي لبعض مكونات المنطقة.
*أنت كأحد أهم المعنيين بسيرة القائد أوجلان ومنسق المبادرة العربية لحرية أوجلان، ما الذي جذبك في أفكاره؟ وإلى أي مدى هي قادرة على معالجة كثير من قضايا المنطقة؟
* لقد انجذبت لسيرة أوجلان النضالية والتي بدأت مع تشكل وعيه في بواكير عمره بالانحياز لقيم العدل الاجتماعي والحرية والديمقراطية، ومع تطور وعيه في العقد الثالث من عمره ربط ما بين مشاكل الكرد كقومية والصراع الطبقي، حتى وصل إلى مرحلة الربط بين مشاكل الكرد ومسألة الديمقراطية، وفي هذا الإطار جاءت موسوعته المهمة "مانفيستو الحضارة الديمقراطية" بأجزائها الخمسة، والتي تضمنت حلولاً جذرية ونهائية للقضية الكردية التي تعتبر واحدة من أهم الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بل يمكن القول إن الموسوعة تبحث بشكل علمي وديمقراطي في حل الكثير من أزمات المنطقة التي لها علاقة بالصراعات القائمة على أسس عرقية أو مذهبية أو دينية، وتمثل نبراساً للقوى التواقة للحرية والعدالة الاجتماعية والسلام بين الشعوب.
*أنا دائماً يستوقفني مفهوم الأمة الديمقراطية ولدي قناعة بعبقريته.. لو تحدثنا أكثر عنه؟ وعن أهمية تطبيق أفكاره؟
- طبقاً للمفكر عبد الله أوجلان، فإن الديمقراطية تمثل السياق العام الذي يمكن أن يتشكل من خلاله المجتمع الأمثل، وينطلق أوجلان في مفهوم "الأمةِ الديمقراطية" من نقدٍ عميقٍ لـ "الأمة القومية"، التي انتجت "الدولة القومية" التي أسهمت في تصاعد وتنامي الصراعات في المنطقة عبر العقود الماضية. لقد بشر أوجلان بما أسماه "نهاية عصر الأمة القومية"، وطرح "الأمة الديمقراطية" البديل الذي في حال تشكله سيؤدي إلى حل الكثير من الأزمات والصراعات التي تعاني منها منطقتنا. ولقد قدم المفكر عبدالله أوجلان إطاراً مبدئيًّا لحل القضية الكردية يقوم على الأطر الديمقراطية وذلك من خلال مبدأ الأمة الديمقراطية التي يمكن أن تتشكل من المكونات المختلفة للمجتمع المدني والجماعات والشعوب التي تمثل مصدراً للثراء من خلال التنوع الذي تنطوي عليه، وفي إطار الأمة الديمقراطية لكل مواطن وظيفة يمارسها بفاعلية، وكذلك من خلال مبدأ الوطن الديمقراطي المشترك، حيث أن تأسيس وطن مشترك يضم كافة التنويعات العرقية والدينية والمذهبية هو المدخل الأنسب لإدارة التعددية، على أن يكفل ذلك التحلي بين الجميع بالروح الوطنية والارتباط بالأرض والمجتمع. ويأتي ذلك في إطار دولة ديمقراطية كبديل أنسب للدولة القومية التي خلقتها الحداثة الرأسمالية، ففي إطار الدولة الديمقراطية تتعزز مقومات المجتمع الديمقراطي.
*دعني أسألك تحديداً حول رؤية القائد أوجلان لأهمية التعاون بين الكرد والعرب ودور تلك التحالفات في المساعدة على حل قضاياهم الوطنية؟
* إن الروابط بين الشعبين العربي والكردي قديمة قدم التاريخ حيث أنهما متجاورين ومتداخلين حضارياً وثقافياً وتاريخياً، والشعبان يواجهان في العصر الراهن أخطاراً مصيرية، ويتعرضان معاً لتحديات وجودية، ما يفرض عليهما أن يوحدا جهودهما لمواجهة تلك التحديات. وفي هذا الإطار دعونا نذكر كيف أن المؤتمر الصهيوني الأول برئاسة تيودور هرتزل الذي انعقد في مدينة "بازل" السويسرية في العام 1897، وُضع "حجر الأساس" لمشروع "الدولة اليهودية"، وبعدها عُقد مؤتمر "كامبل بنرمان" في لندن، عام 1905، واستمرت جلساته حتى 1907، تلبيةً لدعوة سريّة من "حزب المحافظين" البريطانيين، بهدف "إيجاد آلية تُحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية، في منطقتنا، إلى أطول أمد ممكن"، ومن آثارهما تمزيق مؤامرة "سايكس ـ بيكو" الاستعمارية عام 1916، للجسد العربي وتقطيع أوصاله، كذلك الأمر تم تمزيق الكرد على أربع دول هي إيران، وسوريا، والعراق، وتركيا، ضماناً لتأمين مصالح المُستعمرين الأوروبيين، وإدامة سيطرتهم على حاضر المنطقة ومُستقبلها. والتاريخ ينبئنا عن الدور الثقافي الذي لعبه الكثير من المثقفين الكرد في الثقافة العربية فضلاً عن الدور السياسي والنضالي في مقاومة القوى الاستعمارية الطامعة في ثروات منطقتنا.
*هذه الحالة من العزلة والتجريد بحق القائد عبدالله أوجلان، إلى أي مدى كشفت برأيك عن بشاعة النظام التركي؟
* إن ما يتعرض له القائد والمناضل عبد الله أوجلان في معتقل جزيرة إمرالي التركية على مدى ربع قرن من الزمان، يكشف بوضوح عن فاشية النظام التركي واستهتاره بجميع المواثيق والأعراف والقوانين الدولية ذات العلاقة بالحقوق الأساسية الثابتة للمعتقلين السياسيين.
*هل هناك أمور معينة ستقوم بها المبادرة العربية لحرية أوجلان خلال الفترة المقبلة؟
* لقد تداعى العديد من المثقفين المصريين والعرب المنتمون لتيارات فكرية وسياسية مختلفة والمنحازين لقيم العدالة والحرية، لتشكيل المبادرة العربية لحرية القائد أوجلان بهدف التعريف بقضية أوجلان وشعبه، وسعينا على مدار ثلاث سنوات الى كشف وفضح ممارسات السلطات التركية التي تعمل على سحق أحلام وطموحات الشعب الكردي، بكل أدوات القمع التي لم تستثني طفلاً أو امرأة. وعملنا كمبادرة على التعريف بمسيرة وأفكار القائد والفيلسوف عبد الله أوجلان وقضيته، من خلال الندوات والمقالات واللقاءات الإعلامية، وذك في إطار السعي لحشد أوسع تأييد للمطالبة بإطلاق سراحه، بعد ما يربو على ربع قرن من الزمن أمضاها في سجن معزول في جزيرة إمرالي، وممنوع من سنوات من لقاء أهله ومحاميه في تحد صارخ لأبسط القواعد والقوانين والمواثيق المعنية بحقوق الأنسان. وفي هذا الإطار أصدرنا العديد من البيانات وأقمنا العديد من الندوات، وسنعمل جاهدين خلال الفترة القادمة على تكثيف نشاطاتنا للضغط من أجل فك العزلة توطئة للحرية الجسدية للمفكر الأممي عبد الله اوجلان الذي يمثل اعتقاله بقعة مظلمة في تاريخ البشرية. ونحن بصدد إصدار كتاب يتضمن سيرته النضالية ويطل على إبداعاته الفكرية خلال الأيام القليلة القادمة وسوف نقيم أكثر من ندوة لعرض الكتاب ومن خلاله لعرض سيرته النضالية الطويلة والغنية، وكذلك لتحليل رؤاه الفلسفية واجتهاداته الفكرية.