في هذا السياق حاورت وكالة فرات للأنباء (ANF، الناشط السياسي التونسي سيف الدين العرفاوي، الذي أبدى انتقاده الشديد للإجراءات التي تتبعها سلطان أردوغان بحق القائد عبدالله أوجلان، مشدداً على أنها أتت بنتائج عكسية وهو أنه أصبح شخصية ذات تأثير عالمي ورمزا النضال والبحث عن حقوق شعبه.
وأعرب "العرفاوي" عن رؤيته بأن عزلة أوجلان جاءت كاشفة عن نفاق النظام التركي، على حد تعبيره، الذي يتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان لكنه يفعل غير ما يقول، مؤكداً أنه من غير المقبول ممارسات تركيا بحق الشعب الكردي.
وإلى نص الحوار:
*أنت ناشط سياسي تونسي ولك تجربة نضالية، كيف تتابع تجربة عبدالله أوجلان، وما يواجه من انتهاكات بحقه في سجن إمرالي من قبل السلطات التركية؟
أولاً شكراً على الاستضافة من قبل وكالة فرات للأنباء وفتح الباب وترك المجال لشخصي المتواضع للحديث عن شخصية بقيمة القائد عبد الله أوجلان وأرجو أن يكون حواري معكم في مستوى تطلعات القراء الذين يتابعون وكالتكم الموقرة. والحقيقة أن الزعيم الكردي عبد الله أوجلان شخصية بارزة قد أثارت الكثير من التساؤلات والجدل على الصعيدين الوطني والدولي، فهو يُعتبر قائد نضالي يسعى إلى تحقيق حقوق الشعب الكردي، ولكنه في الوقت نفسه تم وصفه بأنه إرهابي من قبل الحكومات التركية وبعض الدول الأخرى وعلى رأسها أمريكا، لكنها اتهامات من المعروف أسبابها، فكل من يحاول أن يبدي رأيه ويقوم بتغيير ويكون ضد الأمريكيين يتم نعته بصفة الإرهاب، ولكن يكفي أنه أصبح مناضل له صيتاً عالمياً بفضل أفكاره حتى لو وصموه بالإرهاب.
*ما الذي يستوقفك بالنسبة لأفكاره وسيرته؟
يمتاز نضال عبدالله أوجلان بتأثيره على الوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة، لا سيما ما يتعلق بتحرير المجتمعات والتعايش السلمي بين الشعوب ومكانة المرأة، ولهذا فإن قيده في السجن يشكل تحدياً يتطلب متابعة دقيقة في سياق الحقوق والحريات، فالرجل يمثل رمزاً للنضال من أجل حقوق الشعب الكردي وتحقيق الكرامة والحرية، فهو صاحب دور قيادي ومحفز للنضال ضد التمييز والقمع، وللأسف بدلا من أن يكون حراً، فأنه اليوم يعاني القمع والعزلة والتجريد، وقد تابعت تقارير حقوقية تشير إلى أنه لا يعلم عنه أي شيء ما إذا كان مريضاً أو على قيد الحياة في ظل قطع أي اتصال له مع العالم الخارجي بما في ذلك محامييه وأهله.
*ما رأيك فيما يجري له من عزلة بهذا الشكل وإلى أي مدى تشكل خرقا حقوقيا؟
الواقع يقول إن تركيا تتشدق أمام العالم بالديمقراطية وصون حرية التعبير والفكر، إلا أن هذه حالة من النفاق السياسي لأن النظام التركي لا يطبق أيا مما يقول. وحرمان السيد عبد الله أوجلان من حقوقه في الزيارات العائلية وزيارة محاميه هو خرق واضح وجلي لكل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وللأسف هنا يظهر من جديد ضعف هذه المنظمات في الدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان. وأقول أيضاً إنه يمكن أن تختلف مع أوجلان فكرياً لكن أن تقمعه وتصنفه إرهابياً لفكره فهذا غير مقبول على الإطلاق. وهنا أود أن أشير إلى نقطة مهمة بخصوص التعامل مع عبد الله أوجلان.
*وما هي؟
البعض قد يرد علينا ويقول إنه رجل ذهب إلى العمل المسلح، لكني أرد عليهم بالقول إنه حين كان الرجل يدعو للحوار والديمقراطية صددتموه وأوصلتموه إلى مرحلة يدافع بها ومن معه عن أرضه وأهله وفكره ثم صنفتموه إرهابياً، فماذا عساه أن يفعل؟!، فالأمر أشبه بالمثل الشعبي الذي يقول "ضربني وبكى وسبقني واشتكى".
*ما المطلوب برأيك؟ ما الذي يجب على السلطات التركية القيام به؟
أنا أعتقد أن المصالحة هي خيار ضروري لتحقيق السلام في المنطقة، ويجب على الحكومة التركية التقدير الجدي للهوية الكردية وضمان حقوق الكرد، والحوار المستمر يمكن أن يكون السبيل نحو تحقيق تسوية دائمة.
*وهل ترى أن نظام أردوغان يؤمن بما تقول؟
أكثر من ثلاثين سنة ولم تستطع تركيا القضاء على الفكر ولا أي نظام آخر، فقط النظام التركي يريد إعطاء دروس للعالم في الحقوق والحريات ويوم الامتحان تكون تركيا في قيادة قائمة الفاشلين حقوقيا. وبالطبع تركيا دائماً لا تؤمن بما تقول فهي دائماً تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول، وبالتالي ليس غريباً على هذا النظام ما يفعل، فلو ركزنا قليلاً ونلاحظ دور تركيا في الحرب على سوريا على سبيل المثال، وما تفعل تركيا كذلك مع شخصية مثل أوجلان سنفهم الكثير حول طبيعة هذا النظام.
*أنت استخدمت لفظ النفاق السياسي في وصف ممارسات النظام التركي، كيف يفعل ذلك مع الكرد ويدعي أنه يدافع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟
أنا أتوجه بسؤال للأتراك، كيف ترفعون شعار الدفاع عن فلسطين وأرضهم وفكرهم وتحرمون غيرهم من نفس الحق؟ وأيا كانت الإجابة فإن الواقع يقول إن القضاء على الكرد أمر مستحيل، وهم واقع يجب على تركيا التعامل معه في إطار التعايش السلمي والتسامح واحترام حقوقهم وهويتهم وثقافتهم بدلاً من القمع والتهميش والصراع.
*هل لديك ما تود إضافته كذلك بشأن وضع القائد أوجلان في السجن؟
بالنسبة لوضعه في السجن، فقد قيل بحقه الكثير، مثل نيلون أندرسون الذي دعا إلى تحسين ظروف احتجاز أوجلان وشدد على ضرورة احترام حقوق الإنسان في معاملته. وفي بعض الأحيان، تظهر أصوات في البرلمان الأوروبي تعبر عن القلق إزاء معاملة أوجلان أو تطرح مسائل حقوق الإنسان بشأنه. وأؤكد أن حرمانه من عائلته وحقه أمر خطير وغير مقبول وأدعو الجميع لمساعدة قضيته، فحرية التعبير مكفولة للجميع عالمياً لكن يبدو أنها مقفولة عند الأتراك، كما أؤكد على أن الأتراك مهما فعلوا لن يستطيعوا منع أفكاره من الانتشار، بل على العكس أصبح أوجلان شخصاً ذائع الصيت عالمياً وكذلك أفكاره.