بعد مضي نحو عامين ونصف من الحرب، بات السودان يشكل واحدة من أشد أزمات العالم قسوة، مع وجود نحو 10.7 ملايين نازح بما يعادل نحو 2.1 أسرة كان عليهم المغادرة وترك مدنهم التي دمرها الصراع، لكن هذا الوضع الذي تزامن معه نقص حاد في الغذاء، بات يهدد بمجاعة وكذلك انتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا وأمراض العيون وسط نقص كذلك للدواء، ما يضع حياة 25.6 مليون سوداني أي أكثر من نصف السودانيين أمام شبح الموت جوعاً وألماً، وفق أحدث تقديرات الأمم المتحدة.
هذا الوضع المأساوي لم يشفع بعد للسودانيين لدى قادتهم لوقف الحرب المستعرة، وحتى المباحثات التي عقدت في مدينة جنيف السويسرية على مدار 10 أيام وغاب عنها وفد القوات المسلحة وحضرها وفد الدعم السريع لم تفضِ إلى مخرجات يمكن أن تشكل تحولاً جوهرياً في مسار الأزمة التي ازدادت تعقيداً مع انشغال كثير من الأطراف الإقليمية والدولية بالحرب في غزة.
أزمة إنسانية مركبة
يقول الكاتب الصحفي السوداني عثمان ميرغني، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن "الوضع الإنساني بالسودان في أسوأ حالاته من مختلف الجوانب، فهناك مجاعة في معظم أنحاء البلاد ونقص في الغذاء في معظم المناطق، وحتى المناطق التي يتوافر بها الغذاء فلا يتوافر المال اللازم لأصحابها لشراء احتياجاتهم في ظل غياب العمل وارتفاع الأسعار الذي يحدث بشكل يومي.
ويوضح ميرغني أنه علاوة على ذلك، فإن المناطق التي كانت تنتج الغذاء مثل الجزيرة توقفت عن الزراعة نتيجة الصراع حيث توقفت بصورة تامة زراعة الذرة والسمسم التي يعتمد عليها السودانيون، منوهاً أنه بالتالي فعلى صعيد الوضع الغذائي فإنه صعب للغاية مع استمرار الصراع الذي أخذ طابعاً عسكرياً عنيفاً.
ويلفت الكاتب الصحفي السوداني إلى أن هناك مشاكل أخرى تتعلق بالأوضاع الصحية، مثل انتشار الكوليرا وأمراض العيون في كافة المناطق السودانية، لافتاً إلى أن الاستجابة لها لا تزال ضعيفة لغياب المؤسسات التي تعمل في المجال الصحي وتدمير المستشفيات وعدم الحصول على الإمدادات الطبية اللازمة أو إرسالها للأماكن التي يغلب عليها الصراع العسكري، مؤكداً أن السودانيين باتوا أمام وضع إنساني حرج للغاية.
وعن مدى إدراك قادة الحرب في السودان إلى الحاجة للتوافق من أجل وضع حد لهذه المعاناة الإنسانية، يقول ميرغني إنه للأسف الشديد ليس هناك ارتباطاً بين القرار السياسي وأوضاع المواطنين، فعادة القرارات التي تصدر من الأطراف السياسية لا تنظر للواقع الذي يعاني منه المواطن داخل وخارج البلاد، لأن هؤلاء وفقاً له ينظرون بصورة مباشرة إلى مكاسبهم السياسية والشخصية دون الأخذ في الاعتبار ما قد يلاقيه الشعب السوداني جراء استمرار الحرب.
وفي منتصف نيسان من عام 2023، اندلعت المعارك بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس السيادة والحاكم الفعلي للبلاد، وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان الشهير بـ"حميدتي"، لتندلع حرب عنيفة تطال مناطق واسعة من البلاد.
وقد خلفت الحرب نحو 15 ألف قتيل على الأقل منذ اندلاعها، في صرع وصفته بعض التقارير الغربية بأنه "الحرب المنسية"، في ظل انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية وكذلك الحرب في قطاع غزة الفلسطيني، فيما لا تزال جهود الحل الدولي أو الإقليمي التي تظهر على استحياء من وقت لآخر غير قادرة على إحداث اختراق حقيقي في مواقف طرفي الصراع.
الحاجة إلى ضغط على أطراف الصراع
بدوره، يقول شريف محمد عثمان الأمين السياسي للمؤتمر السوداني والقيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إن السودانيين والسودانيات علقوا آمالاً عريضة على جولة التفاوض التي عُقدت في جنيف لإنهاء المعاناة الإنسانية، لكن غياب وفد القوات المسلحة عن هذه الجولة لم يُحقق الأهداف والنتائج المرجوة منها، وهذا ما يهدد الملايين من الشعب السوداني بتداعيات هذه الحرب الكارثية، وفقاً له.
وأوضح عثمان، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن عدة تنسيقيات من معسكرات النازحين في دارفور والحركة الشعبية – شمال جناح الحلو قد أعلنت عن وفاة عدد من المواطنين متأثرين بالمجاعة، كما أن إعلان وزير الصحة عن انتشار وباء الكوليرا، وتأكيد عدد من الفاعلين في المجال الصحي في وقت سابق على انهيار النظام الصحي، إضافة إلى أخطار السيول والفيضانات في عدة ولايات بالسودان، كل هذه الكوارث تحيط بالشعب السوداني.
وقال السياسي السوداني إن إعلان الدول والمنظمات الدولية والإقليمية المشاركة في جنيف عن إنشاء تحالف لإنهاء الحرب في السودان هو تأكيد على إرادة دول المنطقة والإقليم على إنهاء الحرب والمساهمة في مساعدة الشعب السوداني، مثمناً هذه الجهود لكنه يدعو جميع محبي السلام في العالم إلى ممارسة الضغط على أطراف الصراع لتسهيل عملية إدخال المساعدات الإنسانية والمساهمة في إنهاء الصراع.
وتشير إحصاءات سابقة إلى أن إنتاج الحبوب في السودان انخفض بمعدل 40% خلال الفترة بين 2022 و 2023، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فالكثير من المزارعين إما فروا من مزارعهم أو نُهب إنتاجهم من قِبل الميليشيات أو اضطروا بفعل الجوع إلى استهلاك البذور التي كانوا ينوون زراعتها.