الدراما والافلام التركية..كيف تعمل ماكينة الحرب الخاصة التركية في تزوير الحقائق

تدرك ماكينة الحرب الخاصة التركية ان تزوير الحقائق التاريخية أمر مهم فهي تعلم جيداً ان التاريخ لايحمل في طياته شيئ يجذب القارئ لقراءة تاريخها الذي يحفل بالمجازر والقتل وإراقة دماء الشعوب.

يمكن للمتابع للدراما التركية وافلامها ادراك ماهية واهداف من يقف وارء هكذا اعمال والتي انتشرت كالنار في الهشيم مؤخرا على الفضائيات العربية منها من يصور مقاتلي الكريلا على انهم قتلة ومجرمون بل وابعد من ذلك يصورون الكرد على انهم شعوب جهلة يعيشون في الجبال لايفقهون شيئ بل وذهب اولئك الذين يصدرون هكذا افلام ومسلسلات ابعد من ذلك من خلال تزوير حقائق تاريخية راسخة لايمكن لعاقل تزويرها والتي انعكست سلبا على هؤلاء المصدرين العاملين وفق سياسية الحرب الخاصة التركية ولعل ابرز تلك المسلسلات هو(قيامة ارطغرل).

ماهو الشكل العملي لتزوير الحقائق التاريخية؟

يكمن الشكل العملي لتزوير الحقائق من خلال اصدار تعديل لبعض الحقائق المثبتة تاريخيا والموثوقة في كتب تاريخية قديمة لصالح مجموعة لها اهداف سياسية معارضة لتلك الحقائق حيث تروج لها بشكل مزيف وعادة مايتم ذلك من خلال الدراما والافلام التاريخية والذي يؤدي بالمتابع الى فهم التاريخ بشكل مغلوط دون التحقق والبحث في مصداقية تلك المصادر التي نقلتها تلك الافلام والمسلسلات ومنها ايضا مسلسل عبد الحميد الثاني والذي قام بتحريف وتزوير الكثير من الحقائق التاريخية المتعلقة بمصر  .

قيامة ارطغرل

ولعل من ابرز تلك الافلام والمسلسلات كما ذكرنا هو المسلسل التركي قيامة (أرطغرل) والذي يصور الأيوبيين كجبناء وخونة، وسرقة انجازات المماليك، وبأنه أنقذ المسلمين من المغول والفرنجة رغم أنه لم يكن حاكما ولم تذكره المصادر التاريخية بحسب مااورده المؤرخ الفلسطيني تامر الزغاري في احدى منشوراته. والذي قام بسرد تقييم اعتمد من خلاله على مصادر ومراجع تاريخية قام بذكرها في نهاية منشوره.

وجاءت هذه النقاط كمايلي:

- لم يكن هنالك حاكم يدعى أرطغرل، فالمسلسل يصور أرطغرل كحاكم لشمال غرب الأناضول بين عامي 1230م و 1281م، وبالتأكيد هذه معلومة تاريخية خاطئة، حيث لم يتم ذكر أرطغرل في كتب الذهبي وابن كثير وابن بطوطة وابن الجوزي والمقريزي وهؤلاء منهم من أدرك أرطغرل ومنهم من وُلد بعد حوالي 20 عام أو 100 عام من وفاته، وكذلك لم يتم ذكره في المصادر البيزنطية سواء في الأرشيف أو في كتب المؤرخ البيزنطي جرجس باشيميريس الذي كان في زمن أرطغرل بحسب تواريخ المسلسل، وأما الحقيقة فهي بأن أرطغرل هو إنسان عادي لم يكن حاكما، وأصبح ابنه عثمان محافظاً على الحدود السلجوقية، ولكن بعد قرون أضاف له العثمانيين الاساطير لأهداف كثيرة.

-يَدَعي المسلسل بأن أرطغرل هو ابن سليمان شاه زعيم قبائل قايي التركية وهذا خطأ، فإذا رجعنا إلى كتاب "تواريخ آل سلجوق" للمؤرخ يازجي أوغلو علي والذي كتبه عام 1436م في عهد السلطان العثماني مراد الثاني فإنه يذكر بأن والد أرطغرل يدعى غوك آلب، وكذلك لم يذكر هذه الصلة محمد باشا القرمانلي وهو الصدر الاعظم للسلطان العثماني محمد الفاتح عند تدوينه للنسب العثماني.

- كل قصص أرطغرل هي قصص خرافية اسطورية تم تدوينها بعد أكثر من 400 عام من تاريخ وفاته المفترض، وهذا في إطار سعي السلاطين العثمانيين لتقديم نسب وأصل واضح يفتخرون به، ففي أول قرنين كانوا يدعون بأنهم من قبائل الغز التركية وعند ضمهم لمصر عام 1517م إدعوا لفترة قصيرة بأن أصلهم من عرب الحجاز، وكذلك إدعوا لفترة قصيرة بأنهم من نسل الخليفة عثمان بن عفان (ر) بحسب المؤرخ ابن إياس، ولكنهم لاحقا دونوا رواية رسمية تقول بأنهم من نسل سليمان شاه زعيم قبائل قايي التركية، واعتمدوا هذه الرواية ونشروها، وحتى قاموا بتدوينها في الكتب التاريخية التي تم إعادة نسخها، وفي هذا المسلسل أيضاً أضافوا له بطولات أسطورية جديدة فوق البطولات الأسطورية التي كتبها العثمانيين.

- قام المسلسل بتصوير الأمراء الأيوبيين كجبناء وضعفاء وأغبياء وصور الأمراء السلاجقة كشجعان وأقوياء، وأن السلاجقة وقفوا بشجاعة أمام المغول في حين كان الأيوبيين خونة، وهذا خطأ فادح وتشويه متعمد للأيوبيين، فمثلا أمير ميافارقين الكامل الأيوبي مات شهيداً بعد أن واجه هولاكو بشجاعة، وأمير حماه المنصور الأيوبي كان أحد قادة الإنتصار في معركة عين جالوت على المغول، في حين تسابق أمراء السلاجقة لتقديم مراسيم الولاء والذل للمغول، واعتبروا انفسهم ولاة للمغول على بلادهم.

- قام المسلسل بسرقة انجازات المماليك وأهمها الإنتصار في معركة عين جالوت وإيقاف تقدم المغول، حيث قام المسلسل بتصوير أرطغرل كصاحب الفضل في هذا النصر والذي لولا مساعدته للمماليك وإرساله للمقاتلين ما كان لهذا النصر أن يتحقق، وبكل تأكيد ما ورد في المسلسل خاطئ ولم يرد في أي مصدر تاريخي.

- قام المسلسل بتصوير أرطغرل كموحد لبلاد المسلمين، وأنه صانع التحالف بين المماليك والقبيلة الذهبية، حيث ظهر في المسلسل أن السلطان المملوكي بيبرس لم يكن يثق بزعيم دولة القبيلة الذهبية بركة خان، ولم تتحقق هذه الثقة إلا بعد أن أرسل أرطغرل رسالة إلى الظاهر بيبرس يضمن فيه بركة خان، وبكل تأكيد ما ورد في المسلسل خاطئ ولم يرد في أي مصدر تاريخي.

- قام المسلسل بإختراع مؤامرة وهمية حول إعداد جماعة فرسان الهيكل لحملة صليبية جديدة كانت ستجتاح وتدمر بلاد العرب والمسلمين لولا قيام أرطغرل بكشف هذه المؤامرة وإفشالها، وبكل تأكيد هذه المعلومة خاطئة، ففرسان الهيكل في زمن أحداث المسلسل كانوا في أسوأ حالاتهم ويتلقون الضربات من المماليك، فقد طردهم المماليك من صفد عام 1266م.

- يصور المسلسل أرطغرل كحاكم على مناطق شمال غرب الأناضول وأهمها مدينة سكود، وأن الإمبراطور البيزنطي كان ضعيفاً أمامه، ولكن في الحقيقة وطبقا للمصادر التاريخية، كانت تلك المناطق في الزمن الذي يشير له المسلسل تابعة للبيزنطيين، وكان الإمبراطور البيزنطي آنذاك ميخائيل الثامن باليولوج قوي فقد استرد القسطنطينية من الكاثوليك وأعاد تاجها للأرثوذكس، وكان ثلث جيشه من المرتزقة الأتراك، وقد إحتمى به السلطان السلجوقي كيكاوس الثاني عام 1262م، وللإمبراطور البيزنطي دور في تنصيب السلطان مسعود الثاني السلجوقي سلطاناً على الأناضول.

ويختتم المؤرخ الفلسطيني تامر الزغاري منشوره بالقول"واجب علينا أن نلاحظ كيف الأتراك صنعوا من الأوهام ملحمة تاريخية جذبت الملايين في دلالة واضحة على مدى إنتمائهم لتاريخهم الذي يسعون لجعله بأبهى صورة، بينما العرب ورغم الكم الهائل من الأبطال الذين صنعوا تاريخهم ولكن مصير سيرتهم للأسف إما التجاهل أو الطمس أو التشويه أو الإنتقاص".