"الأمازيغ مثل الكرد قد عانوا الإيديولوجيات القومية والإسلاموية المتطرفة"

دائماً ما يدور الحديث بين الكرد حول الأمازيغ والتواصل معهم، لا سيما أن ما يجمع بين الكرد والأمازيغ كثير من التحديات والأمور المشتركة وكذلك كثير من أوجه التشابه على الصعيد النضالي من أجل نيل حقوقهم.

في هذا السياق، أجرت وكالة فرات للأنباء (ANF)، لقاء مهماً مع الكاتب والشاعر والناشط والباحث الأمازيغي المغربي البارز أحمد عصيد، وذلك عبر تطبيق "زووم"، حيث أدار اللقاء من قبل مكتب الوكالة بالقاهرة بمشاركة الباحث بشؤون سياسات الهوية الدكتور طه علي، جرى خلاله الحديث حول عديد من القضايا والملفات الجدلية لا سيما ما يتعلق بالتكوينات الاجتماعية.

 

وقد تحدث "عصيد" عن الحركات الأمازيغية والتي قال إنها كانت من الأساس ردة فعل ضد مشروع التعريب، كما أشار إلى ما عانته الحركة الأمازيغية من الإيديولوجيات العابرة للقارات، التي أعاقت المغاربة عن أن يهتموا بأنفسهم وألا يعرفوا الكثير عن ذواتهم ومكوناتهم وعن تاريخهم.

إلى نص اللقاء القسم الأول:

*منطقة شمال أفريقيا، وفي القلب منها الشعب الأمازيغي كشعب أصيل مر بتحولات مجتمعية، ارتبطت بالتحولات الأوسع على المستوى العالمي، كيف أثر ذلك على تشكل المشروع الفكري والعلمي للسيد أحمد عصيد وهو المثقف المشتبك مع قضايا مجتمعه والمعبر عنها والناقد لها أيضاً؟

- أولاً أحييكم على هذه المبادرة وأشكر وكالة فرات للأنباء على هذا الاتصال، وأحيي كذلك جميع الفاعلين والمناضلين الكرد الذين لهم نفس القضية التي نظرنا فيها وهي استعادة ما تم فقدانه بسبب الإيديولوجيات الإقصائية، وأيضاً الاشتغال حول عودة الوعي أو العودة إلى الذات، لأننا نعتبر – سواء بالنسبة للأمازيغ أو الكرد – أن العودة للذات هي المنطلق الصحيح لفهم العالم وللتعامل المتوازن مع الآخر عبر الاعتراف بالآخر واحترامه ولكن أيضاً عبر فرض الاعتراف بالذات والاحترام لها كذلك، وبالتالي يمكن أن أقول بالنسبة لسؤالكم أن السبب الرئيسي الذي جعلني انخرط في معركة استعادة الهوية والوعي بالذات عدة عوامل، أهمها أننا عشنا نوعاً من التشظي في الحياة اليومية بوصفنا أمازيغ ناطقين بلغتنا الأصلية ونحمل ثقافة أصلية، هذا التشظي والتمزق الهوياتي يأتي بسبب أن الدولة الوطنية المركزية تفرض ثقافتها الرسمية وتهمش مكوننا الأصلي، ونحن عائلات هاجرنا من الجبل والبوادي باتجاه المدن مع بداية الاستقلال، ووجدنا أننا في وسط حضري فيه مكونات عديدة، وليس مثل الموطن الأصلي الذي كنا فيه ذي الثقافة واللغة الأمازيغية، فوجدنا العربية والفرنسية والعديد من المكونات المغربية وتقاليد وعادات مختلطة في وسط حضري، وهنا شعرنا بنوع من عقدة اللسان والأخيرة سببها أننا نكتشف أن اللغة التي نحملها ليست معتبرة وليست محترمة في الفضاء الجديد، مما جعلنا نختار بين أحد اختيارين إما أن ننخرط ونندمج في السياسة الاستيعابية للدولة ونتعلم لغات الدولة وهم العربية والفرنسية والإنجليزية لكي نندمج وننسى ثقافتنا وهويتنا الأصلية من أجل أن نصل إلى المناصب ونتولى الشأن العام ونترقى في المؤسسات وما إلى ذلك، وإما أن نختار الاختيار الثاني وهو الأصعب بأن نفرض على الدولة أن تحترمنا وتعترف بأننا موجودون ونحن الغالبية الساحقة من الشعب المغربي، لأن مشكلة الأمازيغ في بلدانهم أنهم ليسوا أقليات، فهم أغلبية ولكن جعلوا في موضع الأقليات؛ بسبب السياسات المتبعة في الدولة سواء في الجزائر أو المغرب أو تونس، والسبب في ذلك السياسة الفرنسية، لأننا استعرنا النموذج للدولة التي استعمرتنا وهي فرنسا، والنموذج الفرنسي يتميز بشيء أساسي يسمى "التأحيد" القائم على فكرة اعتماد العنصر الواحد في اللغة والهوية والثقافة، والدستور الفرنسي يقول إن الفرنسية هي لغة الدولة، وأي لغة محلية أخرى في فرنسا تحال إلى الهامش، فأخذنا هذا النموذج الفرنسي وبنينا عليه الدولة المغربية وكذلك الجزائر وتونس، والنتيجة أننا اعتبرنا العربية لغة الدولة وأن المكونات الأخرى ينبغي أن تترك على هامش النسيان لكي تمحى بالتدريج، لكن الدولة التي اختارت النموذج الفرنسي وجدت نفسها في موقع صعب وهي أن النموذج الفرنسي لا يتلاءم مع حقيقة الحضارة في تلك الدول لأنها بلدان تنوع وتعددية منذ أقدم العصور، وكل بلدان الأمازيغ استقبلت عناصر حضارية من البحر المتوسط ومن العمق الأفريقي والمشرق وشبه جزيرة أيبيريا وتشكل نوع من الفسيفساء الجميلة حضارياً، ولكن الخيط الرفيع الذي قام بالتوليف بين هذه العناصر المختلفة هو الخيط الأمازيغي، ولهذا فإن الهوية هنا على هذه الأرض هي هوية أمازيغية ذات أبعاد متعددة، فاضطررنا إلى خوض معارك انتزاع الاعتراف لمدة 25 عاماً لكي نعيد المغرب إلى ما كان ينبغي أن ينطلق منه منذ عام 1956 وهو أن ينطلق من ذاته عوض أن ينطلق من نموذج أجنبي، والأمر شبيه بأن تُلبس شخصاً ما لباساً إما ضيقاً جداً عليه أو واسعاً جداً عليه وبالتالي غير مناسب له في كل الأحوال، ولكي يلبس لباسه الخاص ينبغي أن يعود إلى ذاته وهذا ما فعلناه، إذن ما عشناه في الطفولة من تمزق هوياتي كان الدافع الأكبر لأن أبدأ مساري الفكري وأنتهي إلى ما انتهيت إليه.

ثم أن هناك عامل آخر وهو ما يتعلق بالتشكيلات السياسية في المغرب، فالأحزاب السياسية في بلدنا اعتنقت إيديولوجيات أجنبية عن المغرب، على سبيل المثال اليسار كله كان يساراً قومياً عربياً ناصرياً تأثر كثيراً بالناصرية، وتأثر أيضاً بالبعث في العراق وسوريا، حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق أثر كثيراً في النخب الحزبية بالمغرب وأغلبيتهم أمازيغ لكنهم تبنوا إيديولوجية سياسية أجنبية عن ثقافتهم وعانينا كثيراً معهم، ولكن رغم ذلك لم نترك أبداً الباب مقفلا، كان الباب دائما مفتوحاً على النقاش والحوار مع هذه النخب إلى أن استعدناها لصالحنا، وإلى أن غيرت هي مواقفها لصالح أطروحتنا، كما غيرتها الدولة أيضاً، بمعنى انتصرنا في جميع المعارك التي خضناها وأقصد معارك الاعتراف، لكن أنا شخصياً تسلحت بثلاثة أشياء في مساري الفكري، المسألة الأولى وهي الثقافة الأصلية بمعنى أنه لا بد أن يكون للمواطن الأمازيغي أو الكردي معرفة جيدة بالثقافة الأصلية وبتاريخه ولغته وعاداته والتقاليد القومية، وهذا الأمر أساسي لأن هذا التشبع بالجذور مهم جداً في معركة انتزاع الاعتراف، والمصدر الثاني لقوة خطابنا ولمسار شخصي كذلك التكوين الفلسفي في العلوم الإنسانية، فقد اخترت شعبة الفلسفة والسيسيولوجيا والأنثروبولوجيا وكان لهذا التكوين أثراً عظيماً جداً على مساري الفكري وأيضاً على اشتغالي على الثقافة واللغة، خاصة أن علم الإنسانيات مع الفلسفة، وهذا كله ساعدني على أن أفهم الإشكاليات الكبرى للدولة وللمجتمع، ثم أن هناك مرتكزاً آخر، وهو المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وخاصة منذ عام 1966 إذ ظهرت اتفاقية للحقوق السياسية والمدنية التي تتحدث لأول مرة عن الحقوق الثقافية واللغوية للشعوب وهو ما يمسى بالجيل الثالث من الحقوق والحريات، ففي البداية كان الحديث عن الحقوق السياسية والمدنية ثم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ثم أصبحنا منذ نهاية الستينيات نتحدث عن الحقوق الثقافية واللغوية للشعوب، فإذن الثقافة الأصلية واللغة الأصلية بالإضافة إلى تكوين العلوم الإنسانية والفلسفة ثم المرتكز الثالث وهو حقوق الإنسان، فهذه المرتكزات الثلاثة تداخلت في تكويني الشخصي ومنحتني كل تلك الأعمال التي قمت بها سواء المقالات التي تزيد على 3 آلاف أو المؤلفات التي وصلت إلى 16 مؤلفاً تقريباً أو كذلك المحاضرات والندوات والمراهنات التي خضتها على مدار 45 سنة.

ويمكن القول إن إشكالية الأمازيغ هي ابنة هذه المرجعيات الثلاثة، الأمازيغية كقضية هي ابنة الثقافة الأصلية والأصيلة وابنة العلوم الإنسانية بامتياز، لأن لولا هذه العلوم لما أدركنا كيف ندافع عن أنفسنا وكيف نترافع من أجل قضيتنا وهي ابنة حقوق الإنسان بامتياز كذلك، ولهذا تشكل الحركة الأمازيغية جزء لا يتجزأ من الحركة الحقوقية في المغرب، فأنا نفسي كرئيس للمرصد الأمازيغي للحقوق والحريات أنتمي إلى ما نسميه الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، التي تهتم بحقوق الإنسان في المغرب، فإذن العمل في مجال الأمازيغية مثل العمل في القضايا النسائية نلتقي جميعاً في مجال الحقوق عندما ندافع عن الكرامة الإنسانية، ونعتبر أنه لا كرامة لإنسان دون هويته ولغته ودون أن يشعر بالطمأنينة الاجتماعية في بلده التي يعيش بها وألا يشعر بالإقصاء وألا يشعر بالتمييز، فالتمييز شيء حاربناه طوال حياتنا وهو أسوأ ما واجهناه، فآخر ما تحدثت فيه بالأمس فقط هو أن أحد ضباط الحالة المدنية منع تسجيل اسم "أمازيغي" في دفتر الحالة المدنية لأحد المواطنين، مع أنه يمكن تسجيل اسم "عربي" كاسم بدون تردد في حين يرفض اسم "أمازيغي"، وهذا تمييز عنصري وقبيح جداً أن يصدر عن مواطن مغربي في بلد لغته الرسمية الأمازيغية وفي بلد أيضاً فيه قوانين كلها تؤكد على أن الأمازيغية إرث لجميع المغاربة بدون استثناء، وهذه هي معضلة القومية العربية والإسلام السياسي، جعلت الكثير من مواطنينا يجهلون ذاتهم ويتصرفون ضد هويتهم وهم يعتقدون أنهم يفعلون شيء حسناً، وهذا الذي رفض تشكيل اسم "أمازيغي" يعتقد أنه يقوم بنضال وكفاح من أجل العربية ومن أجل الدين الإسلامي، وهذا الضابط متهم بأنه خرق 4 قوانين للدولة ونحن نرفض أن تبقى مثل هذه السلوكيات في بلدنا، لأنه على جميع المواطنين أن يحترموا مرجعيات الدولة ويحترموا القانون الأسمى للبلاد وهو الدستور، وكذلك قانون الدولة.

وتعرفون أننا في الثمانينيات والتسعينيات عانينا في الأسماء الأمازيغية للمواليد، لأن وزير الداخلية المعين في ذلك الوقت ومعه مؤرخ المملكة وكان وقتها شخصاً متعصباً جداً ضد الأمازيغية قاما معاً باختراع لوائح للأسماء العربية لفرضها على الأمازيغ، فعندما تذهب لتسجل اسم لابنك أمازيغي يتم الإقرار بأن هذا الاسم ليس في اللوائح، أي لوائح؟ إنها اللوائح التي تفرضها وزارة الداخلية وبإيعاز من مؤرخ المملكة الذي كان رئيساً للجنة الحالة المدنية، وبالطبع عندما جاء الملك محمد السادس للعرش وكنت أنا شخصياً عضواً في المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أسسه الملك محمد السادس، فتقدمنا له سنة 2002 بملف حول موضوع الأسماء، وفي سنة 2003 أي بعد مدة وجيزة جداً أمر الملك بإلغاء لوائح وزير الداخلية السابق وألغيت تلك اللوائح وأصبح حق المواطن المغربي أن يختار لأبنائه الاسم الذي يريد، وبالتالي لدينا قرار ملكي منذ 2003 ولا يزال هناك موظفون في الحالة المدنية يتنكرون لقرارات الدولة والتزاماتها وهذا أمر نرفضه رفضاً باتاً ونحاربه وننتصر دائماً عليه؛ لأن القانون الآن لصالحنا وكل سياسة الدولة لصالحنا ولا نسمح أبداً لأي تمييز، إذن كانت هذه هي المنابع التي استقيت منها قوة الخطاب والقوة للاستمرار أيضاً في العمل إزاء الحقوق في الثقافة واللغة والهوية الأمازيغية.

*تخوض حركة الوعي الأمازيغي صراعاً فكرياً وسياسياً على مدار العقود الأخيرة، برأيك إلى أي مدى تحققت مكتسبات بشأن الهوية الثقافية الأمازيغية، بشكل عام، وما مستوى الرضا على ما تحقق، وما أهم التحديات فيما يخص طموحات وآمال الأمازيغ فيما يخص تأكيد هويتهم الثقافية؟

- نعم، في الواقع في مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني كنا في وضعية صعبة؛ لأن الدولة كانت متشددة في شعار العروبة والإسلام، والملك الراحل نفسه كان يعتنق هذا الشعار وكان لا يعترف بكلمة أمازيغية وكان لا ينطقها أبداً، فكان يكتفي بقول كلمة اللهجات، والأخيرة تنعت بها الأمازيغية كنوع من الاحتقار رغم أنه من الناحية العلمية لا فرق بين اللغة واللهجة، فعلمياً اللغة واللهجة هي نسق العلامات والرموز التي تفيد التواصل داخل مجموعة محددة فلا فرق، لكن كانت كلمة لهجات تستعمل للتحقير أو التقليل من قيمة الأمازيغية، فكان يقال اللغة العربية واللهجات الأخرى، وهذا رغم أن الملك الحسن الثاني تزوج أمازيغية وذلك لأن شرعية الملوك في المغرب كانت تستمد من التزاوج مع الأمازيغ لأنهم الغالبية العظمى من الشعب، وبما أن الملوك والدولة العلوية منذ 300 عام يعتبرون أن لهم نسباً شريفاً فكان التزاوج أو التصاهر مع الأمازيغ أساسياً في الشرعية السياسية، ولكن ستلاحظون مسألة مهمة وهي أن الملك محمد السادس اتجه اتجاهاً مغايرا تماماً، فعندما تولى العرش لم يتزوج بنفس الصيغة ولكنه في نفس الوقت أحدث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأعلن عام 2001 تحديداً في 17 أكتوبر/ تشرين الأول أن الأمازيغية مسؤولية وطنية لجميع المغاربة، وأنه لا يمكن لأي مغربي أن يتنكر لجذوره، وقد كان هذا حديثاً قوياً جداً وقد استعمل كلمة أمازيغية لأول مرة في خطاب رسمي وأحدث مؤسسة رسمية للعناية باللغة والثقافة الأمازيغية وخصص لها ميزانية كبيرة في السنة، وبدأنا مرحلة جديدة من تاريخنا وهي مرحلة الاعتراف.

وبالطبع في مرحلة الملك الراحل الحسن الثاني كان الأمازيغ في وضعية صعبة، لدرجة أنه في عام 1994 خرج الشباب في بداية مايو/ أيار في عيد العمال يحملون لافتات مكتوبة بالأمازيغية فاعتقلوا وحكم عليهم بعامين سجن نافذين، وفي عام 1981 أحد المؤرخين الكبار من الأمازيغ وهو الأستاذ علي صدقي أزايكو كتب مقالاً حول إعادة قراءة تاريخ المغرب، وأن تاريخ المغرب تاريخ مزور نوعاً ما في النسخة الرسمية فتم اعتقاله وسجن سنة، بسبب مقال حول إعادة قراءة تاريخ المغاربة، أيضاً مجلة أمازيغ عندما صدر منها العدد الأول ثم الثاني تدخلت السلطة بعد عددين فقط لمنعها واعتقل مديرها، وهذا لأعطيكم كيف كانت الأوضاع في عهد الملك الراحل، أيضاً الدكتور عمر أمرير عندما قدم الحلقة الأولى من برنامج تيفاوين وهي كلمة أمازيغية تعني أضواء، هذا البرنامج كان يريد إلقاء أضواء على الثقافة الأمازيغية في التلفزيون المغربي عام 1979 والحلقة الأولى بمجرد أن تم بثها انقطع البث في العشر دقائق الأولى وظهرت سيدة تقول نعتذر لكم على هذا الخطأ التقني، والحقيقة أنه جاءت مداخلة من وزارة الداخلية طلبت إلغاء البرنامج بمرو 10 دقائق من الحلقة فقط، والدكتور عمر أمرير تفاوض من أجل استعادة البرنامج وسمح له بذلك بشرطين اثنين – وهذا عاشه الكرد أيضاً في عهد صدام حسين وعاشوه في سوريا وتركيا – اشترطوا عليه لكي يعيد البرنامج حول الثقافة الأمازيغية أن يتحدث فقط باللغة العربية الفصحى وأن يغير اسم البرنامج من الاسم الأمازيغي تيفاوين إلى اسم عربي فاختار اسم "كنوز" واستمر يقدمه بهذه الطريقة أن يتحدث باللغة العربية الفصحى عن الأمازيغية في بلد الأمازيغ ولغته محظورة، هذه الأوضاع انتهينا منها وطوينا هذه الصفحة مع المصالحة الوطنية التي أعلنها الملك محمد السادس، وبالطبع الملك الجديد في ذلك الوقت عام 2000 أو 2001 كان لتجديد شرعيته وشرعية العرش المغربي لا بد أن ينصف المظلومين فعمل على 5 ملفات مهمة جداً، الأول ملف الاعتقال السياسي والاختطاف والتعذيب أو ما يسمى عندنا "ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" الذي كان في المرحلة السابقة، فأعلن المصالحة الوطنية مع اليسار، وأحدث هيئة تسمى هيئة الإنصاف والمصالحة وعمل على ملفات الذين اعتقلوا وعذبوا واختطفوا والذين قتلوا في السجون وتم اعتراف الدولة بملفاتهم وبما حدث في ذلك الوقت، والجانب الثاني هو المرأة المغربية التي ظلمت في المرحلة السابقة، فالملك الحسن الثاني كان سلطاناً تقليدياً متشدداً في موضوع حقوق النساء فكان عندما يعدل مدونة الأسرة التي كانت تسمى مدونة الأحوال الشخصية، كان معه فقهاء وكان ينحاز للفقهاء المتشددين ضد الحركة النسائية، بينما الملك محمد السادس على العكس، فانحاز للحركة النسائية بالنقيض للفكر الفقهي والتخلفي، فقمنا بمراجعة مدون الأسرة سنة 2004 بشكل متقدم، وفي هذه الأيام نحن بصدد مراجعة ثانية بعد 19 سنة وسنقوم بخطوة كبيرة أخرى فيما يخص حقوق المرأة المغربية، أما الملف الثالث الذي عمل عليه الملك محمد السادس فهو الأمازيغية، حيث أعلن المصالحة في موضوع الأمازيغية وأعلن أنها لجميع المغاربة وأنها هوية الدولة وبالتالي جاء الاعتراف الرسمي بعد 10 سنوات من هذا الخطاب أي في سنة 2011 مع الحراك الشعبي الذي عرفه كل الشمال الأفريقي والشرق الأوسط، فدخلت اللغة الأمازيغية إلى دستور البلاد، ولكن من المهم جداً أنه في العشر سنوات من 2001 إلى 2011 عمل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، حيث وفر معاجم اللغة والمقررات والبرامج الدراسية والكتب المدرسية والمعاجم المتخصصة كالإدارة والإعلام والقانون ومختلف القطاعات، وأيضاً كوّن 14 ألف مدرساً ليدرسوا اللغة الأمازيغية، قام بشراكة مع المجتمع المدني والجمعيات الأمازيغية وهكذا، وهذا العطاء لعشرة سنوات أعطانا ترسيم اللغة سنة 2011، بالتالي هناك شيء مهم جداً، وهو أنه قد حدث تطور كبير في وعي المغاربة بذواتهم، فقد كان المغربي يتملص من هويته الأمازيغية خوفاً أو احتقاراً للذات، فكما تعرفون عندما تفرض دولة ما تهميش وإقصاء ثقافة ولغة معينة يتربى جيل كامل على احتقار الذات واحتقار ممتلكاته الرمزية، ويحتقر كل هذه الأمور لأن الدولة لا تعترف بها، وطبعاً هناك من تمرد على الدولة يطالب بالاعتراف، ولكن هناك جماهير كثيرة اعتبرت أن الأمازيغية مجرد لهجات وليست لغة، لأنها لو كانت لغة لكانت في الإدارة والدستور والتلفزيون، وبالتالي وقع ما نسميه مركب النقص لدى الأمازيغ، وهذا المركب حاربناه في الحركة الأمازيغية لدى العائلات والأسر ولدى الجمهور وفي الشارع وفي كل مكان، واعتراف الملك محمد السادس بالأمازيغة وجعل كثيراً من الجماهير تعود إلى ذاتها، ورأوا أن هذا شيء رائع أن تعترف الدولة بهم، إذن هم اًصحاب لغة حقيقة وهوية، وهذا شيء جيد؛ لأن نضالنا من أجل الاعتراف الرسمي كان لهذا السبب، لأن الاعتراف الرسمي هو الذي يعيد الاعتبار للغة والثقافة ويعيد الشعب للاهتمام بلغته وثقافته، فانتقلنا من الهامش المنسي إلى مركز القانون والدولة وعشنا مسلسلاً جديداً وهو مسلسل تفعيل الاعتراف، فأدخلنا الأمازيغية إلى التعليم سنة 2003 وأدخلناها إلى الإعلام سنة 2006، ثم ظهرت قناة أمازيغية وهي القناة الثامنة سنة 2010، ثم الأمازيغية أصبحت لغة رسمية سنة 2011، وأصبح لها قانوناً تنظيمياً خاصاً لتفعيل طابعها الرسمي سنة 2014، واليوم نطالب بتفعيل ذلك القانون لأن هناك تعطل سببه المقاومة القادمة من داخل المؤسسات والعقليات القديمة وخاصة المتحزبين، فهناك حزيان مغربيان محافظات لا يزالان مناوئين للأمازيغية هما حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الإخواني، والحزبان كانا في حكومات كثيرة وحزب العدالة والتنمية تولى الحكومة في سنة 2011 وحتى 2016 في عهد عبدالإله بنكيران، ثم ولاية ثانية ترأسها الدكتور سعد العثماني من 2016 إلى 2021، ثم انهار حزب الإخوان في المغرب وغادر الحكومة وأصبح حزباً صغيراً معارضاً، ولكن عانينا مع هؤلاء رغم أنهم أمازيغ أو غالبيتهم أمازيغ، لكنهم يتصرفون حسب الإيديولوجية الأجنبية التي تستوطن عقولهم، فيتنكرون لذواتهم، والغريب أنه على سبيل المثال الدكتور سعد العثماني الذي كان زعيم حزب الإخوان وكان رئيس الحكومة فإن والده هو الدكتور الحاج محمد العثماني وكانت لديه أطروحة للدكتوراه حول القوانين العرفية الأمازيغية التي كانت تنظم القبائل الأمازيغية قبل مجيء الاستعمار، مع العلم أن هذه القوانين العرفية فيها حساسية شديدة لدى أصحاب شعار العروبة والإسلام، لأنه بالنسبة لهم الإسلام هو مصدر التشريع والقانون الوضعي الفرنسي، فأغفلوا وجود نظام قانوني عرفي أمازيغي، علماً أن الدكتور محمد العثماني اشتهر بتلك الأطروحة وكان يتكلم بأمازيغية فصيحة، بل إنه الوحيد الذي يتذكرونه سكان الجبال والبوادي ويعرفونه جيداً لأنه كان يخاطبهم بلغتهم، وكان يلقي دورساً دينية في إذاعة أغادير بالأمازيغية وكان يحدث الناس بلغتهم ويبين القيم الموجودة في الإسلام بلغة الأمازيغ ولهذا حفظوا اسمه وعرفوه أكثر من غيره، وبالتالي هناك مفارقات عجيبة جداً، لكن يمكن على العموم أن نقول إننا حققنا كثيراً من المكتسبات في التعليم والإعلام والإدارة وعلى رأس الأخيرة أن المؤسسات في المغرب مكتوب على واجهاتها بالأمازيغية إلى جانب العربية، ولا يزال العمل مستمراً، وهناك تقصير ولا يزال هناك معاكسات داخل الإدارة المغربية بسبب العقليات القديمة، لكننا نتقدم دائماً إلى الأمام ولا نعد إلى الوراء، وبالتالي أعتقد أننا في السنوات القليلة القادمة سنحقق الكثير بفضل القوانين التي أخرجت إلى الوجود والتي هي ملزمة للدولة دون أن ننسى الآن أننا نعمد مباشرة إلى رفع دعاوى قضائية ضد كل مسؤول يخرق القانون فيما يتعلق بالأمازيغية، لأننا لدينا الدستور والقوانين والقرارات الملكية، فكل مسؤول يخرق الآن أو يعتدي على الثقافة واللغة الأمازيغية ترفع ضده دعوى قضائية ويحكم القضاء لصالحنا دائماً لا سيما أن قوانين الدولة ومرجعيتها واضحة جداً.

*كمثقف عضوي وناشط حقوقي، ودارس للفلسفة، كيف رصدتم ظهور مشروع الإسلام السياسي المتطرف الذي تدعمه الدولة التركية وقوى دولية أخرى، وتجذره في البنية السيسيولوجية لشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإلى أي مدى أثر ذلك على الهويات الثقافية المتنوعة في المنطقة وفي مقدمتها الهوية الأمازيغية والكردية، وكيف يمكن تجاوز آثار ذلك بما يسهم في تقدم شعوب المنطقة؟

- في الواقع مشكلتنا مع الإسلام السياسي لم تبدأ بسبب دول أجنبية، بل بدأت مع اختيار الدولة المغربية استقبال الإيديولوجيات المتطرفة الدينية لمواجهة اليسار الماركسي الراديكالي، وهذا الخطأ ارتكبه الملك الراحل الحسن الثاني عام 1979 عندما قرر مواجهة اليسار الراديكالي الذي كان في صراع مع الدولة ويسعى إلى إسقاط النظام مواجهته بالإيديولوجيات الدينية المستوردة، فجاء بزعماء الإخوان الفكريين أي المنظرين الإخوان من مصر وسوريا وأعطاهم الجامعة والتلفزة والإذاعة يقدمون محاضراتهم ويفتح لهم باب القاعات العمومية لكي يستقبلوا الجمهور ويتحدثون مع المغاربة، وأيضاً انخرط في مخطط السعودية مع أمريكا ضد الثورة الخمينية في إيران، فالملك الحسن الثاني كان معادياً جداً للثورة الإيرانية، لدرجة أنه صرح بذلك لصحفي فرنسي في حوار باللغة الفرنسية قال فيه إنه إذا كان الخميني مسلماً فأنا لست مسلماً، أي أنه يتبرأ من الإسلام لو كان الخميني مسلماً، وبالتالي كان لديه حساسية شديدة ضد نظام الخميني وهذا جعله يتبنى الوهابية السعودية ويستعملها داخل المغرب ضداً للزحف الشيعي كما كان يقال في ذلك الوقت، فإذن أصبحنا في مواجهة إيديولوجيتين إسلاميتين متطرفتين الإخوانية والوهابية السعودية.

والخطر الحقيقي أو لنقل الخسائر الكبرى التي حدثت في أذهان المغاربة كانت بسبب التعليم لأنه قد أدخل إلى التعليم مضامين خطيرة جداً أفسدت عقول المغاربة وغيرت الشعب المغربي في 30 سنة حتى وفاة الملك الحسن الثاني، تغير المغاربة كثيراً لأنهم كانوا شعباً متسامحاً في الذات وكانوا شعباً ذي ثقافة بهيجة قائمة على الفرح والاستمتاع بالحياة، أما الإيديولوجيات المتطرفة خلقت شعباً متشدداً ومنغلقاً وغير متسامح، فأصبحنا نرى طواهراً كانت غير موجودة في الستينيات والسبعينيات مطلقاً، على سبيل المثال بالنسبة لنا في شهر رمضان كان هناك من يصوم ومن لا يصوم والناس متسامحة، وفي الجامعة كطلبة كان هناك من يصوم ومن يأكل ولا أحد يتدخل في حياة الآخر، إلى أن جاءت الوهابية والإخوانية فأصبح هناك عنف خطير في الشارع فكل من يدخن سيجارة يضرب ضرباً خطيراً إلى أن يكاد أن يموت، وأصبح الناس متوحشون في سلوكهم، ولم يعودوا هم هؤلاء المغاربة الذين كانوا متسامحين وطيبين، وكل هذا بسبب إيديولوجيات أجنبية أتى بها الحكام لكي يسووا بها مشكلاتهم الداخلية.

وبالتالي عرفنا الإسلام السياسي من خلال هذا الاقتحام الذي حدث وتواجهنا معهم منذ البداية ومنذ اللحظات الأولى، فلا زلت أتذكر مثلاً واقعة سنة 1981 عندما كان لدينا عرساً في القرية التي ولدت بها في منطقة بالأطلس الصغير، وتعرفون أن العرس في الأمازيغية مثل الكرد يرقصون الرقص الجماعي رجالاً ونساء وينشدون الأشعار الغزلية وبالتالي نحن أمام ثقافة منفتحة جداً على الحرية والجمال والحب، فجاء شخصان اثنان لأول مرة نراهما، الشخصان بلحى طويلة ولباس غريب وقالوا لنا إن العرس لا ينبغي أن يكون فيه حفل أو رقص لأن هذا حرام وعليكم أن تأتوا بشخص يقرأ القرآن، وهذا الواقعة كانت سنة 1981 ولا زلت أتذكر هذا الموقف واستغربنا هذين الشخصين الذين بدوا كما لو كانوا قد خرجوا من غار أو كهف ولا علاقة لهم بالسكان رغم أنهم يتكلمان الأمازيغية، لكن في ذلك الوقت كانت هناك أموال كثيرة بدأت تنفق من طرف السعودية وكان هناك أيضاً الإسلام الباكستاني الذي بدأ يسوق هنا بمليارات الدولارت، من هنا جاء هذين الشخصين ليعطيانا الدروس فيما هو حرام وما هو حلال، فقام لهما والد العروس ورحب بهما، وقال إنه مثلما تزوج جميع صديقاتها ستتزوج هي أيضاً وسنقيم حفلاً راقصاً وسنرقص ونغني لأنه هكذا نزوج بناتنا، وإذا أعجبكم الأمر فمرحباً، وإذا لم يعجبكم فأنتم أدرى بمصلحتكما، فانصرفا الشخصان غاضبان ورفضا حضور العرس لأنه سيكون هناك رقص وغناء، وهذا أول نموذج اصطدم معه.

ثم استمرت التصادمات هذه في الجامعات بين التيار الأمازيغي والتيار الإخواني والسلفي الوهابي ثم جاء التصادم في الحياة العامة من خلال النقاش العمومي ولكن التصادم الأكبر بين الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية المتشددة كان قد انطلق عام 1995 عندما اخترق المتطرفون المساجد وأصبحوا يخطبون يوم الجمعة من منابر الدولة، فقامت الحركة الأمازيغية ضد هؤلاء الخطباء الذين يتحدثون عن الأمازيغية بشكل تحقيري وفي منبر صلاة الجمعة، وأتذكر أنني كتبت في ذلك الوقت مقالاً بعنوان "الأمازيغية في خطبة الجمعة"، ثم بدأنا إرسال شكاوى لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ثم قمنا بحملة شديدة ضد هؤلاء الخطباء فبدأ الصراع والتصادم، وفي عام 1996 أصدر الشيخ عبدالسلام ياسين وهو أمازيغي وزعيم تنظيم العدل والإحسان أكبر التنظيمات الإسلامية، كتاباً بعنوان "حوار مع صديق أمازيغي" ينكر فيه حق الأمازيغية في الدستور وحقها في التعليم وحقها في الإعلام وينكر حقها في الوجود، ويقول إن اللغة العربية هي اللغة الشريفة الحسناء، ويقول عن الأمازيغية اللهجات السهلية الجبلية، أي أننا أمام احتقار من شخص أمازيغي يتكلم اللغة الأمازيغية الفصيحة، وأنا سمعت له تسجيلات صوتية يبشر بالإيديولوجية الإسلاموية باللغة الأمازيغية، أي يستعمل اللغة ويحتقرها في نفس الوقت، هنا قمنا بعمل مهم جداً، أخذنا كتاب الشيخ ياسين ونظمنا له 5 قراءات في 5 مدن أمام الجمهور، نأتي بمنخرطين في التنظيم الإسلاموي ونأتي بأطر الحركة الأمازيغية وأمام جماهير كبيرة ونناقش كتاب الشيخ ياسين وظل هذا العمل لمدة عام كامل، بعد سنة أصدرت كتابي الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي عام 1978، وكان تعقيب على الشيخ ياسين، ولاحظوا معي عندما صدر كتاب الشيخ وهو ضدنا نظمنا له لقاءات وكنا نحن نأخذ القاعة في جمعياتنا الأمازيغية ونستدعيهم معنا ليحضروا، وعندما صدر كتاباً لي دعوتهم إلى مناقشتي فقاطعوا الطلب مقاطعة جماعية، وبعد 12 يوم من تقديم كتابي في قاعة لوزارة الثقافة وجدت زوجتي رسالة أسفل الباب كتب فيها "لنسلخنكم كما تسلخ الشاة"، فأعطينا للإسلاميين درساً في الديمقراطية، يصدرون كتابهم ضد مطالبنا كلنا فنقيم له لقاءات لأننا أصحاب حق نعلم أن خطابنا أقوى، وكان غرضنا من اللقاءات الخمسة إظهار أخطاء الشيخ وأتباعه مسلحين في ذلك بالعلوم، وكان حديثهم ضعيفاً جداً وبعيداً عن العالم والواقع، فانتصرنا فكرياً وانتصرنا في معركة ودرس الديمقراطية، وكان هذا درساً للتيار الآخر أي تيار الإخوان، لأن التيار الإخواني أسس حزبه العدالة والتنمية سنة 1997، وعاش معنا الصراع من 1998 و1999 ثم مباشرة بدأ أن يطرح أسئلة في البرلمان حول الأمازيغ أي غير مواقفه 180 درجة، وهذا يظهر قوة خطابنا السلمي من الناحية الفكرية والعلمية، لأنه خطاب متماسك ومقنع ولا يستطيع الخصوم اختراقه، في مقابل أن خطابهم كان ضعيفاً من الناحية الحقوقية ومن الناحية العلمية كذلك، وهذه المواجهة التي امتدت منذ 1995 إلى عام 2000 أظهرت قوة خطاب الحركة الأمازيغية، برغم أن الآخرين كان لديهم منخرطين أكثر، فتنظيم الشيخ ياسين مكون من 200 ألف عضو منخرط، ونحن كانت جمعياتنا محدودة حوالي 32 جمعية فقط حتى 1998، ورغم ذلك لم تكن القوة بالعدد وإنما كانت القوة منطق الفكر وقوة الحجة، وهنا سنصدر البيان الأمازيغي عام 2000 الذي عرف ببيان أكتوبر وقدمنا فيه خطوة كبيرة فيما يتعلق بالمطالب ما بين ميثاق أغادير سنة 1991 وحتى 2000 و2001 قمنا بخطوة كبيرة في المطالب وبجرأة بسبب صراعنا مع الإسلاميين ودعونا للعلمانية وفصل الدين عن الدولة، وكما تعلمون في المغرب فإن الملك هو أمير المؤمنين أي له سلطة دينية وسياسية في الدولة، فجميع التيارات المدنية والحزبية تتجنب كلمة العلمانية وتهرب منها وتعتبرها أمراً محرماً إلا الحركة الأمازيغية التي تبنت في خطابها ودعت إلى فصل الدين على الدولة.

وانطلاقاً من عام 2002 بدأنا نتحدث عن العلمانية وفصل الدين على الدولة، ونتج عن ذلك أن حدثت لنا تصادمات كثيرة ليس فقط مع الإسلاميين ولكن مع بعض الأحزاب المحافظة، ولكن بقينا نصر على خطابنا إلى أن بدأت الكثير من الوقائع تحدث لصالحنا في موضوع مسلسل العلمانية، ومراجعة مدونة الأسرى عام 2004 كانت خطوة علمانية كبيرة، ولهذا تحالفت الحركة الأمازيغية مع الحركة النسائية، لأننا نؤمن بأن تحرير المرأة هو تحرير للشعب بكامله، وتحرير أيضاً للعقل المغربي من أوثان وأصنام الماضي، فاعتبرنا ذلك خطوة علمنة مهمة.

ثم بعد ذلك جاءت إعادة هيكلة الحقل الديني الذي قام به الملك محمد السادس وكان مهماً بالنسبة لنا، ثم في دستور 2011 ناقشنا حرية المعتقد وكان هذا مهماً جداً بالنسبة لنا أيضاً، والحركة الأمازيغية نزلت بثقلها لكي تدافع عن حريتها المعتقد في المغرب، ونجحنا سنة 2014 بأن توقع الدول المغربية رسمياً في جنيف على قرار أممي لحماية حرية المعتقد وقد وقعت بدون تحفظ وكانت هذه خطوة علمانية كبرى لصالحنا، ثم في عام 2016 سيتدخل الملك محمد السادس في خطاب رسمي ليقول إن برامج ومقررات التربية الدينية في المغرب تتضمن الكثير من التطرف وأنشأ لجنة لتنقيح هذه المقررات ومراجعتها لصالح الدين الإسلامي الوسطي والمعتدل، وهنا قمنا أيضاً بخطوة كبيرة كذلك في تاريخ العلمنة. 

 

 

 

يتبع في القسم الثاني..