نوروز... مسيرة الشعوب نحو السلام والمجتمع الديمقراطي

بعد 2637 عامًا، يعبر نداء المفكر والقائد عبدالله أوجلان عن المعاني والأبعاد الحقيقية لعيد نوروز في الحياة الحرة والتشاركية للشعب الكردي وكل شعوب المنطقة، وإعادة بناء العلاقات التاريخية من جديد في مواجهة مختلف التحديات والسلطويات القومية الأحادية.

تحل غداً رأس السنة الكردية (2637)، التي يعتبرها الشعب الكردي عيدًا قوميًا كرديًا، نسبةً إلى الرواية والحقيقة التاريخية التي تجسدت في عام 612 قبل الميلاد، حين قام الشعب الكردي، ومعه شعوب المنطقة، وعلى رأسهم القائد الأسطوري الكردي (كاوا الحداد)، المنحدر من عشيرة المد الكردية التي سكنت وحكمت المناطق الممتدة من بحر قزوين إلى غرب إيران، بإسقاط حكم الإمبراطورية الآشورية. بذلك، أصبحت هذه الواقعة نواة لعصر جديد من الحرية والكونفدرالية التي تجسدت فيها نموذج من الديمقراطية المباشرة.

مع سقوط حكم الإمبراطورية الدكتاتورية الآشورية في نينوى قرب مدينة الموصل الحالية، فُتحت أبواب عهد جديد من الحرية والأخوة والتعايش بين شعوب الشرق الأوسط وآسيا، من خلال الكونفدرالية الميدية التي احتضنت جميع الشعوب والألوان. وكان للديانة الكردية القديمة، الزرادشتية، دور كبير في تحقيق وحدة العشائر الكردية وجمع كلمتهم، بالتعاون مع شعوب المنطقة الذين التفوا حول كاوا الحداد.

وفي جلسة شباط عام 2010، قررت اليونسكو إدراج عيد النوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، واعترفت بيوم 21 آذار بوصفه "يوم نوروز الدولي". ويحتفل بهذا العيد حوالي 350 مليون شخص حول العالم.

ظل هذا العيد راسخاً في الوجدان الشعبي وسلوك سكان الشرق الأوسط وآسيا إلى يومنا هذا، حيث يمثل "اليوم الجديد" وبداية الربيع الذي يحمل معاني التجديد والدفء للطبيعة والإنسان. وقد تبنته الشعوب وأضفته إلى تقاليدها وطقوسها الخاصة، ولكن ما يجمعها هو كونه يومًا للمحبة والسلام والأخوة والتكامل والتعاون.

لقد احتفل الكرد بالنوروز بشكل يعكس جميع الأبعاد الاجتماعية والثقافية والسياسية، بل إن النوروز بالنسبة للشعب الكردي هو رمز للهوية وثقافة المقاومة والنضال من أجل الحرية والديمقرطية. وظلت مسيرة النوروز مستمرة من القدم حتى اليوم كيوم جامع وموحد للكرد في كفاحهم من أجل حريتهم وحقوقهم. وليس من الخطأ القول إن يوم النوروز منذ عام 612 قبل الميلاد وحتى اليوم هو مسيرة شعبية وثقافية تُعبر عن رغبة في السلام والمحبة، وتجسد الثقافة والوعي التشاركي الكردي.

منذ تقسيم الشرق الأوسط وبناء الدول القومية الأحادية، حاولت هذه الدول والقوى المركزية في النظام العالمي طمس وتصفية العيد والوجود الثقافي الكردي أو سرقته إن أمكن، لأن الثقافة الكردية، بما فيها طقوس العيد، كانت تمثل هوية ومسيرة النضال والمقاومة للحفاظ على الوجود الكردي. ورغم محاولات الدول الأربعة القضاء على الكرد وعيد نوروز، إلا أنهم فشلوا بفضل قوة الثقافة والأدب الكردي، وتوحد الشعب مع معاني نوروز التي تعبر عن الحياة الحرة والديمقراطية. وقد دفع الكرد دماء شبابهم وبناتهم، للحفاظ على هذا العيد والتمسك به حتى اليوم.

كانت انطلاقة مجموعة من الطلبة قرب سد جوبوك في أنقرة عام 1973، بقيادة القائد عبدالله أوجلان، في ذكرى يوم نوروز، بداية تاريخية في نهوض الشعب الكردي وشعوب المنطقة من السبات ومحاولة الموت المفروض من قبل دولة الاحتلال التركية. وقد تعاظمت المسيرة وتوسعت مع تأسيس حزب العمال الكردستاني (حزب نوروز) وانطلاق الكفاح المسلح عام 1984، ليؤكد الكرد أنهم يريدون أن يعيشوا أحرارًا، وبثقافتهم وتقاليدهم وخصوصيتهم، وأن يحققوا التحول الديمقراطي في دول المنطقة لتستوعب جميع شعوب ومكونات المنطقة التي كانت معًا تشكل وتغني معاني نوروز ورونقه وانتصاراته.

ومنذ 54 عامًا، تسجل هذه المسيرة النوروزية فصولها الحديثة من المقاومة والنضال المشترك من أجل الحرية والديمقراطية مع مسيرة الحرية الأوجلانية. وقد برزت معاني عميقة وتجددت روح نوروز مع القائد والشهيد مظلوم دوغان (كاوا العصر)، الذي نفذ عملية فدائية في ليلة نوروز في سجن آمد (ديار بكر) ليقول للشعوب وللدولة التركية الظالمة: "المقاومة حياة، والاستسلام خيانة". ومنذ ذلك اليوم، ظل مظلوم دوغان شهيد نوروز مع العديد من الشهداء الذين أكدوا أن الحرية والاحتفال وعيش النوروز لا بد أن يتحقق مهما كانت التحديات والتضحيات.

منذ عام 1993، حاول القائد أوجلان أن يكون السلام والحل الديمقراطي هو الحل الأساسي، لكن الدول القومية الأربعة، وعلى رأسها تركيا، أصرت على العنف والقتل ومنع إشعال نار نوروز، نار الحرية والأخوة. وفي الشهر الماضي، وفي يوم 27 شباط، طرح القائد أوجلان "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي"، والذي بعتبر "مانيفستوا العصر" بهدف تحقيق الأخوة وإعادة العلاقات التاريخية بين الشعوب وبناء الحياة الحرة والتشاركية بين شعوب المنطقة عبر الحوار والطرق السياسية والقانونية، بعيدًا عن العنف والقتل والحروب التي تصر عليه دولة الاحتلال التركية ومن ورائها. وقد لاقى النداء تجاوبًا شعبياً ودوليًا وإقليميًا، ولكن من أجل أن يكون له تأثير حقيقي، ونذهب لتحقيق تلك الأهداف لا بد من أن يعمل الجميع من أجل نجاحه، وعلى رأس الأولويات هي حرية القائد عبدالله أوجلان. وها هو الشعب الكردي ومعه كل الأصدقاء والأحرار ومعهم شعوب المنطقة بالنوروز تحت شعار "الحرية للقائد أوجلان" وأهداف "نداء السلام والمجتمع الديمقراطي"، بقيادة المرأة والشباب. ولعل هذ النداء هو التعبير الحقيقي والصادق عن معاني نوروز وأهدافها بعد كل هذه القرون، ليعيد للكرد دورهم الرائد في إزاحة الظلم والظالمين (ضحاكي العصر) واشعال نار الحرية مجدداً وجلب الديمقراطية وبناء الحياة التشاركية والأخوة بين شعوب المنطقة.