ورغم أن وقت الضربات كان وجيزاً إلا أن تأثيرها على الأقل سياسياً يعني كثيراً من الأمور، لا سيما على صعيد العلاقات الأمريكية الإيرانية، وكذلك العلاقات الأمريكية العراقية، كما أنها تفتح كثيراً من علامات الاستفهام حول مستقبل الصراع والتوترات في المنطقة والتي تتصاعد بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول 2023.
واستهدفت القاذفات الأمريكية، فجر اليوم 3 شباط، 85 هدفاً في 7 مواقع مختلفة للميليشيات المسلحة في العراق وسوريا المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له بحسب ما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" أنها استهدفت 85 هدفاً والتي تركزت في 7 مواقع 3 منها في العراق و4 مواقع أخرى في سوريا، بحسب ما كشف عنه جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية لاحقاً.
حيثيات الرد الأمريكي على ضربات "برج 22"
وفي هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي العراقي ساطع راجي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الضربات الأمريكية بالطبع كانت متوقعة ومعلن عنها منذ فترة ومرت عدة أيام على سبب إطلاقها، أي قصف القاعدة الأمريكية في الأردن على الحدود مع سوريا، مضيفاً أن فترة التهديد الأمريكية وتعدد الرسائل الصادرة عن جهات أمريكية كانت كثيرة على نحو يشير إلى أن واشنطن شعرت بحرج كبير، فهي من جهة لا تريد تصعيداً أكبر في المنطقة وبنفس الوقت يجب أن ترد على مقتل ثلاثة من جنودها وفي سنة انتخابية يستغل فيها الجمهوريون كل شيء ضد الرئيس الحالي جو بايدن.
وأشار إلى أن "بايدن" لا يريد التصعيد مع إيران رغم اتهامه لها بالوقوف وراء جميع الهجمات التي تتعرض لها القواعد الأمريكية منذ انطلاق الحرب الراهنة في قطاع غزة وحتى ما قبلها عبر تزويد حلفائها بالأسلحة أو التوجيه والدعم، لافتاً إلى أنه في أكثر من مرة سابقاً دارت المناوشات بين واشنطن وطهران بهدوء وكأنها مرتبة بحيث لا تتجاوز سقفاً معيناً ولا تفتح مواجهة مباشرة بين الطرفين.
وتثير الضربات الأمريكية المتكررة إحراجاً شديداً لدى الحكومة العراقية، لدرجة أنها بعد ضربات أوقعت قادة من ميليشيات النجباء التابعة لقوات الحشد الشعبي العراقي دعت إلى إخراج التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب من العراق، لكن حتى تلك الخطوة رفضها البعض باعتبار وجود تلك القوات ضروري في إطار جهود مكافحة الإرهاب.
موقف حكومة بغداد
ويرى الكاتب الصحفي العراقي أن الجانب الأكثر تعقيداً في العمليات يتعلق بالعراق، إذ يوجد تذمر شعبي من تحول البلاد إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى الدولية، وكأن العراق ميدان رماية، كما أن الحكومة محرجة بسبب عدم قدرتها على إعلان موقف واضح لأنها لا تريد إغضاب أحد، لا طهران ولا واشنطن ولا الفصائل الموالية لإيران ولا القوى السياسية الداعية إلى إبعاد العراق عن النزاع.
وقال "راجي" إن الحكومة العراقية تعهدت أكثر من مرة للجانب الأمريكي بكبح الفصائل التي تقصف القواعد والمصالح الأمريكية دون أن تتمكن من تنفيذ ذلك الالتزام، بينما تضغط واشنطن على بغداد بعدد كبير من الأدوات منها الوصول إلى الحسابات العراقية بالدولار وكذلك بالعقوبات على المصارف والشخصيات العراقية المتعاملة مع طهران، معتبراً أن الضرر العسكري أو عدد الضحايا والخسائر المادية لم تعد وحدها المهمة في القصف الأمريكي وإنما مجمل العلاقة العراقية الأمريكية على المحك.
وقال الكاتب الصحفي العراقي في ختام تصريحاته إن لا واشنطن ولا بغداد قادرتين على إنتاج معادلة واضحة وصريحة، لذلك تركتا الملف لرياح التغييرات الآنية بانتظار خمود الحرب في غزة، على أمل تكرار التهدئة كما حدث سابقاً، أما على المستوى الاستراتيجي فلا شيء واضح، رغم التهديدات الإعلامية المتبادلة، على حد قوله.
وكان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية قد قال إن الضربات الأمريكية تعد خرقاً للسيادة العراقية وتقويضاً لجهود الحكومة العراقية، وتهديداً يجر العراق والمنطقة إلى ما لا يُحمد عقباه، ونتائجه ستكون وخيمة على الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة.
الضربات الأمريكية ستتواصل
وبدوره، يقول الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الضربات الأمريكية في الأساس تستهدف مراكز القيادة والسيطرة والدعم اللوجيستي ومخازن الصواريخ والطائرات المسيّرة وكذلك عدداً من القيادات، ولهذا فإنها هدفت إلى ضرب عصب تلك الميليشيات على نحو يجعلها غير قادرة على شن ضربات مرة أخرى أو تفكر ملياً قبلها.
ولفت الخبير الاستراتيجي العراقي إلى أنه من الملاحظ أن واشنطن أعلنت أن الرد الأمريكي بدأ ولن ينتهي، وهذا يعني أن ضربات فجر اليوم لن تكون الأولى، وأننا سنكون أمام موجات قادمة من الضربات، وستتعدد على نحو يستنزف تلك الميليشيات مع الوقت في ظل خبرة واشنطن في التعامل مع تلك الفصائل، لا سيما أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها القوات الأمريكية بقصف مواقع هذه الميليشيات.
واستخدمت القوات الأمريكية طائرات حربية تشمل قاذفات بعيدة المدى تنطلق من الولايات المتحدة، كما أطلقت الغارات الجوية أكثر من 125 ذخيرة دقيقة التوجيه، والتي طالت منشآت للقيادة والسيطرة والاستخبارات، ومخازن للطائرات المسيّرة، ومرافق لوجستية لتوريد الذخائر للميليشيات الموالية لإيران.