تستكمل وكالة فرات نشر ملامح الجزء الثاني من هذا اللقاء الذي كان قد عقد عبر تقنية زووم، وقد حضره من الجانب الكردي كل من: السيدة أفيندار مصطفى من أكاديمية عبدالله أوجلان، والسيد عبدالوهاب بيراني وهو كاتب وناقد ومسؤول العلاقات باتحاد مثقفي الجزيرة، والأستاذ صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، والسيدة ليلى صاروخان من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والدكتور كاميران برواري عضو أكاديمية عبدالله أوجلان وعضو المؤتمر الوطني الكردستاني، والأستاذ محمد شيخو، السياسي الكردي.
ومن الجانب الأمازيغي كل من: السيد أكلي شكا الباحث والكاتب والناشط الطوارقي، والسيدة أماني الوشاحي مسؤولة أمازيغ مصر في الكونجرس الأمازيغي العالمي، والسيد فتحي خليفة رئيس حزب ليبو، رئيس المجلس السابق للكونغرس الأمازيغي العالمي، والسيد عبد الله بوتاني وهو ناشط أمازيغي بالجزائر، والسيد مجدي بوهنة وهو ناشط أمازيغي، بالإضافة إلى المحلل السياسي المصري الدكتور طه علي.
الحاجة إلى تنسيقيات عمل
بدوره، أشاد مجدي بوهنة الناشط الأمازيغي والطوارقي بانعقاد هذا اللقاء الذين يجمع بين الأمازيغ والكرد، معتبراً أنه خطوة في الاتجاه الصحيح، معبراً عن تطلعه لأن يكون هناك عمل مشترك بين الشعبين، من أجل مواجهة التحديات المشتركة، لا سيما وأن هناك تشابهاً في المشكلات التي تواجههما سواء الوضع السياسي أو الديمغرافي في أماكن تواجدهما.
ويرى بوهنة أن هذه التحديات تجعل الطرفين يعملان على بناء آليات عمل مشتركة، مشيراً إلى أن الأمازيغ تعرضوا لظلم كبير في ليبيا فيما يتعلق بحقوقهم وهويتهم وحتى في مناطق أخرى مثل أزواد شمال مالي والنيجر وغيرها.
وشدد الناشط الأمازيغي على أن هذه الأمور بحاجة إلى عمل سياسي مشترك والاستفادة المتبادلة بين الشعبين، مشدداً، كذلك، على ضرورة العمل على وضع آليات منها تبادل الزيارات، ثم العمل على بناء تنسيقيات عمل على كافة الأصعدة، مجدداً التأكيد على أن اللقاء المنعقد عبر زووم يعتبر فرصة تاريخية، لا سيما أن هناك كثيراً من التقاطع بين الأمازيغ والكرد.
الحاجة إلى نظام سياسي وإداري
من جهته، قدم الدكتور كاميران برواري عضو أكاديمية عبد الله أوجلان للعلوم الاجتماعية، وعضو المؤتمر الوطني الكردستاني، مشروعاً يرى أنه قد يساهم في حل إشكاليات المنطقة المتعلقة بشعوبها، مؤكداً حاجة العراق والشرق الأوسط إلى نظام سياسي وإداري جديد، لمواجهة المشاكلة المزمنة والعميقة والاستراتيجية التي يعانيها.
واعتبر برواري أن مشروعه خارطة طريق لحل كثيراً من تلك الإشكاليات تصلح لبقية دول الشرق الأوسط وكذلك لدول شمال أفريقيا، والذي يقوم على 4 طرق لحل المشكلات وتغيير النظام السياسي والإداري الحالي بصورة جذرية، على نحو يضع حداً للنزاعات والحروب التي تعاني ويلاتها شعوب المنطقة.
أول هذه الطرق، إقامة شرق أوسط كبير متماسك على أساس كونفدرالية ديمقراطية، تضم العراق وكردستان وسوريا وإيران وتركيا ولبنان وفلسطين وإسرائيل والأردن والسعودية واليمن والكويت والإمارات. وثاني طريقة هي تطبيق نظام كونفدرالي ديمقراطي بين العراق وسوريا وتركيا وإيران وكردستان على أساس ديمقراطي وحضاري معاصر.
وثالث طريقة تطبيق نظام كونفدرالي ديمقراطي في سوريا وتركيا والعراق وإيران، بشرط نيل جميع الشعوب والقوميات حقوقها المشروعية بناء على هذا المشروع الذي وضع على أسس دستورية. رابع البنود، أنه ينبغي أن تكون كردستان بجغرافيتها وأراضيها بلداً كونفدرالياً ديمقراطياً بشكل واقعي وحقيقي وأن تتمتع جميع الشعوب والأديان والثقافات المختلفة فيها بحقوقها القومية والإنسانية والثقافية، ووضع نهاية لجميع المجازر التي ترتكب تحت شعارات مختلفة بحق الناس.
وشدد على أنه لا بد من وضع حد للأجواء التي كانت سبباً في القمع والاضطهاد، ووقف التدخلات الخارجية وإقامة العلاقات مع القوى الخارجية على أساس جديد ومتوازن يكون لصالح الطرفين، مشيراً في هذا السياق إلى أن العراق بحاجة إلى نظام ديمقراطي ثوري جماهيري يقوم على احترام الحقوق بشكل متبادل وعلى أساس الحياة الديمقراطية.
100 عام من الإنكار
السياسي الكردي محمد شيخو، بدوره يؤكد أن اللقاء يتطرق إلى قضايا مهمة تخص الشعبين الكردي والأمازيغي، وهي قضايا إنسانية، ونحن نتحدث عن 100 سنة للنظام العالمي الجديد منذ الحرب العالمية الأولى، فإننا نرى نفس التشابه والإنكار فيما يتعلق بقضايا الشعبين.
ويقول شيخو إن مشروع الإنكار يأخذ مسميات مختلفة مع كل تطور، معتبراً أن هناك مؤامرة كبيرة ضد الشعوب، تمثل بداية في مشروع الحداثة الرأسمالية التي تقوم على فكرة الربح التي يراد تطبيقها حتى على مسائل الثقافة والأخلاق، مشدداً أن المؤامرة أخذت مسميات عدة لا سيما القومية المشبعة بالعنصرية وما نتج عنها من سقوط ضحايا.
ويلفت إلى أن الحرب العالمية الثانية وما تلاها جاءت على فكرة فرق تسد، والآن فإنه في مواجهة ذلك هناك مشروع آخر هو مشروع الأمة الديمقراطية كحل بديل، وهنا نتذكر المؤامرة الكبرى على القائد عبد الله أوجلان، والأخيرة تكمل مؤامرتي الحربين العالميتين الأولى والثانية، بما ارتبط من إنكار وتشريد لشعوب وحرمانهم من كل حقوقهم، وللأسف المستفيد دول الإمبريالية.
ويذكر أنه في الوقت الحالي، وللأسف، هناك تحالفات على تقسيم الشعوب، لكن لا نرى تحالفات من أجل القضايا الإنسانية وقضايا الحريات، معرباً عن أن لقاء مثل هذا مهم في أن يكون بداية لتحالفات من أجل تشد كل القوى المظلومة بعضها البعض، مؤكداً على أن الوضع مأساوي بالنسبة للكرد والأمازيغ، الشعبين المقسمين على عدة دول.
ويلفت أنه رغم أن هذه الدول المقسم عليها الشعبين الكردي والأمازيغي لديهم عديد من التناقضات، إلا أنهم، يتفقون على الإنكار ضد الشعبين، مشيراً إلى أن سياسة بناء الشرق الأوسط الجديد التي نراها تقوم على نفس الأمر، منوهاً إلى أنه لا يعرف لماذا القوميتين الكرديتين وحدهما المحرومتين من حقوقهما.
خطوات عملية
ومن باب الأمل ورفع المعنويات، جاء حديث الأستاذة ليلى صاروخان من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إذ قالت إنه قد تم اتخاذ خطوات عملية كبيرة في إطار تطبيق فلسفة الأمة الديمقراطية، وهي فلسفة غير مرسومة بحدود سياسية معينة، ولا منظور واحد للغة ما أو ثقافة، وإنما فلسفة تعبر عن الحياة التشاركية والحرية والمساواة بين الجنسين، أي أن يدير كل مجتمع بنفسه دون الاعتماد على السلطة، عبر بناء سلطات ذاتية في كافة الميادين.
وتقول السيدة ليلى صاروخان أن الأمة الديمقراطية هي الفلسفة الوحيدة القادرة على حل جميع القضايا الناجمة عن الدولة القومية، مشيرة إلى أنه في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا رأينا التحول من الحالة الفلسفية إلى الحالة العملية عبر بناء التكوينات والمجالس، مؤكدة أن هذا لم يكن بالأمر السهل، مشيرة إلى أن فلسفة الأمة الديمقراطية أصبحت واقعاً عملياً.
وقالت ليلى صاروخان إنه رغم الصعوبات والتحديات، كان هناك عديد من الإنجازات، وأهمها مثل نظام الرئاسة المشتركة في جميع المجلس بالإدارة الذاتية، مشيرة إلى أن مناطق الإدارة الذاتية بصدد إنجاز آخر مهم وهو التحضير لانتخابات البلديات الذي يجري على قدم وسابق، بحيث يتاح للجميع الإدلاء بصوتهم بحرية تامة.
وأشارت ليلى صاروخان إلى أنه على المستوى الأمني، في وقت ما كانت قوات سوريا الديمقراطية منشغلة بحربها مع تنظيم داعش الإرهابي، بينما كانت هناك قوات أخرى للحماية داخل الكومونات، ثم تؤكد أنه ربما أي دولة تعرضت لما تعرضت له مناطق شمال وشرق سوريا من هجمات سواء من داعش أو الدولة التركية، لتأثرت بشكل كبير، لكن نتيجة تنظيم المجتمع وقناعته بالمقاومة من أجل نجاح مشروعه فنحن مستمرون حتى الآن لهذا السبب.
استبداد الحداثة الرأسمالية
في ختام هذا اللقاء، انتقلت الكلمة إلى الدكتور طه علي وهو محلل وكاتب سياسي مصري على دراية بالملفين الأمازيغي والكردي، والذي يرى أن الشعبين تعرضا للتقسيم بين الدول القومية، بل ويرى أن العرب ذاقوا نفس الأمر، الذي يأتي نتاجاً لاستبداد الحداثة الرأسمالية الغربية، واستبداد السلطة التي كونت الدولة القومية سواء عربية أو تركية أو فارسية، والتي قامت على فكر أحادي أكتوى بناره الجميع، مشيراً إلى أنه لهذا عانى الكرد بشكل أصيل نتيجة التقسيم وفق مسمى الدولة القومية.
ويقول الدكتور طه علي إن الكرد والأمازيغ خضعوا للاندماج القسري، من خلال سياسات التعريب في الشمال الأفريقي وكذلك في مناطق وجود الكرد، والكرد طالهم كذلك سياسات التفريس والتتريك، وبالتالي الجميع خضع لمثل هذه الأطر المفروضة قسرا، وقمع الكرد والأمازيغ إذا طالبوا بحقوقهم.
ولفت كذلك إلى ما أعقب ذلك من تطورات، بالنسبة للشعب الأمازيغي على سبيل المثال تمت دسترة اللغة الأمازيغية في المغرب، لكن الأمر بقي مقتصراً على مجرد إضفاء الطابع الرسمي لها، لكن عمليا كانت هناك إشكالية في السماح بممارسة الحقوق من قبل الأمازيغ، لكن تلك الاستجابة أياً كانت جاءت نتيجة ضغط، وإشكالية هذه الحقوق التي تأتي نتيجة ضغوط أنها تكون عادة سطحية.
وأشار المحلل السياسي المصري إلى أن نفس الأمر ينطبق على الكرد، الذين كانت تُقمع انتفاضاتهم من قبل الدولة القومية، وفي إطار محاولة الحفاظ على الهوية في ظل صعوبة الحفاظ على الأرض، فكانت اللغة هي الأداة الرئيسية للحفاظ على الهوية، ولهذا كانت الاستدامة على اللغة من الكرد والأمازيغ عبر الحرص على تدريسها، والحفاظ على العادات والتقاليد، مثلاً من خلال الأغاني الأمازيغية، وعلى الجانب الآخر رأينا لدى الكرد كثيراً من الشعر والأغاني الكردية.
ويلفت إلى أن كل ذلك كان بهدف الحفاظ على هوية الشعبين ضد سياسات التعريب، التي فرضتها القوى السلطوية في الشرق الأوسط ككل، وأمام استراتيجيات التذويب والصهر الثقافي التي فرضتها كثير من المتغيرات.
ويقول علي إن رغم ذلك وفي ضوء التحديات، كان هناك تطور وتراكم لا سيما في الأطر التنظيمية، فمن قيل كانت هناك جمعيات ثقافية، ثم تطور الأمر بحديث عن حقوق سياسية أي الانتقال من مجرد التعبير الثقافي لدى كل شعب إلى عمل سياسي، مشيراً إلى أننا رأينا على سبيل المثال أحزاباً مناصرة لحقوق الأمازيغ.
رؤية أوجلان الأممية
في هذا السياق، تحدث أيضا الدكتور طه علي عن فلسفة القائد عبد الله أوجلان، إذ قال إنه خرج برؤية أممية تتجاوز البعد الكردي، وتتجاوز حدودها المحلية، ليصبح لدينا شخص يملك فكراً عابراً للأمم وليس الحدود، مشيراً إلى أنه في الجانب الأمازيغي رأينا أفكاراً مماثلة مثل كتابات المفكر أحمد عصيد وغيره.
ويرى المحلل السياسي المصري أن هناك إشكالية تتعلق بعدم وجود رؤية موحدة سواء داخل الشعب الكرد أو الأمازيغي، موضحاً أنه على سبيل المثال هناك فصائل من الكرد تدعم الدولة التركية، كما أن هناك من الأمازيغ من يرون التقارب مع السلطة، معتبراً أنه بالتالي فإننا أمام فجوة بين بعض الفصائل الكردية، كما أننا أمام فجوة كذلك بين الفصائل الأمازيغية.
ويرى الدكتور طه علي أن هناك حاجة إلى الحوار كحل استراتيجي وحتمي بين الفصائل المختلفة في الداخل الأمازيغي للوصول إلى رؤية موحدة، وأيضاً رأب الصدع داخل الكرد، حيث تصل الخلافات إلى مرحلة تعيق تطور القضية الكردية، مؤكداً أهمية ذلك لا سيما وأن القائد عبد الله أوجلان يدعو للحوار.
واختتمت اللقاء بكلمات مقتضبة للمشاركين فيه، والتي تمحورت بصفة أساسية على ضرورة مواصلة هذه النوعية من اللقاءات بين الكرد والأمازيغ، والحاجة إلى أن يكون هناك عمل مشترك بين الشعبين، لمواجهة التحديات المشتركة.