الاحتلال التركي يسيطر على قاعدة الوطية.. خسارة للجيش الليبي أم انسحاب تكتيكي؟

اثار انسحاب الجيش الوطني الليبي من قاعدة الوطية الاستراتيجية في غرب البلاد، مخاوف من انقلاب الموازين العسكرية في البلاد لصالح حكومة الوفاق وحليفها التركي المعتدي على الأراضي الليبية.

وكشف الجيش الوطني الليبي، يوم الاثنين، تفاصيل الأحداث التي وقعت في قاعدة الوطية غربي البلاد، التي نفذت قوات الجيش "انسحابا تكتيكيا منها، بشكل دقيق ومدروس جيدا".

وبدوره، قال الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي محمد فتحي الشريف إن الانسحاب التكتيكي الذي قام به الجيش الوطني الليبي يمثل "خطوة إلى الوراء إستعدادا لخطوات أخرى إلى الأمام"، واستهداف الوطية القاعدة المطلة على الحدود مع دول الجوار على مدار الاسبوعين الماضيين كان يدل على أن هناك بعض دول الجوار شريكة فيما حدث، واعتقد ان حكومة الاخوان في تونس شريك أساسي فيما حدث، وعلى الرغم من خسارة الجيش لهذه القاعدة الاستراتيجية ربما يكون هذا بداية تغيير لسيناريوهات المعركة بشكل كامل نحو العاصمة، وتعويض هذه القاعدة من خلال الدخول إلى طرابلس وهو الأمر الذي ينتظره كل مؤيدي الجيش الوطني الليبي. ونبه الشريف إلى ضرورة المحافظة على سيطرة الجيش على منطقة ترهونة، مشددا على ضرورة أن يكون هناك رد سريع على ما تحقق من انسحاب اعطى دفعة معنوية كبيرة للميليشيات المتحالفة مع الاتراك وحكومة طرابلس.

ورجح حسين عبدالراضي الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية والمختص في الشأن الليبي، أن تحول تركيا القاعدة إلى نقطة ارتكاز جديدة، بعد دخولها المعارك في ليبيا بشكل مباشر، حيث ستحاول رفع الحرج والضغط عن حكومة حركة النهضة التونسية الاخوانية، ولكن ذلك سيضع حجر عثرة أمام التسوية السياسية في ظل تمسك الجيش الليبي بضرورة التزام حكومة الوفاق بوقف انتقال المرتزقة التابعين لتركيا ووقف كافة اشكال الدعم العسكري التركي، وهو ما لن يحدث في ظل نتائج هذا التدخل الذي غير مسار المعارك على الأرض، مؤكدا أن ليبيا دخلت ضمن تحركات تركيا للسيطرة على مكامن الطاقة في شرق المتوسط.

ونشر الجيش الليبي بيانا على صفحة "المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة"، أوضح فيه أنه تم "سحب كل الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي والمستشفى الميداني، وكل الأطقم الطبية وسيارات الإسعاف، حيث لم تعثر الميليشيات إلا علي منظومة متضررة ومحطمة، وطائرات الخردة من عام 1980". وأوضح أيضا أنه كان هناك ألف آلية ومدرعة وغرفة عمليات متنقلة ومعدات عسكريه دقيقة، "لم تتحصل الميليشيات على واحدة منها".

وأضاف أيضا أن 1500 جندي انسحبوا "ولم تأسر الميليشيات أيا منهم، قائلا: "هنا يكمن الفرق بين الانسحاب التكتيكي والهروب، بنقطتين فقط وبشكل مُبسط".

وتابع عبدالراضي: "الانسحاب الخاص بالقوات المسلحة الليبية من قاعدة الوطية لم يكن عشوائيا أو ارتجاليا، بل وفقا لخطة موضوعة بشكل ما إذا تطورت الأمور على هذا النحو المتأزم، بحيث يكون الانسحاب بطريقة منظمة، وهو ما حدث بالفعل ولم يتم أسر جنود من الجيش أو اغتنام معدات للجيش، وكانت القاعدة تمثل نقطة جذب للميليشيات طوال الفترة الماضية وكان يتم التعامل معهم من خلال القوة الجوية للجيش".

الجيش يقلل من خطورة "الانسحاب التكتيكي"

وقال حسين عبدالراضي الباحث المصري المختص في الشأن الليبي، في تصريح لوكالة فرات للأنباء ANF، إن الانسحاب من قاعدة الوطية كان اتجاه اضطراري مدفوع بالتحولات الحاصلة في منطقة غرب ليبيا خلال الاسابيع الست الأخيرة، "هناك مجموعة من المدن التي تقدم بها الجيش الوطني الليبي بعد الهجمة الأولى من ميليشيات حكومة الوفاق، وتمكن الجيش من السيطرة على مدن استراتيجية في الغرب مثل زوارة على ساحل المتوسط وكان يفتح ذلك الطريق الى الزاوية ورأس جدير، بحيث يتحكم في الحدود والمعابر في الشرق والغرب، لكن كان هناك اصرار من حكومة الوفاق والضباط الاتراك بغرف العمليات لتأمين ظهر المدن الغربية والاعتماد على المرتزقة للسيطرة على المدن بالساحل الغربي وتحييد قاعدة الوطية الجوية أو إيقاف العمل بها، وبالفعل حاولوا تحييدها، حتى لجئوا إلى استخدام الاسلحة لتدمير القاعدة وممراتها". واعتبر الباحث إن الجيش لم يعد لديه اسباب للتمسك بالقاعدة، "لم يعد هناك عائد استراتيجي من الاحتفاظ بها، لأن المحاور الهامة بالنسبة له في شرق مصراتة وجنوب وغرب طرابلس، ولديه قاعدة الجفرة الجوية، وحتى لا يضع جزء كبير من قواته بحاجة إلى دعم مكلف بالنسبة له لكي يحمي القاعدة التي يمكن ان تتعرض لقصف وهجمات وصواريخ من البوارج التركية، ومن ثم فإن انسحاب الجيش الليبي كان تحرك يشمل استراتيجية التفاف مدفوعة بالتحولات الميدانية على مدار الاسابيع الماضية".

وتابع  بيان الجيش الوطني الليبي: "الانسحاب جزء من الخطة العسكرية التي تكون مدروسة بشكل جيد، ويُطبق ذلك الجزء بعد إتمام العملية كليا، أو لاستعادة القوى والرجوع لأرض المعركة بخطة ممنهجة، لتفادي الخسائر". واستطرد بالقول: "أما الهروب هو فعل ناتج عن خوف وقلة يقين بصدق القضية، مما يؤدى إلى عدم مواجهة العدو وترك ساحة القتال وترك الأسلحة والآليات والجنود".

وأشار الجيش الوطني الليبي إلى أن قاعدة الوطية "ليست ذات أهمية عسكرية في الوقت الحالي"، لكنه نوه في الوقت نفسه إلى أنها تشكل "إنجازا معنويا مهما جدا للميليشيات".

وعلى خلاف التقليل من أهمية خسارة القاعدة، يرى الباحث الليبي البارز محمد الجرح الزميل غير المقيم بالمجلس الأطلسي (مؤسسة بحثية)، أن انسحاب الجيش الوطني من القاعدة يمثل خسارة استراتيجية كبرى للقيادة العامة للجيش الليبي بعد عام من حربها للسيطرة على العاصمة، مؤكدا ان تلك القاعدة الاستراتيجية يمكن ان تستخدم في التوسع التركي في جنوب غرب ليبيا، فضلا عن الاتجاه نحو ترهونة والمناطق الوسطى، فضلا عن أهميتها في تحقيق التفوق الجوي.

واعتبر الجرح أنه من المهم جدا النظر إلى الدور التركي في ليبيا بشكل أوسع لأنه يقع في نطاق عقيدة تركية جديدة، سواء داخل المؤسسة العسكرية أو السياسة الخارجية التركية، تركيا تستخدم عنصرين مهمين في سياستها الخارجية الأول التوسع العسكري وانشاء تواجد عسكري على الأرض سواء في ليبيا أو غيرها، والعنصر الآخر هو استخدام الأيديويوجية الدينية واستحضار التاريخ العثماني سواء داخل تركيا أو في المنطقة، فالنظام يعمل على استغلال الخطاب الديني من أجل تهيئة جيل جديد من خلال المدارس الدينية والمساجد والمنظومة التعليمية، لينتج جيل جديد مختلف عن العقلية التي سادت خلال جمهورية كمال أتاتورك".

وينظر إلى التحرك نحو السيطرة على القاعدة الحدودية على أنه رسالة إقليمية لدول الجوار الليبي.

وفي سياق متصل، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن ستقرار ليبيا يعد من محددات الأمن القومي المصري، وأن مصر لم ولن تتهاون مع الجماعات الإرهابية ومن يدعمها. وأشار الرئيس المصري خلال اجتماع مجموعة الاتصال الأفريقية حول ليبيا على مستوى رؤساء الدول والحكومات عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، إلى أن موقف مصر ثابت من الأزمة الليبية بالتوصل لحل سياسي للأزمة، والحفاظ على سيادة ليبيا وأمنها ووحدة أراضيها، والدعم الكامل لإرادة الشعب الليبي واختياراته. ونوه الرئيس المصري خلال التباحث بشأن آخر تطورات القضية الليبية، إلى رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية الليبية.

ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي رامي إبراهيم أنه بغض النظر عن كون الانسحاب من قاعدة الوطية "تحرك تكتيكي" أم هزيمة للجيش الليبي، فإنه يمثل تحولا هاما في المعركة على المستوى الميداني والصراع الاقليمي في ليبيا، فضلا عن تأثيرها داخليا في ضوء ما يبدو من خلاف بين البرلمان الليبي برئاسة المستشار عقيلة صالح والقيادة العامة للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، حيث يسعى البرلمان لتفعيل مبادرة سياسية لإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، في الوقت الذي أعلن فيه حفتر سقوط الاتفاق السياسي، وهو ما تبعه تغير في المواقف الدولية التي كانت داعمة للجيش الوطني، وهو ما يفرض ضغوط جديدة على الدول الاقليمية الداعمة للجيش الوطني.