وقد جاءت تلك الأجواء كنتاج طبيعي لما يصفه بعض المراقبين بأنه "تصفية حسابات" بين أمريكا وإيران على خلفية ما يجري في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول، تُرجم في ضربات عسكرية متبادلة ازدادت حدتها في العراق وامتدت إلى الأراضي السورية، وكانت أكثر خطورة وتأثيراً من الناحية الاقتصادية عبر هجمات ميليشيات الحوثي في البحر الأحمر.
وقد اتبعت الإدارة الأمريكية في المقابل استراتيجية تقوم على قطع رؤوس قادة تلك الميليشيات سواء من يقودونها بشكل مباشر في العراق على سبيل المثال، أو من يساعدونها في التخطيط كبعض عناصر الحرس الثوري الإيراني، لكن رغم ذلك فإن "واشنطن" حريصة كل الحرص في الوقت ذاته على عدم تمدد ساحة الصراع في المنطقة.
سيناريوهات مفتوحة
في هذا السياق، يقول الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، "إننا في حالة يمكن وصفها بأنها "حالة اللا سلم واللا حرب" بين الولايات المتحدة الأمريكية والميليشيات المقربة من إيران"، مؤكداً أن كل الأمور محتملة بشأن المواجهة بين الطرفين.
وأضاف أن "واشنطن" حريصة بكل تأكيد على عدم توسيع دائرة الصراع نتيجة ما يجري في قطاع غزة، لأن هذه المواجهة الواسعة ستكلف منطقة الشرق الأوسط الكثير والكثير في سوريا والعراق واليمن ولبنان ودول الخليج العربي، بل وقد يمتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من ذلك، معتبراً أن الضربات الأمريكية نفذت في إطار الردع فقط لتلك الفصائل الموالية لطهران، ولهذا اقتصر على بعض الشخصيات ومخازن الأسلحة.
وشدد على أن الإدارة الأمريكية ليست راغبة في الحرب وهذا أمر واضح، في المقابل تزعم الفصائل العراقية أنها في حالة جهاد مقدس لتحرير العراق والشرق الأوسط كما يدعون، معتبراً أن هذا خطاب أمريكي بامتياز يعيد إلى الأذهان أحداث اقتحام السفارة الأمريكية بعد ثورة الخميني، كما يعيد كذلك التذكير بأجواء الحرب الباردة وما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
هذه قواعد اللعبة بين إيران وأمريكا
بدوره يقول محمود الشناوي مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية سابقاً في العراق إن "التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وما يُعرف بالميليشيات الولائية لإيران المتواجدة في العراق وأجزاء منها في سوريا واليمن كلها نوع من الحرب بالوكالة بين واشنطن وطهران، فلا الأولى جادة في استهداف العمق الإيراني، ولا الثانية حريصة على ضرب المصالح الأمريكية بالشكل الذي يمكن أن يستفزها ويجعلها في حرب مباشرة".
وأوضح "الشناوي"، في تصريحات أن ما يجري رد فعل أمريكي متوسط العنف على هجمات متعددة، ثم بعد ذلك الهجوم النوعي الذي تم على قاعدة التنف والذي تجاوز الخطوط الحمراء وخرق قواعد الاشتباك بين إيران والمصالح الأمريكية في المنطقة، وشملت كذلك هجمات عدة نُفذت ضد القواعد الأمريكية في العراق وبعض المصالح الأمريكية في البحار المفتوحة كذلك من جانب جماعة الحوثيين، ولكن كل هذا في إطار قواعد الاشتباك المعروفة دون تجاوز للخطوط الحمراء المرسومة بين الجانبين.
ويرى الكاتب الصحفي المصري أنه يمكن الحديث عن تصعيد في المنطقة إذا كان الرد عنيفاً ومباشراً على إيران أو المصالح الإيرانية بشكل مباشر، مؤكداً أنه لا يمكن الدخول في مواجهة مباشرة بين إيران وأمريكا، علماً أن واشنطن قادرة على ضرب المصالح الإيرانية بشكل مؤثر لكنها لا تريد تغيير قواعد الاشتباك، واكتفت باغتيال بعض الشخصيات المؤثرة في صفوف الميليشيات مثل "الساعدي" الذي كان الرجل الثاني لإيران في العراق بعد مقتل أبومهدي المهندس الرجل الأقوى والأكثر أهمية.
ولفت "الشناوي" كذلك إلى أن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني كان قد دعا تلك الميليشيات الولائية إلى تخفيض هجماتها على القواعد الأمريكية واستجابت بعضها مثل كتائب حزب الله العراقي المسؤولة بشكل مباشر عن هجوم قاعدة التنف أقصى شمال الأردن وقد علقت عمليتها بالفعل، لكن هناك ميليشيات أقل أهمية مثل عصائب أهل الحق أكدت أنها ستواصل العمل للانتقام لقادة هذه الميليشيات الذين قُتلوا.
وأكد أن الأمور لن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وستبقى قاصرة على استهداف قادة الميليشيات ومن يخططون لتنفيذ الهجمات وبعض مخازن أسلحتها ومصالحها مثل وضع بعضهم على قوائم الإرهاب وتجميد أموالها، لافتاً إلى أن الأمر لن يتجاوز ذلك ولن تصل الأمور إلى اشتباك مباشر، ولن تكون هناك عمليات أمريكية في الداخل الإيراني، خصوصاً أن جميع الأطراف لا تمتلك رفاهية الدخول في صراع مباشر.