الكاتبة المصرية دعاء عبدالسلام: المرأة الكردية نموذج فريد وأثبتت نفسها كقوة تغيير حقيقية

أشادت الكاتبة المصرية الدكتورة دعاء عبدالسلام بتجربة المرأة الكردية وفكرة التشاركية، معتبرة أنها نموذج فريد وملهم في الشرق الأوسط، وأثبتت نفسها كقوة تغيير حقيقية.

وفي حوار لوكالة فرات للأنباء (ANF)، تطرقت دعاء عبدالسلام إلى كثير من التحديات والإشكاليات التي تواجه المرأة في الشرق الأوسط، خصوصاً مع تصاعد الأزمات في المنطقة، حيث تحملن النساء العبء الأكبر لها، لا سيما أنها دائماً تكون في الخطوط الأمامية لمواجهة التحديات.

تحدثت الكاتبة المصرية كذلك عن تجربة التشاركية للمرأة التي أرساها المفكر عبدالله أوجلان، مؤكدة دعمها لهذه الأفكار، مشيدة بتجربة المرأة الكردية، كما انتقدت أفكار "الإسلاميين" تجاه المرأة، فبينما يتحدثون عن تمكينها، نجد أنهم يسعون لتقييد حقوقها في بعض الحالات، خاصة فيما يتعلق بالحريات الشخصية والمشاركة السياسية المتساوية.

وهذا نص الحوار:

*كيف ترين واقع المرأة في المنطقة في ضوء الأزمات الحالية؟

- إن واقع المرأة في المنطقة في ظل الأزمات الحالية يعكس تحديات كبيرة، لكنها في الوقت نفسه تُظهر مرونة وإصراراً لا يُستهان بهما، لا شك أن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها العديد من دول المنطقة تؤثر بشكل مباشر على النساء، كونهن يتحملن العبء الأكبر في الأوقات الصعبة. والمرأة غالباً ما تكون في الخطوط الأمامية لمواجهة التحديات، سواء كانت نازحة بسبب الحروب والصراعات، أو متأثرة بالأزمات الاقتصادية التي تؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة. في كثير من الأحيان، تكون النساء الأكثر عرضة للعنف، سواء داخل الأسرة أو في المجال العام، خاصة مع تصاعد الانقسامات الاجتماعية وانهيار الهياكل الداعمة. لكن على الرغم من هذه الصعوبات، رأينا نماذج ملهمة لنساء أصبحن قائدات للتغيير في مجتمعاتهن. فالمرأة اليوم تلعب أدواراً محورية في جهود الإغاثة، والتوعية، والمبادرات المجتمعية، وتسعى إلى استعادة حقوقها الأساسية في التعليم، والعمل، والمشاركة السياسية. وما نحتاج إليه الآن هو تعزيز السياسات الداعمة للمرأة في ظل الأزمات، وضمان إدماجها الكامل في صنع القرار على كافة المستويات. فالمرأة ليست ضحية للأزمات فقط، بل أيضاً مفتاح الحل في بناء مستقبل أكثر استقراراً وتنمية للمنطقة.

*هل هذه التحديات من شأنها تقوية المرأة أم إضعافها؟

- التحديات التي تواجه المرأة اليوم يمكن أن تكون سيفاً ذو حدين، فقد تؤدي إلى إضعافها في بعض الحالات، لكنها في كثير من الأحيان تُسهم في تقويتها وإظهار قوتها الكامنة. ومن جهة أخرى، فإن الأزمات يمكن أن تكون مرهقة نفسياً وجسدياً للنساء، خاصة في ظل غياب الحماية والدعم الكافي. إن مظاهر العنف والتمييز، وتحمّل المسؤوليات الإضافية في الأوقات العصيبة يمكن أن تؤثر سلباً على فرصهن في التعليم، والعمل، وحتى الصحة النفسية والجسدية.

*لكن ما من شك أنها قد تشكل قوة دافعة، أليس كذلك؟

- التحديات كثيراً ما تدفع المرأة إلى تجاوز الحدود التقليدية وإثبات نفسها. لقد رأينا نساءً تتحولن إلى رموز للصمود في وجه الصعاب، سواء كن قائدات في مجتمعاتهن، أو رائدات في الأعمال، أو ناشطات تطالبن بحقوقهن وحقوق غيرهن. الأزمات تدفع النساء إلى تطوير مهارات جديدة، وبناء شبكات دعم مجتمعية، وتبني أدوار غير تقليدية كانت مغلقة أمامهن. إذن، التحديات يمكن أن تكون فرصة للنمو والتمكين إذا توفرت البيئة المناسبة لدعم المرأة. إن الأزمات تكشف قوة النساء، لكنها أيضاً تتطلب سياسات وإجراءات تساندهن لتحويل هذه القوة إلى مكاسب دائمة ومستدامة. المرأة في منطقتنا ليست فقط من تتحمل الأعباء، بل هي أيضاً مصدر الحلول والابتكار.

*هل البيئة القانونية تلبي احتياجات وتطلعات المرأة أم لا تزال المسافة بعيدة؟

- البيئة القانونية في العديد من دول المنطقة أحرزت تقدمًا ملحوظاً في دعم المرأة وتلبية احتياجاتها، ولكن لا يمكن القول إن الطريق قد اكتمل أو أن المسافة قريبة بما يكفي لتحقيق التطلعات المرجوة. وعلى الجانب الإيجابي، نرى جهوداً تشريعية واضحة لتحسين أوضاع المرأة، مثل تعديل قوانين الأحوال الشخصية، وتعزيز مشاركة المرأة في العمل، وحمايتها من العنف من خلال سن قوانين تُجرّم التحرش والعنف الأسري. هذه التطورات تعكس وعياً متزايداً بأهمية المساواة بين الجنسين ودور المرأة في المجتمع.

*ماذا عن التشريعات وتطبيقها على أرض الواقع؟

- هناك فجوة بين التشريعات والتطبيق على أرض الواقع. قد تواجه المرأة صعوبات في الاستفادة من هذه القوانين؛ بسبب عوامل ثقافية أو اجتماعية تحول دون ذلك، أو بسبب غياب آليات تنفيذ فعالة. كما أن هناك قضايا لم يتم التطرق إليها بالشكل الكافي، مثل الفجوة في الأجور، ومحدودية تمثيل المرأة في المواقع القيادية، أو بعض القوانين التي لا تزال تعكس وجهة نظر تقليدية عن أدوار المرأة. وبالتالي، البيئة القانونية تتطور تدريجياً، لكنها تحتاج إلى مزيد من التحديث والتطبيق الفعّال لتكون أكثر استجابة لاحتياجات المرأة، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة في المنطقة. الأمر يتطلب نهجاً شمولياً يوازن بين التقدم القانوني وإحداث تغييرات ثقافية ومؤسسية تضمن تحقيق المساواة الفعلية.

*في ضوء وضع الشرق الأوسط، كيف ترين تجربة المرأة الكردية وفكرة التشاركية التي أرساها السيد عبدالله أوجلان؟

- تجربة المرأة الكردية تمثل نموذجًا فريدًا ومُلهمًا في الشرق الأوسط، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة. إن فكرة التشاركية التي أرساها بعض الداعمين لقضاياهن وضعت المرأة في مركز الحراك السياسي والاجتماعي، مؤكدة على دورها كشريك كامل في صنع القرار والمشاركة في بناء مجتمع يقوم على المساواة والعدالة.

المرأة الكردية، خاصة في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، أثبتت نفسها كقوة تغيير حقيقية بالإضافة الى انخراطها في مختلف المجالات، بدءاً من العمل السياسي في المجالس والإدارات المحلية، وصولًا إلى دورها البارز في القيادة العسكرية من خلال وحدات حماية المرأة، يعكس تطبيقاً عملياً لفكرة أن المرأة ليست مجرد متلقية للتغيير، بل صانعة له. إن فكرة التشاركية التي تم تقديمها تتحدى البنى التقليدية القائمة على التمييز بين الجنسين، من خلال التأكيد على دور المرأة في بناء مجتمع ديمقراطي متحرر من الهيمنة الذكورية، هذه الفكرة لا تقتصر على تحرير المرأة فقط، بل تسعى لتحرير المجتمع ككل عبر إرساء قيم المساواة والعدالة. وبالتأكيد، لا تزال هناك تحديات تواجه المرأة الكردية، سواء كانت ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، لكن التجربة أثبتت أن تمكين المرأة وإشراكها الكامل يمكن أن يكون عاملاً رئيسياً في بناء مجتمعات قادرة على الصمود والتطور.

تجربة المرأة الكردية تمثل رسالة أمل وإلهام للنساء في الشرق الأوسط، تُظهر كيف يمكن للمرأة أن تكون ركيزة أساسية في التغيير الاجتماعي والسياسي.

*ما رأيك في رؤية تيارات الإسلام السياسي والإخوان تجاه المرأة والتعامل مع قضاياها؟

- رؤية تيارات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان، تجاه المرأة تثير جدلاً واسعاً؛ بسبب توجهاتها التي غالباً ما تُفسَّر بأنها تعكس نظرة تقليدية لدور المرأة في المجتمع. وهذه التيارات تميل إلى التركيز على الأدوار التقليدية للمرأة، مثل دورها كزوجة وأم، وتضع قيوداً على مشاركتها في المجالات العامة مثل السياسة والعمل، استناداً إلى تفسيراتها الخاصة للشريعة الإسلامية. في الوقت نفسه، تحاول هذه التيارات التأكيد على أنها تدعم حقوق المرأة بما يتوافق مع ما تسميه "الثوابت الإسلامية"، لكن هذا الدعم غالباً ما يكون محدوداً وغير كافٍ لتحقيق المساواة الحقيقية.

*هل أظهرت تجربتهم في الحكم ذلك؟

- بالفعل، يمكن القول إن تجربة هذه التيارات في الحكم أو التأثير السياسي أظهرت تناقضات واضحة في التعامل مع قضايا المرأة.

فبينما يتحدثون عن تمكين المرأة، نجد أنهم يسعون لتقييد حقوقها في بعض الحالات، خاصة فيما يتعلق بالحريات الشخصية والمشاركة السياسية المتساوية. وهذا يتضح من الخطابات والممارسات التي تؤدي إلى تقليص دور المرأة في مواقع صنع القرار وتحديد خياراتها تحت مظلة "القيم المجتمعية". ومن المهم الإشارة إلى أن النساء داخل هذه التيارات أحياناً تتخذن أدواراً بارزة في الدفاع عن هذه الرؤية.

*بالفعل، وهذه من الأمور التي أستغربها..

- للأسف، النساء في الإخوان أو في هذه التيارات تدافعن عن هذه الرؤية التي تنتقص من حقوق المرأة، سواء من منطلق الاقتناع الشخصي أو لتحقيق مصالح سياسية، مما يضيف تعقيداً إضافياً للنقاش حول هذه القضية. بالتالي، يمكن القول إن رؤية تيارات الإسلام السياسي تجاه المرأة تمثل تحدياً كبيراً لمساعي تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية؛ حيث أن التعامل مع هذه الرؤية يتطلب تقديم خطاب بديل يرتكز على فهم متجدد للنصوص الدينية ودور المرأة في المجتمع، مع التأكيد على حقوقها كعنصر أساسي في تحقيق نهضة أي مجتمع.