في يومها العالمي.. فلسفة أوجلان تمكن المرأة من استرداد قيمتها ومكانتها

يعد المفكر الأممي عبدالله أوجلان واحداً من أولئك المفكرين القلائل الذين منحوا المرأة مكانة في كتاباتهم، إيماناً منه بما يجب أن يكون عليه دورها.

يحتفي العالم باليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 مارس/آذار من كل عام، في مناسبة الهدف منها التذكير بمكانة المرأة، ودورها الذي لا يجب تجاهله، وأحقيتها في التمتع بكافة حقوقها وحرياتها، وهنا تظهر الكثير من الأفكار والكتابات، لكن أبرزها – حسب كثير من المتابعين لشأن المرأة – ما كتبه المفكر والمناضل عبدالله أوجلان وما قدمه من أفكار في فلسفته حول النساء وواقعهن، ونقده الشديد لكل أشكال التقليل من شأنهن.

يمكن القول إن أوجلان قدم رؤية شاملة يمكن تسميتها اختصاراً "فلسفة المرأة"؛ كونها تطرقت إلى كافة الأمور المتعلقة بنيل المرأة حقوقها، بداية من اهتمامه بتغيير المرأة نظرتها إلى نفسها، ثم التحرر من الهيمنة الذكورية، بل وحتى اختيارها لشريك حياتها، ودورها في العمل النضالي من أجل بناء المجتمع والدفاع عن الحريات، وكذلك عمله على تغيير أفكار الرجال أنفسهم تجاه النساء.

حرية المرأة والمجتمع

وأوجلان كمناضل يسعى دائماً إلى الحرية، وفي إطار رؤية شاملة لتحرير الشعوب قال ورأى أنه "لن يتحرر المجتمع إلا بتحرير المرأة"، وفي سبيل ذلك كان لا بد من معالجة كافة الإشكاليات التي تحول دون تحرر المرأة، ولهذا كانت انطلاقته من نقد مفهوم العائلة وتشريحه.

واعتبر المفكر عبدالله أوجلان أنه في ظل قناعات العائلة الحالية فإنها عبء على كاهل المجتمع، لا سيما عندما تحدث عن الإشكاليات التي تحدث داخل العائلة الواحدة، فالأشخاص المنغمسون في المشكلات والخلافات العائلية بالنسبة له لن يكون لديهم القدرة الكافية على النضال من أجل تطوير المجتمعات، كما تطرق إلى إشكالية الانزلاق وراء العواطف الرخيصة، والتفكير في المرأة كأداة للمتعة الجنسية والإنجاب، بل ورأى أهيمة الجانب الفكري لتشكيل الحب الواعي بين الرجل والمرأة القائم على التقارب الفكري انطلاقاً من هدف أسمى هو حماية الأوطان.

فلسفة إنسانية

بصفة عامة، تقول ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر إن موقع المرأة في فلسفة المفكر الأممي عبدالله أوجلان يعكس رقي تلك الفلسفة الإنسانية؛ التي منحت مكانة متميزة للنساء باعتبارهن ركناً مهماً في مسيرة ونضال الشعوب والمجتمعات، سواء من أجل الحرية أو التنمية أو مكافحة الاستبداد.

وتضيف ليلى موسى، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا جاءت كترجمة عملية وواقعية لفلسفة أوجلان على كافة المستويات، من خلال الإدارات التشاركية في المستويات التنفيذية، حيث تشارك المرأة الرجل وفق معايير الكفاءة.

وتلفت ممثلة "مسد" في القاهرة أيضاً إلى أن الإيمان بمكانة المرأة في نضال الشعوب الذي أكدته فلسفة أوجلان جعلها شريكاً مهماً في معركة الحرب ضد الإرهاب والتطرف، فالنساء لم يحمين مجتمعاتهن فقط بل كان لهن دوراً في حماية السلم والأمن الدوليين، وقدمن البطولات والتضحيات أمام تنظيم مثل داعش الإرهابي، كما أنهن شريكات في المواجهة ضد بطش الاحتلال التركي وأيضاً قدمن التضحيات والشهداء مثلهن مثل الرجال.

وتؤكد ليلى موسى أن النساء في يومهن العالمي لا يزالن أمامهن كثيراً من التحديات والعقبات، لكن بفضل تراكمية النضال لا سيما في مواجهة الثقافة الذكورية؛ فإنهن ذاهبات باتجاه مزيد من الحقوق والتمكين، فضلاً عن قناعة المرأة بذاتها وبقيمتها، وهو ما حثت عليه فلسفة أوجلان بأن تنظر المرأة إلى ذاتها بتقدير وتكتشف طاقاتها وتؤمن بها.

وفلسفة عبدالله أوجلان حافلة بالمواقف التي تعكس إيمانه بالمرأة، إذ أنه عكس الثقافة السائدة آمن بأنها مصدر للثقة، وهي كائن لا يخون، بل إنها الأكثر وفاء للوطن والنضال، مقارنة بالرجال الذين تشهد عليهم كثير من المواقف التاريخية على خيانتهم وتهربهم، مؤكداً أن النساء هن الأكثر تقديماً للتضحيات، ومن هنا آمن كذلك بضرورة تطوير المرأة وصنع النساء الثوريات.

وكان يرى أن المرأة ليس مجرد مصدر للحب والعشق الرخيص، ولهذا انتقد العلاقات التي كانت تقوم عليها الأسر والمجتمعات، لأن من شأنها التقليل من دور المرأة المهم، على نحو يخدم الأنظمة الرأسمالية والاستعمارية، فالأسرة يجب أن تبنى على أساس سليم، يخلق روح النضال والثورية في الأجيال، ويدفعها نحو الثورة لتحرير أوطانها والتخلص من العبودية.

المرأة نواة لبناء الأسرة الحرة

تقول الكاتبة والباحثة المصرية الدكتورة فرناز عطية، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أوجلان رأى أن المرأة اضطهدت اضطهاداً بالغاً في الحضارات السابقة، وصولاً إلى مرحلة الحداثة الرأسمالية، التي أدت إلى مزيد من الانحدار في وضعها؛ وأضحت مثل الأمة أو الخادمة المعنية بشؤون المنزل فحسب، فقد عملت الرأسمالية والحداثة على قمع المرأة واستغلال جهدها واستنزافها، ثم مع الاستعمار الذي أتى إلى الشرق الأوسط تدهور وضع المرأة ليصل إلى أشد درجات القمع والاستغلال.

وتقول فرناز عطية إن المفكر عبدالله أوجلان رأى هنا أن المرأة نواة لبناء أسرة حرة ديمقراطية، وهذا يمكن من خلال تصحيح مفاهيم الأسرة، وتطويرها على أساس الحياة التشاركية، بحيث يكون للمرأة دور وللرجل دور دون وجود أي صراع بينهما في بناء الأسرة ومن ثم المجتمع، وبناء شخصيات ديمقراطية، موضحة أن فلسفة أوجلان ترى أنه لا يمكن تحرير المرأة إلا من خلال تخليصها من قيود الذهنية الذكورية المهيمنة عليها منذ آلاف السنين.

وتلفت إلى أن أوجلان يعتبر أن التخلص من قيود الذهنية الذكورية من شأنه أن يحرر الرجل أيضاً والنهوض بقبوله وضع المرأة، حيث سيستوعب وجودها كشريك في الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مضيفة أنه ركز كذلك على مفهوم الحياة التشاركية؛ حيث أن المجتمع لا يكتمل دون وجود الجنسين، وهذا عكس الأفكار النسوية التي ترى أن هناك صراعاً بين المرأة والرجل، كما أنه يركز على فهم ووعي المرأة وإدراكها لمجتمعها وواقعها وفهم من يعيش حولها، وبالتالي تستطيع بناء المجتمع مع الرجل.

تذكر كذلك أن أوجلان يرى أن المرأة ليست أداة للإنجاب وتحقيق السيرورة في المجتمع، ولكن لها شخصيتها ودورها، سواء في الحياة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، وفي الأخيرة دعا إلى ثورة المرأة لتحقيق المساواة مع الرجل لكسر التابوهات التي تضع المرأة في صور تقليدية تجعلها مجرد وسيلة للإنجاب والمتعة، مؤكداً ضرورة إشراكها بقوة في الحياة السياسية والعامة.