وكان من المقرر إجراء هذه الانتخابات يوم 11 يونيو/حزيران الجاري لكن تم تأجيلها إلى أغسطس/آب المقبل، لإتاحة مزيد من الوقت أمام الأحزاب السياسية من أجل الدعاية اللازمة، ولتجنب ضيق الوقت، حيث تأتي هذه الانتخابات كتتويج لمجموعة من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الذاتية والتي على رأسها إصدار العقد الاجتماعي القائم على فكرة التعايش السلمي والتعددية والتنوع وإعطاء مكانة متميزة للمرأة.
ولدى الإدارة الذاتية قناعة بأن خيار الديمقراطية هو النموذج الملائم للعيش المشترك وتجاوز السنوات العجاف الماضية في سوريا، هناك محاولات مختلفة من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية لإفساد تلك الانتخابات، في ظل مخاوف تلك الأطراف الديكتاتورية أو صاحبة المصالح من بزوغ هذه التجربة الديمقراطية الفريدة في منطقة الشرق الأوسط.
تجربة فريدة
يقول صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هذه الانتخابات ضرورية، خصوصاً ما يتعلق بتجربة الديمقراطية التي نتحدث عنها، بحيث أن تؤدي إلى أن يكون هناك مناطق ذات مجالس بلديات صغيرة وأخرى كبيرة قادرة على أن تدير أمورها بنفسها في إطار نوع من الحكم المحلي لجميع الإدارات.
وأضاف مسلم أن هذه الانتخابات تشكل تجربة ديمقراطية فريدة، فهي تعني أن شعوب مناطق الإدارة الذاتية يجب أن يشاركوا في كل شيء ويشعروا بالمسؤولية من ناحية، ومن الناحية الثانية فإن انتخابات البلديات تمنح الإدارة الذاتية راحة نسبية من أعباء القرارات، حيث ستتحول إلى المدنيين وهم من يأخذون قراراتهم بأنفسهم، بمعنى أنه لم يعد هناك شيء مركزي.
ولفت مسلم إلى أن كل إدارة سيكون لها مجالسها وحتى كل بلدة من بلداتها سيكون لها فعلياً مجالسها ويكون فيها رئيس البلدية ورئاسة مشتركة، مشيراً إلى أن المجلس البلدي سيكون به خمسين بالمئة من الرجال وخمسين بالمئة من النساء.
نموذج انتخابي متميز
ويقدم السياسي الكردي البارز دليلاً آخر على تفرد تلك التجربة، إذ قال أن المجالس البلدية ستراعي جميع شرائح المجتمع من كرد وعرب وسريان والكل سيكون ممثلاً، وفي نفس الوقت في إطار من مراعاة الخبرة وبالنسبة، حيث أشار إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي وبعض الأحزاب الأخرى يجرى بها انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحي البلديات.
ويوضح أنه في المرحلة الأولى ينتخب أعضاء الحزب المرشحين للبلديات، والمرحلة الثانية يتم الانتخاب من قبل الشعب وهنا تكون المنافسة بين جميع الأحزاب والشخصيات المستقلة، وربما يتشابه ذلك مع تجربة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تجرى انتخابات في كل حزب تمهيدية لاختيار المرشح ثم يتم بعد ذلك الانتخاب العام لاختيار الرئيس الأمريكي.
وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يقول الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري إنه للأسف هناك من لا يريدون هذه التجربة الديمقراطية ليس في سوريا فقط بل في الشرق الأوسط ككل، لأنهم يخشون أن تتأثر الشعوب الأخرى بهذا النموذج وتطلب تطبيق الديمقراطية، كنموذج للحل السياسي في سوريا، وهذا أيضاً أمر يزعج تركيا التي تحاول إفساد هذه الانتخابات بشتى الوسائل.
ومن المقرر أن يشارك نحو 18 حزباً سياسياً بتلك الانتخابات إلى جانب المستقلين، فيما يتقدم لها نحو 5 آلاف مرشّح، ويصوت نحو مليوني ناخب، وفق ما أكدت الرئيسة المشتركة للمفوضية العليا للانتخابات روكن ملا إبراهيم، ولهذا ربما رأت الأحزاب أنهم بحاجة إلى فسحة من الوقت للقيام بالدعاية الانتخابية اللازمة.
ترسيخ للديمقراطية
بدوره، يقول هاني الجمل الباحث السياسي المصري في الشؤون الدولية، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هذه الانتخابات ترسخ للخطوات الديمقراطية التي اتخذتها الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ونجاحها في إقرار العقد الاجتماعي في هذه المناطق، والتي وصلت إلى وجود خطوات إيجابية تنفذ على أرض الواقع من خلال هذه الانتخابات المحلية.
وأضاف أن الإدارة الذاتية قامت بتقسيم هذه المناطق إلى 7 مناطق منها 6 مناطق كبرى يتعدى تعدادها السكاني 200 ألف، وبالتالي هناك انتخابات أدت لوجود أكثر من 5 ألاف مرشح، مما يؤكد على أن هناك رغبة من الأطياف السياسية في هذه المنطقة على خوض هذه التجربة التي تكرس نوعاً من أنواع الديمقراطية والخطوات الجادة في التعايش السلمي بين الأطياف السياسية المختلفة.
ويقول هاني الجمل إن هذه الانتخابات تسبق تلك البرلمانية في مناطق الحكومة، وبالتالي فإنها تقدم نموذجاً للتعايش السلمي وخطوات نحو الديمقراطية في هذه المنطقة، مشيراً إلى أنها تأتي وسط مشاركة واسعة جداً من الأطياف السياسية داخل المكونات الكردية باختلاف انتماءاتها وأيديولوجياتها.
الضربات التركية
وانتقد الباحث السياسي المصري القصف التركي الذي يطال العديد من الأماكن في شمال وشرق سوريا من وقت لآخر، وقال: "للأسف هذه الضربات قد تؤثر بشكل سلبي على أمن وتأمين هذه المقار الانتخابية المنتشرة في هذا القطاع.
ورفض في الوقت ذاته فكرة أن هذه الانتخابات تكرس الانفصال، إذ قال إنها على العكس تقدم نموذجاً ديمقراطياً يتصاعد في هذه المنطقة ويفتح الطريق أمام تدشين حوار كردي كردي وحوار كردي سوري من أجل خطوات تنفيذية لمحاولة التغيير والتحول الديمقراطي في داخل سوريا.
وقال إنه مع فشل محاولات الحوار، عملت الإدارة الذاتية على أن يكون هناك أي شيء ناجح من خلال هذه الانتخابات ونموذج العقد الاجتماعي والتجربة الديمقراطية، التي للأسف تنظر إليها تركيا نظرة سلبية، إذ مارست ضغوط لمنع انتخابات مناطق الإدارة الذاتية على اعتبار أنها تشجع الكرد في الجانب الآخر من الأراضي التركية والذين كان لهم دوراً محورياً في هزيمة حزب أردوغان بالانتخابات البلدية الأخيرة.