عيد الصحافة الكردية.. 126 عاماً من النضال والكفاح والدروس الحاضرة
يضيء الكرد في كل مكان، اليوم، شمعة جديدة في عيد الصحافة الكردية، الذي يوافق 22 أبريل/نيسان، حين صدرت لهم أول صحيفة كردية، وكانت من العاصمة المصرية القاهرة، كذكرى وطنية جامعة.
يضيء الكرد في كل مكان، اليوم، شمعة جديدة في عيد الصحافة الكردية، الذي يوافق 22 أبريل/نيسان، حين صدرت لهم أول صحيفة كردية، وكانت من العاصمة المصرية القاهرة، كذكرى وطنية جامعة.
وعلى مر التاريخ امتلك المثقفون الكرد إرثاً إبداعياً حافلاً وزاخراً، لكن هذا الإرث كان يصطدم بما يعانون منه طوال تاريخهم، أي محاولات طمس الهوية المستمرة، وبدلاً من لغتهم الأصلية كتبوا أفكارهم التنويرية بلغات أخرى، لا سيما من قبل الدولة التركية التي كان كل ما يعنيها رفع أسهم القومية التركية على حساب غيرها من القوميات.
وظلت الأمور هكذا، حتى جاءت الانطلاقة بأول صحيفة كردية على يد الأمير مدحت مقداد بدرخان من القاهرة، وللمفارقة فهو سليل العائلة البدرخانية العريقة، التي تعود جذورها إلى عام 1260 ميلادية، وقد حكمت بوطان، لكن تم القضاء على حكمها من قبل الدولة العثمانية، وحتى مارس أتاتورك في تركيا أيضاً القمع بحقهم واتهمهم بالتآمر ومحاولة الانفصال، ليضطر كثيرون منهم للهروب ومنهم أمين عالي بدرخان، الذي تمكن شقيقه مدحت من إصدار أول صحيفة كردية خلال حكم الخديوي عباس حلمي الثاني لمصر.
دور حيوي داعم للديمقراطية
بهذه المناسبة، تقول الدكتورة سحر حسن أحمد أستاذة التاريخ المصرية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه في هذا اليوم، علينا أن نشجع وندعم حرية الصحافة وحقوق الصحافيين في جميع أنحاء العالم، ونؤكد على أهمية دورهم الحيوي في بناء مجتمعات قوية وديمقراطية ومستقلة.
أما بالنسبة للشعب الكردي، تقول الدكتورة سحر حسن أحمد إن عيد الصحافة الكردية يمثل لهم مناسبة مهمة، يتجلى خلالها الدور الحيوي الذي تلعبه الصحافة في حياتهم وفي تعزيز الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي، بل ويحمل كثيراً من الجوانب ذات الأهمية.
وعددت أستاذة التاريخ تلك الجوانب، التي كان أولها التذكير بالإرث الصحافي، إذ يعتبر عيد الصحافة الكردية فرصة للتذكير بالإرث الصحافي الغني والطويل للشعب الكردي، وبدور الصحافة في توثيق التاريخ ونقل الأحداث والأخبار بدقة ومهنية.
والجانب الثاني يتعلق بتقدير العمل الصحافي، فيمكن لعيد الصحافة أن يكون فرصة لتقدير الجهود الكبيرة، التي يقدمها الصحافيون والصحافيات الكرد في نقل الأخبار، وتوجيه الضوء على القضايا المهمة التي تؤثر في حياة الشعب الكردي، وفقا لها.
جانب ثالث، وفق الدكتورة سحر حسن أحمد يتعلق بتعزيز الوحدة والتضامن، إذ يجمع عيد الصحافة الكردية الشعب الكردي في تقدير دور الصحافة وأهميتها، مما يعزز الوحدة والتضامن بين الكرد ويعزز الروح الوطنية.
والجانب الرابع، يتعلق بدعم حرية الصحافة، إذ تقول أستاذة التاريخ إن عيد الصحافة الكردية يذكر بأهمية دعم وحماية حرية الصحافة، وضرورة توفير بيئة يمكن فيها للصحافيين والصحافيات العمل بحرية ودون مخاوف أو قيود، مؤكدة أنه بشكل عام يمثل عيد الصحافة الكردية فرصة للاحتفال بالتقاليد الصحافة الكردية، وتعزيز دور الصحافة في تشكيل الوعي والتغيير في المجتمع الكردي وخارجه.
أول صحيفة من القاهرة
وقد صدرت صحيفة "كردستان" من القاهرة باللغة الكردية الكرمانجية المستخدمة على نطاق واسع في تركيا وسوريا وأجزاء من إيران والعراق، ثم شملت كذلك الصورانية التي ينطق بها كثيرون في العراق وإيران، وقد كان يتم تهريب هذه الصحيفة إلى تركيا عبر الأراضي السورية، في إطار إيمان هؤلاء بأن الصحافة ضرورة للحفاظ على الهوية وتغذية النضال.
وعن صدور أول صحيفة كردية من القاهرة، تقول الدكتورة سحر حسن أحمد إن مصر هي مهد الحضارات ومنبع الحريات والثقافة، ومن ثم جاء اختيارها من قبل مدحت بدرخان لتكون مهداً للصحافة الكردية، وهذا يعني عديد من الأمور المهمة بالنسبة للثقافة الكردية والصحافة في العالم العربي والكردي بشكل خاص.
وأضافت أن هذه الخطوة كانت تعني توسيع نطاق التواصل، فبفضل ظهور أول صحيفة كردية من مصر، تم توسيع نطاق التواصل بين الكرد والعالم العربي، مما ساهم في تعريف الشعوب العربية بالثقافة والتاريخ والقضايا الكردية.
كما أن ذلك من شأنه تعزيز الهوية الكردية، فقد كان لظهور الصحيفة الكردية في مصر دوراً مهماً في تعزيز الهوية الكردية وتوحيدها، حيث ساعدت في توفير وسيلة للتعبير عن الثقافة والهوية الكردية ونقل الأخبار والمعلومات ذات الصلة.
وتشير الدكتورة سحر حسن أحمد إلى أن تلك الخطوة كان من شأنها تحفيز الإبداع والابتكار في مجال الصحافة الكردية، ما أدى إلى زيادة التنوع والتطور في الأساليب الصحفية ومضمون الصحف الكردية، كما أنها خطوة كان من شأنها تعزيز الحوار الثقافي، حيث شجعت الصحيفة الكردية على تعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب والثقافات المختلفة، مما أسهم في تعزيز التفاهم المتبادل وبناء جسور الاستقرار والتعاون.
وفي ختام تصريحاتها لوكالة فرات للأنباء (ANF)، تقول أستاذة التاريخ إنه بشكل عام، فإن ظهور أول صحيفة كردية من مصر أمر مثل خطوة مهمة في تاريخ الصحافة الكردية والتواصل الثقافي والإعلامي بين الشعوب، وهو حدث يجب الاحتفال به وتقدير دوره في تشكيل الوعي والحوار الثقافي في المنطقة.
وقد كانت مصر في أواخر القرن الـ 19 منبراً للثقافة والعطاء، ومستقلة بقدر كبير عن الدولة العثمانية، ولهذا وفرت أرضية ملائمة لصدور الصحيفة الكردية الأولى، وقد صدرت من دار الهلال في القاهرة، وكانت فرصة مهمة لتسليط الضوء على ما يلاقيه الكرد في مختلف أماكن وجودهم، وفرصة كذلك لحثهم على مواصلة النضال والكفاح من أجل نيل حقوقهم المشروعة.
هذا هو المطلوب من الصحافة
وتقول السيدة ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" في مصر إن الشعب الكردي كان له خصوصية، كونه يتعرض للإبادة والاحتلال عبر عقود من الزمن، وبالتالي وجود الصحافة وما تقوم به من نقل الواقع الكردي وما تعيشه الشعوب الكردية أمر مهم للغاية.
وتضيف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن نقل الحدث للعالم وتعريف الشعوب بما يجري في الحروب، وكذلك العادات والتقاليد من خلال الصحافة أمر مهم، للتقريب بين الشعوب والدول، ونشر ثقافة المحبة والاستقرار، وفي المقابل قد تلعب دوراً سليباً إذا كانت مسيسة أو تخدم أجندات بعينها في تزييف الحقائق ونشر العداء والعنصرية.
وترى السيدة ليلى موسى أننا في الوقت الحالي بأمس الحاجة إلى إعلام يعمل بمهنية ويرتقي إلى تطلعات الشعوب، خاصة في ظروف الحرب المستعرة التي نعيشها في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي الحاجة إلى إعلام له دور إيجابي لنقل الحقائق وتقريب الشعوب والمكونات من بعدها ونشر ثقافة المحبة والسلام، بعيداً عن التشويه والتزييف الذي لا يمت بصلة للواقع.
وتلفت السياسية الكردية إلى مدينة مثل عفرين الواقعة شمال سوريا، التي كان الكرد يشكلون 96% من سكانها قبل الاحتلال التركي لها، الآن لم يبق منهم إلا نحو 20%، فهناك عمليات تغيير ديمغرافي تتم فيها، وبالتالي هناك بعض الجهات تحاول ترويج روايات بعيدة عن الواقع المعاش، ومن هنا فنحن نأمل في دور الإعلام لتسليط الضوء حول ما يحدث هناك، وبالتالي هذه أهمية لكشف ما تتعرض له شعوب هذه المنطقة من انتهاكات، ومن ثم الدعم لهذه الشعوب وحقوقها.
وانتقدت بعض وسائل الإعلام التي وصفت ما جرى في عفرين بأنه تحرير، وتساءلت: هل يتم تحرير المدينة من سكانها الأصليين؟، ومن جهة أخرى باركت السيدة ليلى موسى بهذه "المناسبة العظيمة" للإعلام يوم الصحافة الكردية، وكيف أنه عبر أكثر من قرن من الزمان كانت هناك عواصم مثل القاهرة كان لها دور كبير وصدرت منها أول صحيفة كردية، وبالتالي نحن شاهدنا وقوف الدولة المصرية وحكومتها وشعبها إلى جانب الشعب الكردي وقضيته، وبالتالي هذه المناسبة تدعونا للتذكير بضرورة إحياء المساندة والدعم للكرد وقضيتهم، على حد قولها.
ونتيجة لما سببته صحيفة "كردستان" من إزعاج للعثمانيين، فقد لاحقت القائمين عليها أينما كانوا، ليتم تغيير مكان صدورها أكثر من مرة بين مصر وسويسرا وبريطانيا، وصحيح أنه في نهاية المطاف توقفت الصحيفة بصدور آخر عدد منها عام 1902، وقد كان العدد رقم 31، إلا أنها شكلت النواة الأولى لعديد من الإصدارات الصحيفة الكردية التي أتت لاحقًا، مثل روج وتيكه يشتني راستي وبيشكوتن وبانكي كردستان وجين وهاوار، وغيرها، ولهذا الأمر لم يكن مجرد إصدار صحيفة بل كان تاريخاً معبرا عن واقع الكرد ونضالهم ومعاناتهم طوال تاريخهم.