رؤية كردية لسوريا ما بعد بشار.. الكرة في ملعب الحكام الجدد

خلال فترة حكم بشار الأسد، أو حتى بعد سقوطه، للكرد موقف ثابت لا يتغير بشأن رؤيتهم لسوريا كدولة واحدة تتسع للجميع، وتؤمن حقوق كافة المكونات ضمن إطار سياسة لامركزية.

مع سقوط النظام، بادرت الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا، وكذلك الأحزاب السياسية في هذه المناطق، إلى إصدار بيانات ترحب بنهاية بشار الأسد، مؤكدة الحاجة إلى بناء دولة جديدة تتسع للجميع، تقوم على الحوار، وتعيد إلى كافة المكونات حقوقها المسلوبة، وتؤكد ضرورة طي صفحة الطمس والقمع والتهميش، وتحذر من أن يتحول الأمر إلى مجرد تبديل فقط للوجوه.
وكما كان المكون الكردي سباقاً بتجربة الإدارة الذاتية، كنموذج حكم رشيد في إطار لا مركزي، كانت سباقة بطرح مبادرة في غاية الأهمية تحت شعار "بناء سوريا الجديدة"، تقوم على إطلاق حوار شامل لبناء سوريا الجديدة، مشددة على أن التعاون بين الإدارة الذاتية والإدارة السياسية في دمشق سيكون في مصلحة جميع السوريين.

وفي سياق هذه المبادرة تحدثت وكالة فرات للأنباء (ANF) مع عدد من السياسيين الكرد، حول ما يجب أن تكون عليه سوريا ما بعد سقوط بشار الأسد، لتجنب العودة مرة أخرى للوراء، ووضع أسس تضمن نسيان أكثر من نصف قرن من البطش، لا سيما وأن مبادرة الإدارة الذاتية تضمنت نحو 10 بنود إن طُبقت فإن السوريين يمكن أن يكون أمامهم مستقبلاً كبيراً.

دولة مدنية ومكانة للمرأة

تقول كوثر دوكو الرئيسة المشتركة لحزب سوريا المستقبل إن الشعب السوري عانى على مدار 54 عاماً من نظام قمعي ديكتاتوري، ولذلك السوريون جميعهم الآن بكل بقعة في سوريا وحتى خارجها مسرورون بإسقاط النظام، مؤكدة أن كل الأنظار متجهة إلى الحكومة الانتقالية، وما سيتغير في سوريا الجديدة، سوريا ما بعد بشار الأسد، وكيف يجب أن تكون.

وتؤكد كوثر دوكو، في تصريح مكتوب لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن سوريا يجب أن تكون دولة مدنية ديمقراطية، يعيش فيها الشعب السوري بكافة مكوناته وأطيافه، تحت سقف القانون الذي يحمي الجميع ويعترف بحقوق جميع الأقليات.

كما تشدد السياسية البارزة على ضرورة أن يكون للمرأة وجود في مراكز صنع القرار بسوريا الجديدة، وفي كافة المجالات السياسية والإدارية والمجتمعية، لافتة إلى أن حزب سوريا المستقبل كان ولا يزال يطالب بسوريا ديمقراطية تعددية لامركزية.
وعلى ذكر المرأة وموقعها، قدمت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا نموذجاً ملهماً لدعم حقوق المرأة من خلال تطبيق فكرة الرئاسات المشتركة، وتمكينها في كافة المناصب المعنية بصناعة القرار واتخاذه، وكذلك في المواقع السياسية المختلفة، في تجربة تحظى باحترام وتقدير كبيرين على المستويين الإقليمي والدولي.

ودعت مبادرة الإدارة الذاتية إلى الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية، وحمايتها من الهجمات التي تشنّها الدولة التركية ومرتزقتها، ووقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي السورية للبدء بحوار وطني شامل وبنّاء، واتخاذ موقف التسامح والابتعاد عن خطاب الكراهية والتخوين بين السوريين، مؤكدة أن سوريا بلد غني بمكوناته وأطيافه ويجب الحفاظ على هذا الغنى والتنوع على أساس ديمقراطي عادل.

دعت المبادرة إلى عقد اجتماع طارئ تشارك فيه القوى السياسية السورية في دمشق لتوحيد الرؤى بشأن المرحلة الانتقالية، وأكدت على ضرورة المشاركة الفعالة للمرأة في العملية السياسية، كما شددت على أن الثروات والموارد الاقتصادية يجب أن تُوزَّع بشكل عادل بين جميع المناطق السورية، باعتبارها ملكاً لجميع أبناء الشعب السوري.

مطالب واضحة أبرزها خروج الاحتلال التركي

بدوره، يقول سليمان جعفر وهو سياسي كردي إنه لا يخفى على أحد أن الكرد هم من سكان المنطقة الأساسيين، وجذورهم ضاربة في أعماق التاريخ، وقد تعرضت مناطق سكناهم للاحتلالات، وتعرضوا لضغوط حملات الإبادة منذ أيام الإسكندر المقدوني وحتى نظام البعث، ومقابل كل حملة كان الكرد يحاولون الدفاع وحماية أنفسهم، مؤكداً أن نظام البعث كان شوفينياً، لا يقل عن نظام الملالي في إيران والنظام التركي، إذ أنه يعترف بحق الكرد في الحياة.

ويضيف سليمان جعفر، في تصريح لوكالة فرات للأنباء  (ANF)، أنه مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، توسّم الكرد فيها خيراً، وحاولوا التقرب من قادة المعارضة، ولكن بعد عدة أشهر، تبيّن أن هؤلاء شربوا من نفس الكأس الذي شرب منه البعثيون، وأنهم ليسوا أفضل من نظام البعث.

وأشار إلى أنه مع هجوم هيئة تحرير الشام على قوات النظام في حلب وامتداده إلى حماة وحمص ودمشق، في عملية تسليم واستلام – على حد قوله – ووصول أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) إلى دمشق، كان لابد للإدارة الذاتية من توضيح رؤيتها لمستقبل سوريا، وقد صدرت بيانات عديدة من مسؤولي الإدارة الذاتية تؤكد تأييدها وترحيبها بزوال نظام البعث، وأبدت تعاونها مع الإدارة الجديدة في إعادة بناء سوريا الجديدة، على أن تكون الحكومة لكل السوريين وأن تكون لامركزية، بحيث يتمتع كل مكون بثقافته ولغته الأم، مع عدم فرض اللون الواحد واللغة الواحدة على الشعوب.

ويرى السياسي الكردي أن "الكرة الآن في ملعب حكام دمشق الجدد"، موضحاً أن مطالب الإدارة الذاتية هي إخراج القوات التركية من الشمال السوري، ووقف هجمات الفصائل الموالية لتركيا على مناطق الإدارة الذاتية، وعودة كل المهجرين إلى ديارهم، وخاصة أهالي عفرين، والاعتراف بالإدارة الذاتية، ووضع قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري، مع بقائها في مناطق الإدارة الذاتية.

ويشير جعفر كذلك إلى أن المطالب شملت الاعتراف بالمكون الكردي دستورياً، كمكون رئيسي للتمتع بلغته وثقافته وخصوصيته القومية، والدينية خاصة معتنقي الديانة الإيزيدية، ورفع العلم السوري الجديد على كافة الإدارات والمؤسسات في إقليم شمال وشرق سوريا.

دولة لا مركزية

من جانبها، تقول أمينة عمر، عضو منسقية مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا، إن كل المكونات السورية عانت بشكل عام من النظام السابق، من ظلم واضطهاد، وعلى وجه الخصوص المكون الكردي الذي كان له النصيب الأكبر من عدم الاعتراف بالهوية، وتجريد من الحقوق المدنية، وإجراء تغييرات ديمغرافية في المناطق الكردية، وتجريد من الجنسية، وتغيير أسماء المدن الكردية إلى أسماء عربية.

وأضافت، في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن سوريا دخلت بعد سقوط النظام مرحلة جديدة؛ وما نريده بشكل خاص أن تكون سوريا دولة مدنية ديمقراطية لامركزية، تحفظ حقوق الشعب الكردي، وتعترف بالقضية الكردية كقضية وطنية، مشددة على أن هذا الأمر يجب أن يكون مضموناً في الدستور السوري الجديد، الذي يجب أن يشارك الكرد في كافة مراحل كتابته، وكذلك في كافة مراحل العملية السياسية.

وعن مسألة اللامركزية، تؤكد أمينة عمر أنها نظام يتسع لكافة المكونات من جميع المناطق، ويتيح لها إدارة نفسها بنفسها بما يحقق مصالحها، ضمن إطار الحفاظ على الدولة الوطنية الموحدة، وشددت على أن الكرد في سوريا ليس لديهم أية نزعات انفصالية، بل هم جزء من النسيج الوطني السوري، والتاريخ شاهد على مواقفهم الوطنية كافة.

وكانت مبادرة الإدارة الذاتية قد شددت على ضمان عودة السكان الأصليين والمهجرين قسراً إلى مناطقهم، والحفاظ على إرثهم الثقافي، وإنهاء سياسات التغيير الديمغرافي، كما أكدت على استمرارها في محاربة الإرهاب لضمان عدم عودة تنظيم داعش الإرهابي، بالتعاون المشترك بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي.

ودعت إلى إنهاء حالة الاحتلال، وترك القرار للشعب السوري لرسم مستقبله وتطبيق مبدأ حسن الجوار، كما أعربت عن ترحيبها بالدور البنّاء للدول العربية، والأمم المتحدة، وقوى التحالف الدولي، وجميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري، وحثتهم جميعاً على أن يؤدوا دوراً إيجابياً وفعالاً في تقديم المشورة والدعم للشعب السوري، وتقريب وجهات النظر بين أطيافه ومكوناته.