قوة من 5 آلاف مقاتل.. هل تمهد أوروبا لفكرة الجيش الأوروبي الموحد؟

على فترات يخرج مقترح القوة الأوروبية المشتركة أو الجيش الأوروبي الموحد فتتباين وجهات النظر، وتثار ردود فعل أمريكية غاضبة أحياناً ثم تختفي الفكرة.

قبل أيام، أيد رؤساء برلمانات دول الاتحاد الأوروبي فكرة إنشاء قوة رد سريع، حيث أعلن منسق الشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، أن الاتحاد قرر فعلاً إطلاق قوات الانتشار هذه وقوامها 5000 مقاتل العام المقبل، على نحو أعاد الأنظار إلى المقترح الجديد القديم بتشكيل الجيش الأوروبي الموحد.

لكن بوريل قال بشكل واضح وصريح أن هذه الكلمة – الجيش الأوروبي الموحد – غير صحيحة على الإطلاق، نافياً فكرة إقامة جيش أوروبي موحد، وهي الفكرة التي سبق وطرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولاقت هجوماً كبيراً من أمريكا خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لا سيما أن باريس روجت لها في إطار مساع للاستقلال العسكري عن الحماية الأمريكية.

مقترح فارغ؟

لا يتوفر وصف.

يقول بهاء محمود الخبير في الشؤون الأوروبية بمركز الأهرام للدراسات السياسية إن فكرة الجيوش الأوروبية أو القوات الموحدة كلها أمور غير واقعية يتكرر الحديث عنها من وقت لآخر، ولا تشهد عند الواقع العملي أي اتفاق بين الدول الأوروبية، كما أن هناك محاور مختلفة داخل دول أوروبا ولكل محور توجهاته، ألمانيا وبولندا من ناحية، وفرنسا من ناحية، وبريطانيا من ناحية ثالثة، ودول البلطيق وشرق أوروبا تميل إلى الحماية الأمريكية.

وأضاف محمود، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنها فكرة تكون عادة موجودة خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو أيام التوتر الأمريكي، تكون معبرة عن فكرة المخاوف من أن تتخلى واشنطن عن أوروبا، لكن في حقيقة الأمر هذا لا يحدث ولا يمكن أن تتخلى واشنطن عن القارة العجوز.

ويلفت الخبير في الشأن الأوروبي إلى أن مسألة تشكيل جيش أوروبي موحد أو قوات من هذه النوعية تعني محاولة الانسلاخ من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولا يوجد أي دليل يشير إلى أن الدول الأوروبية ترغب في التخلي عن الدفاع العسكري لحلف الناتو، بل العكس هناك ضغوط على هذه الدول من أجل زيادة إنفاقها لتحديث الأسلحة والتعاطي مع متطلبات الأمن الدفاعي للحلف.

وعلى مدار 10 سنوات كانت فكرة الجيش الأوروبي مطروحة طوال الوقت، لكن من المعروف أن المخاوف الأمنية لدى أوروبا تصاعدت مع تصريحات دونالد ترامب سواء عندنا كان رئيساً أو خلال حملته الانتخابية الحالية التي يؤكد فيها أن واشنطن لم تعد مستعدة لتوفير "المظلة الدفاعية" لأوروبا في إطار حلف الناتو، ومن هناك تسعى دول أوروبية عدة للتعامل مع تلك المخاوف.

حول مسألة الإنفاق العسكري، يقول محمود إن هناك دول أوروبية مثل ألمانيا غير قادرة على توفير الإنفاق العسكري اللازم المقدر بـ 2 % من ميزانيتها لحلف الناتو، وهي النسبة التي حددتها الولايات المتحدة وتريدها، وهي غير قادرة على توفيرها ومع كل مرة تحدث خلافات مع أمريكا حول هذه المسألة ويتجدد الجدل دون أن يفضي إلى أي شيء.

ويرى أن هذا الطرح لا تتوافر له الإمكانيات اللازمة وربما يتم طرحه للاستهلاك الإعلامي أو تخويف أمريكا، لكن هذه المقترحات تبقى فارغة، والأوروبيون لا يمكنهم الانسلاخ من العباءة الأمريكية، فضلاً عن أن كثيراً من الدول الأوروبية لديها قواعد عسكرية أمريكية، وبالتالي من الصعب تخيل أي صيغة عسكرية أخرى غير ذلك، طالما الوضع الأمريكي هكذا لدى الدول الأوروبية.

القوة الأوروبية في عيون روسية

لكن حتى لو كانت المخاوف أمريكية لدى الدول الأوروبية، فربما يرى البعض أن هذه القوة تأتي في سياق خلافات أوروبية – روسية حادة، لا سيما بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وسط حديث عن تهديد من قبل موسكو لبعض الديمقراطيات وأيضاً لأمنها، ما يثير تساؤلات حول النظرة الروسية لتلك القوة.

لا يتوفر وصف.

يقول رولاند بيجاموف المحلل السياسي الروسي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه ربما مسألة تشكيل هذه القوة المشتركة تأتي في إطار تخوفات أوروبية من المستقبل، لا سيما في حال فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الأول المقبل، والذي سبق وأن هدد بإعادة النظر في تمويل واشنطن لحلف شمال الأطلسي "الناتو" حال فوزه.

وأضاف بيجاموف أنه يمكن فهم هذه القوة في هذا الإطار، التي قد ترتبط ببعض الإرهاصات السابقة التي جرى الحديث عنها مثل الجيش الأوروبي الموحد التي هاجمها أيضاً من قبل دونالد ترامب عندما كان رئيساً، ولكن قوة من 5 آلاف لا تعني شيء، وليس بالشيء المؤثر، بالنسبة له.

وعن الموقف الروسي من تلك القوة، لم يبد الخبير السياسي الروسي أهمية كبيرة لها بالنسبة لموسكو، إذ قال إنه عند الحديث عن هذه القوة في مواجهة القطب الروسي، فإنها لا تعني أي شيء، وحتى لو كانت تلك القوة يمكن أن توظف في إطار خلاف ما بين الجانب الروسي وحلف شمال الأطلسي، فإنها لا تعني شيء كذلك ولن يكون لها أي تأثير، حسب وجه نظره.

وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يقول بيجاموف إن هذه القوة سيعرف مع الوقت ما الذي تعنيه، وهل هي قوة مهام خاصة أم قوة انتشار، وهل يمكن الدفع بها على سبيل المثال عند دول البلطيق، لكن الأخيرة ليست ذات عمق، أو الدفع بها إلى أوكرانيا والتي قال إنها المسرح الأول للحرب العالمية الثالثة، إلى جانب مسرح آخر يتمثل في منطقة الشرق الأوسط، على حد قوله.