هل تكرر تركيا سيناريو سوريا في ليبيا؟ .. مدير الاستخبارات العسكرية يجيب لوكالة فرات

هل تكرر تركيا سيناريو سوريا في ليبيا؟ سؤال تصدر اهتمامات الكثيرين، منذ نجاح هيئة تحرير الشام وحلفائها في الإطاحة ببشار الأسد، والمعروف عنها علاقتها الوثيقة بأنقرة.

وقد كانت سوريا ثم ليبيا ساحتين رئيسيتين لصراع النفوذ بين تركيا أردوغان وروسيا بوتين خلال السنوات الماضية، وأوقات يشتد بينهما هذا الصراع، وفي أوقات أخرى يكون التنسيق عنوان الموقف في إطار تقاسم المصالح، لا سيما أن المباريات الصفرية بينهما لم تحقق نجاحات استراتيجية لأي منهما.

ومع نجاح هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة المتحالفة مع الأتراك في دخول دمشق فجر يوم 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ومن ثم فرار بشار الأسد إلى روسيا، اتجهت الأنظار إلى ليبيا، حيث يدعم أردوغان التيارات الإسلامية المتحالفة كذلك مع مليشيات إرهابية وتسيطر على طرابلس والغرب الليبي في مواجهة الجيش الوطني الليبي المسيطر على الشرق الليبي.

تكرار سياريو سوريا؟

وكالة فرات للأنباء (ANF)، تحدثت بشكل خاص إلى اللواء فوزي المنصوري مدير إدارة الاستخبارات العسكرية بالجيش الوطني الليبي، وتوجهت إليه بسؤالين مباشرين، حول ما إذا كانت هناك مخاوف من أن تعمل تركيا على تكرار سيناريو سوريا داخل الأراضي الليبية، ثم سألته حول ما أشيع بشأن نقل روسيا قوات ومعدات عسكرية إلى ليبيا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
"بإذن الله لا مجال لذلك"، بعبارة حاسمة مختصرة هكذا جاء رد اللواء المنصوري على السؤال الأول، مضيفاً أن موقفه هذا يعود إلى "الاستعداد الدائم للقوات المسلحة الليبية، والتأهب لصد أي محاولات من هذا النوع، ثم أن النسيج الاجتماعي في مناطق سيطرة القوات المسلحة الليبية قوي جداً، ومترابط ولا توجد طوائف أو ملل دينية أو عرقية كما هو الحال في سوريا".
ويشدد مدير إدارة الاستخبارات العسكرية بالجيش الوطني الليبي على أن سبب آخر لاستبعاد تكرار السيناريو السوري في ليبيا، هو أن "ما تشهده مناطق سيطرة القوات المسلحة الليبية من ٱمن وٱمان انعكس في حالة الرضاء التام من قبل المواطنين، بحيث أن المواطن لا يسمح بتكرار سيناريو سوريا بليبيا".

اختلافات جوهرية

وفي سوريا وقف النظام التركي خلف الفصائل المرتبطة بتيار الإسلام السياسي بكافة أشكاله بما في ذلك المتطرفين والإرهابيين، بينما وقفت روسيا بكل قوتها حتى وقت قريب خلف بشار الأسد. وفي ليبيا يبدو أمر مشابه، حيث وقفت أنقرة خلف المليشيات والفصائل المرتبطة بتيار الإسلام السياسي المسيطرة على المناطق الغربية، في وقت كانت مواقف موسكو دائماً أقرب إلى الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة بلقاسم حفتر.

وهنا يجب الإشارة إلى أن هناك اختلافات جوهرية بين الحالتين، ففي ليبيا لم يكن الجنرال خليفة حفتر بمواجهة ثورة، وإنما قاد "عملية الكرامة" عام 2014، بهدف تحرير بلاده من قبضة التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا، والتي عاثت في الأرض فساداً عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، كما أنه أراد بناء دولة قوية ذات جيش وطني احترافي.

النفوذ العسكري التركي في سوريا وليبيا

وفي أواخر عام 2019 وقّعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني المدعومة منها مذكرتي تفاهم، شملت اتفاقاً أمنياً لدعم تلك الحكومة، وترسيم الحدود البحرية بين البلدين؛ لتعزيز النفوذ التركي في شرق المتوسط. إثر ذلك، أرسلت أنقرة أسلحة متطورة، وطائرات مسيّرة من طراز يرقدارTB2))، وأنظمة دفاع جوي، كما أرسلت إلى الغرب الليبي فرقاً من المرتزقة والمستشارين العسكريين.
وتسيطر أنقرة على قاعدة الوطية الجوية كأبرز مواقع تمركز القوات التركية في ليبيا، إلى جانب ميناء مصراتة البحري، الذي تستخدمه كمركز لوجستي لنقل المعدات، كما تخطط إلى تحويله لقاعدة بحرية. كما توجد في قاعدة معيتيقة الجوية في طرابلس، إلى جانب مواقع أخرى في مصراتة وغيرها من المناطق.

وتحتفظ  تركيا بوجود عسكري كبير في شمال سوريا منذ عام 2016، سواء بوجود مباشر أو عبر مرتزقة موالين لها، وسعته في إطار حروبها ضد الشعب الكردي، واحتلالها مناطق واسعة من الأراضي السورية، عبر عمليات مثل درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام والمخلب السيف، حيث تتواجد في مناطق مثل جرابلس وعفرين والباب وكوباني.

قوات روسية في ليبيا؟

وعن الأحايث المتناثرة بشأن نقل روسيا قوات إلى الأراضي الليبية بعد سقوط حليفها بشار الأسد، وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة على دمشق، أكد اللواء فوزي المنصوري عدم صحة تلك الأنباء، وقال نصاً: "ليس صحيحاً مايتوارد بشأن نقل قوات روسية إلي ليبيا".

وكانت وسائل إعلام عديدة ذكرت أن موسكو نقلت قوات إلى الأراضي الليبية، وقد ذهب البعض إلى أن هذا تم في إطار صفقة مع أنقرة، ضمن بنودها أن يتخلى الجانب الروسي عن بشار الأسد، مقابل خروج الجانب التركي من ليبيا أو تعزيز الوجود الروسي في هذا البلد الواقع شمال أفريقيا، والذي يشكل أهمية استراتيجية لتعزيز النفوذ الروسي في القارة السمراء.

وتعقيباً على نفس المسألة، يستبعد الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي أن تتخلى موسكو عن تواجدها العسكري في سوريا، أو أن تكون نقلت أياً من عتادها العسكري إلى الأراضي الليبية، موضحاً أنه حتى لو حدث ذلك بالفعل، فستكون ليبيا مجرد محطة فقط "ترانزيت"، بعدها يتم نقلها إلى إحدى الدول الأفريقية التي تنشط فيها موسكو وتحديداً مجموعات فاجنر الروسية.

كما استبعد رشوان، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، الحديث عن خروج تركيا من ليبيا لصالح الروس، موضحاً أن الصفقة التي حدثت يحتمل أن تكون خروج روسيا من الأراضي السورية، مقابل تسوية للحرب في أوكرانيا تسمح لموسكو بالاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها في الشرق الأوكراني أي "دونيتسك والدونباس".

ويقول الخبير في الشأن الروسي إن موسكو كانت تتعامل مع وجودها العسكري في حميميم وطرطوس بسوريا أيضاً "كترانزيت"، أي محطة تنقل من خلالها قواتها ومعداتها إلى ليبيا وأفريقيا، فضلاً عن هذا فإن أنقرة لا يمكن أن تترك الغرب الليبي، إذ أن الأمر يأخذ بعداً أيديولوجياً كون أردوغان يدعم الإسلاميين في تلك المناطق.

النفوذ العسكري الروسي في سوريا وليبيا

ويعود الوجود العسكري الرسمي لروسيا في سوريا إلى 30 سبتمبر/أيلول 2015، عندما استنجد بشار الأسد بحليفته موسكو لإنقاذه من تقدم الفصائل المسلحة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من دخول دمشق في تلك الفترة والإطاحة به.

وتمتلك موسكو قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية، والتي كانت تعد مركز العمليات الجوية الروسية في سوريا، إلى جانب قاعدة طرطوس البحرية التي تضمن وجوداً دائماً لروسيا على البحر المتوسط، وهي القاعدة الروسية الوحيدة في الخارج.
واعتمدت روسيا على وجودها العسكري في سوريا أيضاً على القوة الجوية بشكل أساسي، مع دعم محدود من القوات البرية، كما نشرت أنظمة دفاع جوي متطورة مثل S-400، بالإضافة إلى مقاتلات مثل سو-34 وسو-35، ما شكل دفعة قوية للنفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط.

أما في ليبيا، فلا يوجد معلومات رسمية عن الوجود العسكري الروسي أكثر من تلك التسريبات التي تتناولها تقارير إعلامية، فيقال إن موسكو توفر الدعم للجيش الوطني الليبي عبر شركات أمنية خاصة، أبرزها شركة فاجنر، التي تقدم مستشارين عسكريين ومقاتلين.

كما يُعتقد أن روسيا قدمت أسلحة ثقيلة، مثل طائرات مقاتلة من طراز (ميج-29 وسوخوي-24)، ومنظومات دفاع جوي لدعم خليفة حفتر، فضلاً استخدام عناصر من قوات فاجنر في مناطق استراتيجية مثل الموانئ النفطية وقاعدة الجفرة الجوية.