حكومة طرابلس تثير جدلاً بسبب تصريحات فرض الحجاب ودوريات الآداب.. طلبنة للمجتمع أم ماذا؟

بينما ليبيا غارقة في أزمتها السياسية وبدلاً من الإعلان عن خطوة لتحريك المياه الراكدة، أثارت حكومة طرابلس جدلاً واسعاً بسبب تصريحات لوزير داخليتها حول فرض الحجاب.

ما حدث أن عماد الطرابلسي وزير الداخلية في حكومة طرابلس، الموالية لتنظيمات الإخوان وتركيا والمليشيات، أعلن عزمه إعادة دوريات شرطة الآداب للعمل الشهر المقبل، وقال إن "صيحات" الشعر وملابس الشباب غير المناسبة ستكون هدفاً لتلك الدوريات، مشدداً على ضرورة التزام المرأة بالحجاب.

ليس هذا فحسب، فقد نبه وزير داخلية طرابلس إلى منع سفر المرأة دون محرم، ومنع الاختلاط بالرجال في المقاهي والأماكن العامة، مشدداً على أن "من يريد العيش بحرية فليذهب للعيش في أوروبا"، وأي من يخالف تلك التعليمات فإنه سيعاقب بالحبس، كما أشار إلى أن أي سيدة ستقود سيارة "وهي لا تستر شعرها" – على حد قوله – سيتم سحب السيارة منها.

وسرعان ما تحدث عن تلك الإجراءات، حتى تفجر جدلاً ربما هو الأكبر في ليبيا منذ فترة طويلة، امتد صداه إلى دول الجوار، في ظل رفض كبير لمثل هذه الإجراءات التي يرى قسم كبير أنها لا تتفق مع الدستور والقانون، وحتى لو دينيا فلا يجوز الفرض والإجبار، فيما اعتبرها البعض محاولة من تيار الإسلام السياسي لتحقيق بعض الأهداف السياسية والشعبوية.

نموذح طالبان؟


تقول الدكتورة عفاف الفرجاني المحللة السياسية الليبية ورئيسة تحرير صحيفة الموقف الليبي إن عماد الطرابلسي وزير الداخلية في حكومة مؤقتة ليس من صلاحياته اتخاذ هذه النوعية من القرارات، وبالتالي ليس من حقه ذلك قانوناً، كما أن قراراته تخالف الدستور والقوانين والأعراف المعمول بها في ليبيا والوثيقة الكبرى لحقوق الإنسان التي بمثابة دستور لليبيين.
واعتبرت، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الطرابلس يريد دغدغة مشاعر من يعرفون بـ"السلفيين"، وكذلك لكسب ود الصادق الغرياني مفتي الإخوان، علماً أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف المرأة الليبية لنفس الأغراض، فقد سبق لهم أن اشترطوا على أي سيدة تريد السفر خارج ليبيا أن توقع على استمارة بيانات معينة حتى تسافر من دون محرم، رغم أن القانون ينص على حريتها في التنقل داخلياً وخارجياً.
وترى عفاف الفرجاني أن تصريحات عماد الطرابلسي ما هي إلا تعبير عن  حالة السطحية لدى حكومة طرابلس والفوضى بها، معربة عن اعتقادها أن هذه الإجراءات لن تطبق، لأنها يجب أن تكون متوافقة مع التشريعات، وما هي إلا مجرد تصريحات كما قلت لاجتذاب السلفيين وعناصر الإخوان.
وبسؤالها عما إذا كان فرض هذه الإجراءات جبراً يعد استنساخاً لحكم حركة طالبان في أفغانستان، أبدت المحللة السياسية الليبية تأييدها لهذا الطرح، قائلة: "بالطبع، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أن هذا لا يعبر عن ليبيا كلها، وإنما عن المناطق الخاضعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة غرب البلاد"، مشيرة إلى أن المرأة الليبية كانت سابقة للمرأة العربية في مساعيها نحو التحرر وانتزاع حقوقها.
كما توعد عماد الطرابلس في تصريحاته بـ"ملاحقة من يدوّن أي محتوى غير لائق عبر منصات التواصل الاجتماعي"، أيضاً نوه إلى إغلاق المقاهي التي تقدم الشيشة (الأرجيلة)، داعياً النساء إلى "الالتزام بزي الحجاب عند الخروج للشارع"، ما أثار مخاوفاً كذلك حول أن تكون تلك الاتهامات مجرد وسيلة لملاحقة وتتبع المعارضين لهذا التيار المهيمن على غرب البلاد.
تسلط تيارات الإخوان
وهناك قسم من الليبيين عبروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن قناعتهم أن تلك الإجراءات لا علاقة لها بالدين، وإنما يتم إطلاقها لأهداف سياسية، منها محاولة كسب التيار الإخواني المليشياوي داعمين جدد، مستغلاً حالة التدين الطبيعي لدى الشعب الليبي، أي يتم توظيفها سياسياً، فيما اعتبرها كثيرون كذلك أنها محاولة لإلهاء الليبيين عن قضيتهم الأساسية وأزمتهم السياسية التي يعيشونها منذ أكثر من عقد دون أي تحول يذكر في مسارها.

بدوره، يقول منير أديب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية إن وزير الداخلية في "الحكومة الليبية المتعاطفة مع الإخوان" يضع قيوداً "تحت غطاء ديني" في إطار مرجعية دينية لهؤلاء يريدون من خلالها فرض ما يرونه شرعاً حتى لو كان بالمخالفة للدستور والقانون وصحيح الدين الذي يؤمن بحرية الرأي والحرية الشخصية، ويرفض الإجبار على زي معين لا سيما إذا كان يعبر عن إيديولوجيا معينة، كما يمنع فرض زي قومية خاصة بغرض الاضطهاد.

ويرى أديب، خلال تصريحات عبر الهاتف مع وكالة فرات للأنباء (ANF)،  أن وزير داخلية طرابلس يخلط بين الإيديولوجيا والسياسة، وتأتي تصريحاته في إطار التسلط الذي يمارسه على الليبيين، كما تكشف حالة التسلط التي لدى هذه المجموعة التي تتماهى مع جماعات العنف والتطرف المنتشرة في الغرب الليبي، فأي حد من حرية الناس والعباد ليس من القانون ولا الدين، وفقاً له.

ومنذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011، يعيش الليبيون أزمة سياسية لا تنتهي فصولها دفعت البلاد إلى تقسيم واقعي بين الغرب والشرق، حيث تخضع العاصمة والجانب الغربي من البلاد لسيطرة حكومة (معترف بها دولياً) معروف ميلوها نحو تركيا وتتحصن بتنظيمات الإخوان ومليشيات متورطة في الإرهاب، فيما تعمل حكومة مؤقتة شرق البلاد لا تعترف بحكومة طرابلس.