فرنسا ترسم خريطة طريق جديدة لسوريا..

أبدت فرنسا اهتماماً كبيراً بسوريا منذ أحداث 2011، التي ألقت بتداعيات ثقيلة على الأمن القومي الفرنسي والأوروبي بصفة عامة، على خلفية تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري إلى أوروبا إثر الحرب بين قوات بشار الأسد وفصائل المعارضة.

دائماً ما كانت الأوضاع الداخلية السورية محل اهتمام فرنسي نظراً لتداعياتها على دول أوروبا، ما دعا باريس إلى التنسيق مع حكومة تركيا حتى قبل خروج بشار الأسد من سوريا، في محاولة منها لضمان حقوق المكونات والقوميات على الأراضي السورية وحلحلة الأزمة الناجمة عن حرب الإبادة التركية بحق الكرد، حيث تشدد فرنسا على حقوق الكرد كأحد أهم القوميات في سوريا، وخلال زيارة «جان نويل بارو»، وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة لدمشق، طالب بأن تكون الطوائف السورية، بكل تنوعها، ممثلة في الحكومة المستقبلية كما طلب من الإدارة الجديدة تبني نهج مواجهة الإرهاب، والتخلص من الأسلحة الكيماوية، مؤكداً أن عدم الاستقرار في سوريا دائماً ما تصل عواقبه إلى أوروبا، ويجب أن تعود الدولة السورية مركزاً للاستقرار في المنطقة.

تحقيق الاستقرار 

قصي عبدو المحلل السياسي، قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «فرنسا عرضت على الإدارة السورية الجديدة المساعدة في صياغة الدستور الجديد، ضمن مساعيها لتحقيق الاستقرار، من خلال تقديم مساعدة تقنية وقانونية في عملية الصياغة، وطالبت بإطلاق حوار لكل المكونات والقوميات السورية، وذلك عقب إرسال وفد دبلوماسي اطلع على رؤية الإدارة الجديدة للتأكد من النوايا والتوجهات، وهو ما يمثل حضوراً فرنسياً يعكس رسالة مفادها أن باريس ستراقب العملية السياسية لضمان عدم انفراد هيئة تحرير الشام بالحكم والقرارات المصيرية التي قد تسبب في اندلاع صراع جديد بين مختلف الأطراف السورية وعناصر الإدارة الجديدة«.

يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه باريس مساعيها للتوصل إلى تفاهم بين تركيا والكرد، شمال شرق سوريا، من خلال التشديد على أن يكون الكرد جزءاً من أي عملية انتقال سياسي، وهو ما أوضحه بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية، أكد خلاله الرئيس الفرنسي ماكرون دعم الجهود الإقليمية الرامية لحماية وحدة وسيادة سوريا، وضرورة التوصل إلى حلول للقضية الكردية بما يمنح الكرد حقوقهم المشروعة ويحقق الاستقرار في المنطقة.

الوجود العسكري

الدكتور خالد أبو فيصل المحلل السياسي المختص بالشأن الأوروبي، أكد في اتصال لوكالة فرات للأنباء  «ANF»، أنّ «الوجود العسكري الفرنسي لم يغب عن الأراضي السورية، حيث أعلن وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، استهداف موقعين تابعين لـ «داعش» ، في سياق مشاركتها ضمن قوات التحالف الدولي ضد التنظيم الإرهابي، وهي أول عملية من هذا النوع تنفذها فرنسا منذ عامين، وكتب لوكورنو على منصة «إكس»، أن «أجهزة فرنسية جوية نفذت ضربات موجهة ضد مواقع لداعش على الأراضي السورية، في إطار مساهمتها في محاربة الإرهاب الإسلاموي»، داعياً إلى مراقبة ما سماه «تدويل الجهاد» عن قرب، وأفاد لوكورنو بأن الضربة الجوية تم تنفيذها بتعليمات من الرئيس ماكرون وأنها في جانب منها تعد رداً على التحدي الجهادي كما أنها تسهم في تحقيق أمن سوريا ومن ثم الأمن الأوروبي«.

العملية السياسية

ويترقب الاتحاد الأوربي وفرنسا تحديداً الإجراءات المقرر تنفيذها بشأن كتابة الدستور  وبدء عملية سياسية شاملة تزامناً مع اهتمامها ودعمها البالغ للدولة اللبنانية بعد الخسائر التي طالت حزب الله، من منطق رؤية استراتيجية تستهدف إعادة سيادة مؤسسات الدولة والجيش على كامل أراضيها، وهو ما انعكس أيضاً على نهجها الدبلوماسي تجاه التغير السياسي الجديد في سوريا، نظراً لارتباط الأمن القومي بين البلدين، من خلال التعاطي الإيجابي مع الإدارة الجديدة والتواصل الفعال مع تركيا في محاولة لتحقيق حالة من الاستقرار عبر منح الحقوق المهضومة للمكونات والقوميات السورية وبدء عملية سياسية تشمل الجميع، نظراً لارتباط الأوضاع السورية الداخلية بالأمن القومي للاتحاد الأوربي، ومن ثَمّ تعمل باريس من هذا المنطلق على مراقبة أداء الإدارة الجديدة ورسم خارطة طريق قد يحتاجها المشرع الفرنسي حال خروجها عن المسار المرسوم، بما يمنحها الحق في فرض عقوبات أو اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أمنها وأمن حلفائها.