بين سوريا وفلسطين.. ماذا على الشرق الأوسط أن ينتظر من انتخابات أمريكا؟

ساعات وينطلق التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي بطبيعة الحال تشكل محوراً مهماً ومؤثراً في سيرورة تطورات وقضايا الشرق الأوسط، الذي يعيش واحدة من أعقد فتراته.

تتعدد القضايا الشرق أوسطية التي ربما ترتهن بنتائج الانتخابات الرئاسة الأمريكية، إلا أن الحرب الإسرائيلية المفتوحة على غزة والممتدة إلى لبنان تتصدر المشهد، فالقادم إلى كرسي البيت الأبيض سواء الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطية كامالا هاريس يعلمان أن الأمور باتت شبه مجمدة إذا تحدثنا عن وقف إطلاق النار، انتظاراً لما ستؤول إليه الانتخابات، لا سيما بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الذي تشير تقديرات عدة أنه يعول كثيراً على فوز ترامب.

أيضاً الأزمة السورية واحدة من تلك الملفات التي يترقب البعض تعاطي الإدارة الأمريكية معها خاصة لو فاز مرشح الجمهوريين، لكن في واقع الأمر الحديث عن وضع الشرق الأوسط وقضاياه متكرر مع كل سباق رئاسي أمريكي، وتتباين وجهات النظر أو تفق، إلا أنه في آخر المطاف مع نهاية ولاية الرئيس الأمريكي أياً كان الخلفية المنحدر منها يتطلع الشرق الأوسط إلى تغير في سياسة واشنطن عبر صاحب الولاية الجديدة.

الحرب على غزة

وقد شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل – حسبما نرى في العلن – بعض التوترات بسبب تعاطي نتنياهو مع الوضع في قطاع غزة، خاصة مسألة التمادي في المجازر والإبادة، وعدم الانفتاح على اتفاق تهدئة أو وقف لإطلاق النار على الأقل وفق الخارطة التي طرحها جو بايدن في مايو/أيار الماضي، فيما تترقب بعض الأصوات العربية موقفاً أكثر حسماً من ترامب حال فوزه بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية.

يقول هاشم كريم عضو الهيئة الاستشارية للحزب الجمهوري الأمريكي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الشرق الأوسط لن يتسفيد أياً كان الفائز في هذا السباق، فالحزبين الجمهوري أو الديمقراطي كلاهما سيفعلان ما تريده إسرائيل، في حين أن البلاد العربية ليس لديها موقفاً واضحاً ومحدداً فيما يتعلق بالوضع في الأراضي الفلسطينية على سبيل المثال.

ويرى السياسي الجمهوري الأمريكي من أصول مصرية أن الوضع إلى حد ما فيما يتعلق بالشرق الأوسط وتحديداً القضية الفلسطينية لن يتغير كثيراً، لكن من الممكن أن يكون هناك هدنة أو اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصة أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لا يمكن أن يستمر هكذا في هذه الحرب، لا سيما أنه فشل حتى الآن في استعادة كل المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، مشيراً إلى أن قضية المحتجزين جوهرية.

الأزمة السورية

سوريا التي كانت دائماً في بؤرة الأحداث بسبب الأزمة بين النظام والمعارضة، تراجعت قضيتها على صعيد الاهتمام الدولي، لكنها أخذت اهتماماً آخراً يرتبط بالحرب الإسرائيلية على غزة، التي تحولت معها الأراضي السورية إلى ساحة لتصفية حسابات بين تل أبيب وطهران وحزب الله، جعلت الرئيس السوري يتعامل مع الموقف كما لو كان قابضاً على جمر من نار.

يقول الكاتب السوري فراس يونس، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن إشكالية الأزمة السورية أنها تراجعت من حيث الاهتمام الدولي بما في ذلك الإدارة الأمريكية، في ظل الانشغال بالوضع في غزة، مؤكداً أن سوريا هي جزء من سلسلة المناطق التي تشتعل فيها النيران، تؤثر فيما حولها وتتأثر به، ومن ثم فإن الحلول للقضايا الأخرى مثل غزة من شأنه تحريك الأزمة السورية، علماً أن هذه الحلول ترتبط بالتوافقات الدولية سواء بين الولايات المتحدة وروسيا أو واشنطن والصين.

ويرى يونس أنه يمكن أن يحدث تحرك ما في الأزمة السورية حال فوز ترامب الذي يعتقد أنه قد يكون قادراً على خلق مقاربات مع روسيا، ما قد ينعكس إيجابياً على الوضع السوري، إلا أنه يرى في الوقت ذاته أن هناك حالة من الاستعصاء على الحل لأزمة سوريا، خاصة بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول قبل الماضي التي صرفت الأنظار عن معاناة السوريين المعيشية والاقتصادية التي كانت قد وصلت إلى أوضاع صعبة للغاية.

وفي ظل انشغال الولايات المتحدة بالوضع في غزة وكذلك سباق الانتخابات الرئاسية، يبدو أن الاحتلال التركي رأى في ذلك فرصة مواتية ليواصل عدوانه بحق الأبرياء والمدنيين في مناطق شمال وشرق سوريا وكذلك الحال بالنسبة لشمال العراق (جنوب كردستان)، فيما كان التغاضي الأقرب إلى التواطؤ هو عنوان الموقف الأمريكي.

حول هذه المسألة أدى فراس يونس أسفه وإدانته للاعتداءات التركية الآثمة، ولم يبد تفاؤلاً بأن يتغير الموقف الأمريكي من انتهاكات أنقرة، إذ يرى أن واشنطن أياً كان الرئيس لن تضحي بعلاقتها مع الأتراك، ما يعني استمرار التغاضي عن هذه الانتهاكات، الأمر الذي أصبح أقرب إلى وصفه بـ"التواطؤ"، وفقاً له.

الخليج وإيران

يرتبط الوضع في سوريا كذلك بالموقف الأمريكي من إيران حليفة دمشق، وتحركات واشنطن تجاه طهران عادة ما يكون لها انعكاساتها على العلاقات الأمريكية – الخليجية خاصة مع السعودية، ومن ثم فإن هي الأخرى تشكل مجالاً لتساؤلات عدة.

وحول التعاطي مع ملفات الخليج وإيران، يقول سام منسي الكاتب والباحث السياسي اللبناني المختص بالشؤون الأمريكية إنه من المتعارف عليه أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لديه مواقف أكثر تشدداً فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، عكس الإدارة الجمهورية التي ترى أن هناك فرصة أكبر للدبلوماسية، معتبراً أن الحزبين يتشاركان نفس السياسات لكن الاختلاف يتجلى في التكتيكات.

ويرى منسي، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه فيما يخص العلاقة بين واشنطن ودول الخليج العربي، فالأهم هنا العلاقات الأمريكية – السعودية التي تشهد كثيراً من التفاعلات، لافتاً إلى أنه هنا لا يمكن القول إن هذه العلاقة ترتبط بموقف إدارة البيت الأبيض القادمة تجاه إيران، بقدر ما ترتبط بمسألة إقامة تحالف دفاعي أمريكي مع الرياض، يعطي للسعوديين بعض المزايا التي يتمتع بها أعضاء من خارج حلف شمال الأطلسي "الناتو" مثل كوريا الجنوبية واليابان.

ويضيف الكاتب والباحث السياسي اللبناني أن واشنطن الديمقراطية تربط هذا التحالف بمسألة تطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية كمحفز للجانب السعودي، لكن الرياض تربط ملف التطبيع بموقف واضح من حل الدولتين أو إقامة دولة فلسطينية، ودون ذلك لن تقبل الدخول في التحالف الدفاعي، وبالتالي لن يتقدم ملف التطبيع، لافتاً إلى أن ترامب لا ولن يعير حل الدولتين اهتماماً، ومن ثم فلن تكون هناك فرصة لإنجاز أمريكي فيما يتعلق بملف تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

ورغم الحسابات السياسية المتعددة، فإن هناك إجماعاً على ثمة ثوابت للولايات المتحدة بالشرق الأوسط، خاصة الدعم لإسرائيل ومقارعة النفوذ الروسي الصيني الذي يطل برأسه خلال السنوات الماضية، لكن تبقى هناك أيضاً مساحات للمناورة السياسية تتسع وتضيق، وفيها تتحرك دول الشرق الأوسط.