ورغم أن زيارة أردوغان تأتي بعد أكثر من عقد من آخر زيارة له إلى العراق ومغلفة بتعزيز العلاقات الاقتصادية، إلا أن خبراء ومراقبين يجمعون على أن البعد الأمني لها هو الأكثر أهمية، إذ يسعى النظام التركي بحيله إلى إشراك الحكومة العراقية في العدوان الذي يمارسه تجاه الشعب الكردي في شمال العراق، فضلاً عن بحث تنسيق أكبر مع شريكه التقليدي الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وكانت منظومة المجتمع الكردستاني أكدت، في بيان، أن هدف أردوغان من هذه الزيارة إضفاء الطابع الرسمي على قواعد تركيا العسكرية البالغ عددها 87 قاعدة على أراضي العراق، واحتلالها للأراضي العراقية، وشرعنة خطتها لشن هجمات جديدة، إذ تريد الدولة التركية فتح مناطق احتلال جديدة على أراضي العراق بحجة الأمن.
أهداف النظام التركي
يقول الكاتب الصحفي السوري عبد الرحمن ربوع، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الحكومة التركية تسعى لجمع حشد ودعم وتأييد دولي وإقليمي لحملتها ضد الكرد، وبالتالي هي تقوم بكل ما يمكنها القيام به لكسب مؤيدين وداعمين ومساندين لها في حربها المزعومة، ومن ضمن ذلك محاولاتها لعقد اتفاق استراتيجي وعسكري مع العراقيين وإقليم كردستان لتسهيل العمليات العسكرية ضد الكرد.
ويلفت "ربوع" الانتباه إلى أن نفس الأمر تعمل عليه تركيا مع حكومة بشار الأسد، بإقامة تحالف معها لمؤازرتها في الحرب على كرد سوريا، وفتح صفحة جديدة في العلاقات والتغاضي عن كل ما فات بينهما، من أجل أن تقوم أنقرة بعملياتها في المناطق الكردية، كما يعمل النظام التركي، كذلك، على أخذ ضوء أخضر من الأمريكيين وتضغط على الأوروبيين، وتسعى لإقامة تحالفات لنفس الغرض مع روسيا وإيران، وهذا يأتي ضمن دورها التوسعي والاستعماري الجديد القائم على العدوان تجاه الكرد وتحت أكثر من غطاء منها "محاربة الإرهاب المزعوم".
وشدد الكاتب السوري، في ختام حديثه لوكالة فرات للأنباء، على أن كل ما تقوم به تركيا من اعتداءات على الكرد في شمال العراق يتم بالتنسيق مع بعض الجهات الكردية في كردستان وتحديداً مسعود البارزاني، موضحاً أن أردوغان ينسق معه لضمان استمرار العمليات العسكرية، مشدداً، كذلك، على أنه لولا العمل المشترك بينهما لما استطاعت أنقرة مواصلة الاعتداءات على شمال العراق كل هذه الفترة.
ولا تتوقف تركيا، أبداً، عن عدوانها على شمال العراق، وسط تواطؤ من حزب البارزاني وصمت غير مفهوم من الحكومة العراقية، التي أقصى ما تقوم به الحديث عن تحريك شكاوى ضد أنقرة في الأمم المتحدة، لا تثمن ولا تغني من جوع، بدليل أن الأتراك، يومياً، يقصفون القرى والبلدات الآمنة ويتم اغتيال وخطف المدنيين، بفضل الدعم اللوجستي الذي يقدمه الحزب الديمقراطي الكردستاني.
استدراج العراق للأجندة التركية
بدوره، يقول طارق حمو الباحث بالمركز الكردي للدراسات، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن زيارة أردوغان تأتي مغلفة بتعزيز التعاون التجاري والعلاقات الاقتصادية، ولكن الملف الذي يهم الجانب التركي هو استدراج القوات العراقية للعمل مع أنقرة ضد الكرد وضد حزب العمال الكردستاني، بمعنى آخر توريط الدولة العراقية في المواجهة مع الحركة السياسية لكرد شمال العراق وكرد جنوب شرق تركيا.
وأوضح أن الزيارة تشمل اللقاء من قبل الرئيس التركي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني حصراً في إقليم كردستان، حيث تحاول الدولة التركية أن تستحصل على موافقة هذا الحزب في المشاركة بشكل أكثر فعالية في العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، موضحاً أن هناك مشاركة بالفعل لحزب البارزاني وإن كان بشكل غير معلن في العمليات التركية، مشيراً إلى أنه يتم السماح للضباط الأتراك بالعمل في شمال العراق متخفين في زي مقاتلي الحزب الديمقراطي ويرفعون أعلامه، أي أن هناك تغطية على وجودهم سياسياً وإعلامياً ولوجستياً.
ويرى "حمو" أن النظام التركي يبدو أنه لا يكتفي بذلك، فمنذ 3 أيام بدأت القوات التركية بعملية عسكرية في منطقة متينا أعالي إقليم كردستان العراق، وبالتالي أنقرة تحاول إشراك قوات الحزب الديمقراطي بشكل أكبر في هذه العمليات، كما تعمل على مزيد من الضغوط ضد الدولة العراقية في الملفات التجارية وملف المياه، لكي تنخرط بغداد في المواجهات مع حزب العمال الكردستاني وإعلانه تنظيماً إرهابياً، والتضييق على الإدارة الذاتية في شنكال، ومحاربة وحدات مقاومة شنكال.
وتحدث الباحث السياسي، في ختام تصريحاته، عن محاولات النظام التركي جر قوات بغداد إلى المناطق الحدودية والدخول في تلك المواجهات إلى جانب تركيا، ومحاولة استصدار موافقة من الحكومة العراقية لإقامة منطقة عازلة على الحدود بين البلدين، وبالتالي الملف الأمني له الأولوية، إلى جانب كثير من الاتفاقيات التي ربما تكون شكلية مقارنة بالهدف الأكبر وهو إشراك العراق بشكل مباشر في المواجهات ضد الكرد.
وتتعالى الدعوات الموجهة إلى المجتمع العراقي والشعب الكردي والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والكتّاب والصحافة العراقية، لمعارضة الاحتلال التركي للأراضي العراقية وخطط الهجوم الجديدة، ولا بد من اتخاذ موقف ضد احتلال سلطة أردوغان للأراضي العراقية، والمحاولات الجديدة للاحتلال تحت مسمى "مسار التنمية" و"اتفاقية المياه الجديدة" و"الاتفاقية الأمنية المشتركة".