القمة المصرية الصومالية الإريترية.. هل تعد بداية لمرحلة جديدة في القرن الأفريقي

ظهرت تحالف جديد أفريقي بين دول مصر والصومال وإريتريا، في مواجهة النفوذ الإثيوبي المتنامي، مما يثير التساؤلات حول ما قد يحققه التحالف الجديد، وهل يمكنه كبح جماح أديس أبابا ام لا.

استضافت العاصمة الأريترية أسمرا قمة ثلاثية للرؤساء عبد الفتاح السيسي الرئيس المصري، وحسن شيخ محمود الرئيس الصومالي، وأسياس أفورقي الرئيس الارتري، والتي ناقشت تعزيز العلاقات بين الدول الثلاثة، والأمن في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

حلف في مواجهة إثيوبيا

كانت أديس أبابا الغائب الحاضر في القمة، والتي تأتي القمة الثلاثية في ظل توترات تشهدها منطقة القرن الأفريقي خاصة مع إثيوبيا، حيث توترت العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بعد توقيع مذكرة تفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال للحصول على منفذ بحري، ووسط رفض صومالي عربي للخطوة تتصدره مصر، والتي لديها خلاف كبير مع إثيوبيا حول سد النهضة، وانضمت إليهم أرتريا بعد تدهور علاقتها مع إثيوبيا على أثر توقيع اتفاق بريتوريا مع جبهة تحرير تجراي.

وشغلت القضية الصومالية والإشارات الرافضة للاتفاق بين اثيوبيا وصوماليلاند حيز كبير في مخرجات القمة، حيث نص البيان المشترك للقمة على الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة، والتصدي للتدخلات في الشؤون الداخلية

ونص البيان الختامي إمكانيات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بكافة صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية، وصيانة وحدة أراضيه.

يقول سلطان ألبان، الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، إنه يجب أن نقرأ هذه القمة في الإطار الذي جاءت فيه هذه القمة الثلاثية وأهم الإشكالات التي تمر بدول المنطقة والتي فرضت هذه القمة الثلاثية، هناك توترات تشهدها منطقة القرن الأفريقي منذ شهر يناير الماضي خصوصا بعد إقدام إثيوبيا على توقيع مذكرة تفاهم مع صوماليلاند أو أرض الصومال وهي تسمح باديس أبابا ببناء قاعدة عسكرية بحرية في البحر الأحمر في الإقليم مقابل الاعتراف الدبلوماسي وحدث كل ذلك وسط امتعاض من دول المنطقة خاصة جمهورية مصر العربية التي اعتبرت ذلك انتهاكا لسيادة مقديشو.

 وأضاف، أنه في شهر أغسطس الماضي اتهمت إثيوبيا مصر بتقديم أسلحة للصومال، واعتبرت إثيوبيا ذلك أنه تدخل خارجي قد يتسبب في نزاع أو زعزعة الامن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وهناك خلافات قوية جدا بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على أحد أهم الموارد المائية لمصر وهو نهر النيل وهو المصدر الرئيسي للمياه في مصر، وهناك محاولة لتقليم أظافر إثيوبيا في المنطقة، خاصة وأن علاقتها متوترة مع الدول الثلاثة.

وتقول صابرين أحمد الناشطة الإرترية وعضو مؤسسة عواتي في تواصل هاتفي لوكالة فرات للأنباء، إن العلاقات بين إسياس وآبي شهدت تحولات جذرية في البداية، كان هناك تحالف قوي بعد توقيع اتفاق السلام في 2018، مما أدى إلى إنهاء عقود من العداء بين البلدين، ومع ذلك، كانت أكبر ثمار هذا التحالف خلال الحرب الأهلية في إثيوبيا، حيث تدخلت القوات الإريترية لدعم الحكومة الفيدرالية ضد جبهة تحرير تيغراي، ولكن بعد توقيع اتفاق السلام في جنوب أفريقيا بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تيغراي، انسحبت القوات الإريترية، مما يشير إلى تحول في الحسابات الاستراتيجية لإريتريا وظهور الفتور في العلاقات بين البلدين..

وأضافت، أن العلاقات الدولية، بما في ذلك بين إريتريا وإثيوبيا، تحكمها دائماً المصالح المتغيرة بحسب الظروف، في بعض الأحيان، تكون هذه العلاقات قوية بفعل المصالح المشتركة، وفي أحيان أخرى قد تشهد فتوراً أو حتى توترات، وعلى الرغم من الفتور الحالي بين إسياس وآبي، إلا أن المصالح المشتركة المتعلقة بالاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية قد تعيد ترتيب الأولويات.  

. ولفتت الناشطة الإرترية، إلى أن انسحاب القوات الإريترية من إثيوبيا بعد اتفاق السلام يشير إلى تحرك إريتري نحو تقليص التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وهذا الانسحاب قد يكون بداية لإعادة النظر في العلاقات مع إثيوبيا من منظور أكثر تركيزًا على المصالح الاقتصادية بدلاً من التدخل العسكري

التعاون بين الدول الثلاثة الأمني والاقتصادي

وناقشت القمة قضايا الأمن والتعاون بين الدول الساحلية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب في سياق أهميته القصوى كممر بحري حيوي، وتطل إرتريا على البحر الأحمر ويبلغ طول ساحلها 1000 كم، في نقطة حاكمة عند مدخله الجنوبي وعلى مقربة من مضيق باب المندب، وتمتلك 126 جزيرة، كما تمتلك الصومال أطول السواحل على مستوى القارة الإفريقية، بطول 3,025 كيلومتر؛ وتمتد المياه الإقليمية الصومالية إلى 200 ميل بحري داخل مياه المحيط الهندي، بينما يحد مصر شرقا البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 1941 كم.

جاء في البيان الختامي أن القادة بحثوا خلال القمة "سبل تعزيز العلاقات بين الدول الثلاث في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الأوضاع الإقليمية وجهود ترسيخ الاستقرار والأمن في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وتم الاتفاق على إنشاء لجنة ثلاثية مشتركة من وزراء خارجية إريتريا ومصر والصومال للتعاون الاستراتيجي في كافة المجالات.

جاء في البيان الختامي أن القادة بحثوا خلال القمة "سبل تعزيز العلاقات بين الدول الثلاث في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الأوضاع الإقليمية وجهود ترسيخ الاستقرار والأمن في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وتم الاتفاق على إنشاء لجنة ثلاثية مشتركة من وزراء خارجية إريتريا ومصر والصومال للتعاون الاستراتيجي في كافة المجالات.

تتميز الدول الثلاث بمقومات اقتصادية كبيرة، حيث تمتلك إرتريا كمية كبيرة من الموارد مثل: النحاس والذهب والجرانيت والرخام، والبوتاس، وتمتلك نحو 10 ملايين رأس من الأبقار والجمال والأغنام، بجانب ثروة بحرية كبيرة من الأسماك والأصداف وتزيد قيمة صادراتها السنوية فيها عن 50 مليون دولار، بينما تمتلك الصومال تصدير 95% من إجمال عدد رؤوس الماعز و52% من الخراف التي تم تصديرها من شرق إفريقيا بالكامل، يعد الاقتصاد المصري من أكثر اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط تنوعًا، حيث تشارك قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات بنسب شبه متقاربة في تكوينه الأساسي.

وحول تلك النقطة توضح "صابرين أحمد"، أنه في ظل التحولات الإقليمية والدولية الكبرى التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي، تتعزز أهمية التعاون والتكامل بين دول المنطقة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، وتأتي القمة الثلاثية بين مصر وإريتريا والصومال كجزء من هذا الإطار الاستراتيجي لتأكيد العلاقات التاريخية بين هذه الدول، وترسيخ شراكة قائمة على المصالح المشتركة تسعى القمة إلى تعزيز التعاون في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، والأمنية بهدف تحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة وضمان الأمن والاستقرار في ظل التحديات التي تواجه القرن الأفريقي.

وعددت الناشطة الإرترية أهمية القمة للدول الثلاث، حيث تلعب مصر دوراً محورياً في المنطقة، خاصة بفضل موقعها الجغرافي الذي يربط بين أفريقيا والعالم العربي، كما أن لمصر تاريخ طويل من العلاقات الثقافية والدينية مع دول القرن الأفريقي، خاصة من خلال الأزهر الشريف الذي يعتبر منارة لتعليم الدين واللغة العربية، وله دور محوري في تعزيز العلاقات الشعبية بين مصر وإريتريا والصومال.

واستكملت "صابرين أحمد"، أهمية القمة مبينة أن إريتريا، التي تمتاز بموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر، تبحث عن شراكات إقليمية تساعدها في تعزيز أمنها وتنميتها الاقتصادية، التحالف مع مصر والصومال سيساهم في تطوير بنيتها التحتية وتحسين الوضع الاقتصادي لشعبها، خاصة مصر، بما لديها من خبرات في المجالات الزراعية والطبية والتعليمية، يمكن أن تقدم دعماً كبيراً في هذه المجالات لإريتريا، وبالنسبة للصومال، تعتبر القمة فرصة لتأمين الدعم الإقليمي والدولي في جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الأمن، مصر لديها تاريخ طويل من دعم الصومال في مجالات متعددة، مثل التعليم والتدريب العسكري، و التحالف مع مصر وإريتريا يمكن أن يسهم في تحقيق استقرار أكبر للصومال في مواجهة التحديات الأمنية والتنموية.

ولفتت الناشطة الإرترية، أن العلاقة بين مصر وشعوب القرن الأفريقي كانت علاقة وطيدة مبنية على التبادل الثقافي والتعليمي، حيث كان الأزهر الشريف وما زال يلعب دوراً مهماً في تعزيز هذا الرابط، حيث كان مرجعاً دينياً للكثير من العلماء والشخصيات البارزة من إريتريا والصومال، من بين هؤلاء الشيخ إبراهيم مختار، مفتي الديار الإريترية، الذي تخرج من الأزهر الشريف وأسهم في نشر قيم التسامح والسلام في إريتريا، ولا يمكن إغفال الدور الكبير للمؤرخ المصري ذو الأصول الإريترية عبد الرحمن الجبرتي، الذي يعتبر المرجع في التاريخ المصري.

تداعيات القمة

يظل التساؤل الرئيسي هو ماذا قد يسفر عنه القمة سواء في مواجهة أطماع وطموحات إثيوبيا والمشكلات العالقة للدول الثلاثة معها، أو على نطاق تعزيز التعاون الثلاثي بين الدول وتطويرها.

يرى "إلبان"، أن الانعكاس الحقيقي يتوقف على ما إذا كان سيحصل على دعم من الحلفاء الدوليين الأقوياء سواء للبلدان الثلاثة أو لإثيوبيا، وأما إذا اعتمدت البلدان الثلاثة على قدراتها الذاتية وسط هذا الخلاف والتباين في الرؤى والتوتر في العلاقات الدبلوماسية لن يكون له تأثير كبير لا سيما وأن إثيوبيا لا تعتمد على تلك البلدان في شيء، وهنا يعتبر التحالف الثلاثي المنبثق عن قمة أسمرا مجرد تكتيك وليس عمل استراتيجي يمكن أن يخرج تلك الإشكالات من دائرة الامتعاض إلى دائرة التفاهم.

بينما ترى "فاطمة أحمد"، التعاون بين هذه الدول سيساهم في خلق تكامل اقتصادي يعود بالفائدة على شعوب المنطقة، وفتح قنوات للتجارة والاستثمار المشترك بين الدول الثلاث سيساعد في تحسين البنية التحتية وتعزيز التنمية المستدامة، منطقة القرن الأفريقي تعاني من تحديات أمنية متعددة، منها الإرهاب والقرصنة البحرية والنزاعات الحدودية، والتعاون الأمني بين مصر، إريتريا، والصومال يمكن أن يساهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة وتحقيق أمن مشترك يضمن حماية مصالح هذه الدول وشعوبها..

وأردفت أن القمة الثلاثية بين مصر وإريتريا والصومال تمثل خطوة هامة نحو بناء تحالف قوي يخدم مصالح شعوب المنطقة، مبينة أن التحالف لا يهدف إلى التصعيد ضد أي دولة أخرى، بل يركز على تعزيز التنمية والتكامل بين شعوب القرن الأفريقي، من خلال التعاون الوثيق في المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية، تستطيع هذه الدول بناء مستقبل مشرق ومستدام لشعوبها، إن ما يجمع هذه الدول من روابط تاريخية وثقافية يجعلها قادرة على مواجهة التحديات وتقديم نموذج مشرق للتعاون الإقليمي، من خلال التركيز على التعاون الاقتصادي والأمني، تسعى هذه الدول إلى بناء تحالفات تستند إلى المصالح المشتركة التي تخدم شعوبها، مؤكدين أن ازدهار المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التعاون والتكامل بين شعوبها.

وشددت "فاطمة أحمد" في ختام تصريحاتها لوكالة فرات للأنباء، أن القمة الثلاثية تعكس رغبة إريتريا في التركيز على بناء تحالفات جديدة قائمة على المصالح الاقتصادية والتنموية، التحالف مع مصر والصومال يمكن أن يعزز موقع إريتريا كقوة إقليمية تسعى إلى تعزيز الاستقرار والتنمية بدلاً من الانخراط في النزاعات، والقمة الثلاثية قد تعزز هذا التوجه من خلال الدفع نحو التعاون الاقتصادي والسياسي بين دول المنطقة، مما يقلل من الاعتماد على القوة العسكرية كأداة لتحقيق الأهداف الإقليمية.