بينما أكمل القائد عبد الله أوجلان الذي تم أسره نتيجة مؤامرة دولية في نظام التعذيب والإبادة في إمرالي 26 عاماً، لم ترد أي معلومات عنه منذ 43 شهراً، ومن أجل حرية القائد عبد الله أوجلان والحل السياسي للقضية الكردية، منذ 10 تشرين الأول 2023 وبدعم من شرائح اجتماعية مختلفة، انطلقت حملة عالمية ولا زالت تستمر في عامها الثاني.
لماذا يتردد صدى أفكار القائد عبد الله أوجلان في أنحاء العالم؟ ما هي أهمية أفكار القائد عبد الله أوجلان في ظل الأزمة وجمود النظام الرأسمالي؟ ماذا تعني 26 عاماً من مقاومة إمرالي ونظام التعذيب والإبادة في إمرالي؟ فهل حقق المتآمرون هدفهم؟ وفي هذا السياق، أجاب على هذه الأسئلة أحد المفكرين الفرنسيين المعروفين، المحرر والكاتب والمدافع عن حقوق الإنسان نيلس أندرسون.
وفي بداية حديثه قال نيلس أندرسون: "نظام التعذيب والإبادة المستمر منذ أكثر من أربع سنوات، منذ 25 آذار 2021، ه وصمة عار، هذا الأمر هو عار بالنسبة لنا وعار بالنسبة للدول الغرب الذي يلتزم الصمت حيال هذا النظام، ويقف عبد الله أوجلان بكل حزم وتصميم ضد هذا النظام الذي يظهر قانون الرأسمالية بكل وضوح".
إن انتقادات عبد الله أوجلان للنظام الرأسمالي باتت واضحة، أود أن أقتبس إحدى عباراته: "غالبًا ما يُشار إلى الليبرالية والفردية على أنهما المحوران الأيديولوجيان الرئيسيان للرأسمالية، لكن الهيمنة الأيديولوجية للرأسمالية عزلت الفرد كما لم يفعل أي نظام آخر من قبل". هذا التقييم لأوجلان صحيح للغاية، وفي الواقع، تم عزل أوجلان بسبب هذا النظام الرأسمالي وتركه بالسجن الانفرادي لمدة أربع سنوات، ولا يمكننا أن نقبل أو نتجاهل مثل هذا الوضع.
"دول الغرب ترى في أفكار أوجلان تهديداً لها"
وأوضح نيلس أندرسون إن دول الغرب قاتلت في كابول وأفغانستان وليبيا ومنطقة الساحل وأماكن أخرى كثيرة لفرض رؤيته العالمية وأسلوب حياته وطريقة تفكيره، وفي هذه الحرب لم يتضح نجحت ام لم تنجح من الناحية العسكرية، لكنها لم تنجح دائماً من الناحية السياسية والأيديولوجية.
وقال أندرسون: "يعيش العالم اليوم الحرب الباردة، لأول مرة في التاريخ، يواجه الغرب، سواء أوروبا أو الولايات المتحدة، عالماً مقلوباً رأساً على عقب، حيث لم يعد في مركز العالم.
وتظهر الحركات الاجتماعية، وتنظم نفسها، وتدخل المنافسات والتناقضات الرأسمالية في الحرب، إن الهيمنة الغربية، التي كانت مطلقة في عام 2000، لم تعد كذلك اليوم، والآن يتصارع الغرب ليس فقط مع الخوف من فقدان هيمنته، بل أيضاً مع الخوف من فقدان سيادته، وهو يدافع عن نفسه ضد هذه الخسارة، ومن الطبيعي أن يُنظر إلى شخص مثل عبد الله أوجلان، الذي ينتقد النظام الرأسمالي ويناضل بقوة وإخلاص وفعالية من سجنه، على أنه تهديد للنظام الرأسمالي، وهذا أحد أسباب التزام الصمت حيال وضع عبدالله أوجلان وخاصة إزاء التفجيرات والمجازر والقمع والاعتقالات التي يتعرض لها الشعب الكردي في تركيا.
"أفكار أوجلان هي سوسيولوجيا حقيقة للحرية"
وذكر نيلس أندرسون إن أفكار أوجلان تقدم حلولاً للعديد من المشاكل اليوم، وتابع: "أصبحت القضية الإقليمية أكثر حساسية بسبب المأساة والوحشية التي حلت بلبنان كما بغزة، ويتأثر هذا الجزء من العالم حالياً بالتناقضات ومخاطر الحرب وانتشار الصراعات، وبطبيعة الحال، فإن المخاطر في هذه المنطقة مهمة للغاية من أجل تقسيم أكثر إنصافاً للعالم.
ونحن أمام جانب مهم من فكر عبد الله أوجلان هنا، واسمحوا لي أن أقول إن فكر أوجلان يتدفق مثل جبال طوروس، مثل الفيضان المتدفق، عبر تاريخ الحضارات القديمة، وخاصة تاريخ حضارة ميزوبوتاميا، وكذلك الحضارتين اليونانية والرومانية.
إن أفكار عبد الله أوجلان تشكل سوسيولوجيا حقيقية للحرية، سواء في نقده للرأسمالية أو في السياق الإقليمي حيث يستخلص الدروس من فشل خطط الحرب، ويتطرق إلى مسألة مهمة جداً؛ إن حرمة الحدود، هو مبدأ لا يجوز انتهاكه في القانون الدولي.
ويعد هذا الغموض في الحدود أحد العوائق الرئيسية أمام حصول الشعب الكردي على الحكم الذاتي داخل تركيا أو أمام حرية شعب روج آفا بشروطه الخاصة، دون تدخل خارجي، إن وجود الحدود يمثل مشكلة أساسية اليوم، ويؤكد أوجلان ذلك بشكل خاص، ويدرك الجميع أن العالم عبارة عن فسيفساء من الشعوب والثقافات والأديان، في الواقع كل شعب، كل سكان، في كل قارة له تاريخه الخاص، ومع ذلك، فإن حدود الدول، التي غالباً ما تحددها الحروب والاستعمار، خلقت مناطق جغرافية وثقافية ولغوية محدودة، ولهذا السبب فإن فكر عبد الله أوجلان مهم جداً من حيث الحرية الاجتماعية والنهج التحرري، لأنه يعترف بحقوق جميع هذه الشعوب، وخاصة الشعب الكردي.
وأود أن أشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط، حيث يعيش جزء كبير من الشعب الكردي، هي في قلب هذه القضية، والحلول المتوخاة لحل هذا الوضع يجب أن تأخذ في الاعتبار الحدود الموروثة من التاريخ والاستعمار والإمبريالية.
قال نيلس أندرسون عن فكر القائد عبد الله أوجلان فيما يتعلق بحرية المرأة: "تماماً كما يقول عبد الله أوجلان، ’لا يمكن تحرير المجتمع والرجال ما لم يتم تحرير المرأة‘، لا يختلف أحدهما عن الآخر، وهذا أحد المقاييس الأساسية لأوجلان وخاصة في عالم تعتبر فيه حرية المرأة مهمة وقيمة للغاية، ويدافع أوجلان بقوة هذا المبدأ ويشير إلى أنه لن يتم تشكيل مجتمع أو مجتمع جديد دون تحرير المرأة، ويؤكد أوجلان أن حرية المرأة هي في الوقت ذاته حرية الرجل نفسه".
"على كل من يعتبر نفسه ديمقراطياً أن يطالب بحرية أوجلان"
وأشار أندرسون أن النهج الذي يتبعونه تجاه أوجلان هو نتيجة توازن القوى؛ إنه توازن القوى بين القوى الشعبية الديمقراطية والقوى الرأسمالية والإمبريالية، وقال: "نحن بحاجة إلى تغيير توازن القوى هذا، وكما نعلم فإن هذا ليس بالأمر السهل؛ إنها مشكلة طويلة الأمد، ولكن هذا هو ميزان القوى ولا يمكن تغييره دون فعاليات وأنشطة، نحن بحاجة إلى إقناع الناس، كيف يمكن أن يتم سجن المرء اليوم بسبب آرائه؟ تماماً مثلما سُجن أنطونيو غرامشي، مثلما سُجن مانديلا لمدة تتراوح بين 25 و30 عاماً. كما هو الحال اليوم في فرنسا، حيث يقبع جورج عبد الله في السجن منذ 40 عاماً، وهناك مروان البرغوثي في فلسطين، وهناك ليونارد بلتيير في سجن في أمريكا، كيف يمكن اعتقال هؤلاء الأشخاص والحكم عليهم؟ كيف يمكنك حل مشكلة بوضع رجل في السجن؟ ينبغي التحقيق في هذا.
نظام التعذيب والإبادة ليس مجرد قضية ديمقراطية أو إنسانية، وليس مجرد مشكلة ثورة أو سياسة. ينبغي لأولئك الذين يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين أن يطالبوا بالإفراج عن عبد الله أوجلان وجميع السجناء السياسيين الآخرين في تركيا. كيف يمكننا إيقاظ المشاعر الديمقراطية؟ الأمر لا يتعلق بتغيير الأنظمة، بل بتغيير هذا الشعور الديمقراطي، ينبغي توجيه نداء إلى جميع الحكومات، جميع المواطنين، والجميع؛ وعلينا أن نستخدم كل الأدوات المتاحة لنا من أجل التغيير، دون اللجوء إلى القوة. على الأقل أطلقوا سراح السجناء، دعوهم يعبرون عن أنفسهم، دعوهم يعيشون.
عبد الله أوجلان هو حقاً مثال، وقد قال؛ "رفاق دربي وأصدقائي يعتقدون أنني تعرضت لمأساة، لكن يجب أن تعلموا أنه لولا هذه المأساة لم تمكنت من معرفة الحياة الحرة، وهذه المقولة مليئة بالعبر لنا ولأعدائنا ولمن يستطيع أن يفهم معناها، ولهذا السبب يجب علينا أن نطالب بقوة بالإفراج عن عبد الله أوجلان.
"عندما يتعلق الأمر بأوجلان فإن نظام التعذيب والإبادة يعني الهزيمة"
وأفاد نيلس أن الغرض التاريخي من نظام التعذيب والإبادة هو كسر إرادة الإنسان وهزيمته وقال: "لا يتعلق الأمر فقط بعزل الشخص عن بقية العالم؛ المشكلة ليست فقط في منع قراءة كتاباته أو سماع صوته، الهدف الحقيقي هو كسر إرادة الإنسان؛ ومحاولة لكسر إرادة الإنسان".
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بأوجلان، يمكننا أن نرى أن هذا فشل مطلق، لا يمكن كسر إرادة أوجلان، لأنه يمتلك معتقدات ورؤية للمجتمع وجيشاً ثورياً يدافع عن حرية وحقوق شعبه، ولذلك، لا يمكن كسر إرادة أوجلان.
والعزلة، مثل استخدام التعذيب، لا جدوى منها أيضاً. يقال إن التعذيب يزرع الخوف؛ ولكننا لم نر قط أن التعذيب يهزم شعب، ويبين المثال الجزائري ذلك: على الرغم من عنف النظام الاستعماري، لم يستسلم الشعب الجزائري في نضاله واستمر في تحقيق الاستقلال. لا توجد وسيلة لكسر روح الشعب، العزلة أسطورة في أذهان الرجعيين والإمبرياليين، لكنها مستحيلة، أوجلان هو مثال على ذلك. وعلى الرغم من العزلة، فهو يواصل الكتابة والتفكير، ويفعل ذلك بقوة لا مثيل لها، وفي ظل ظروف عزلته يواصل تطوير أفكاره بأعمال ناجحة متتالية، وهذا يظهر بوضوح فشل منافسي أوجلان وأعداءه.
"من واجبنا ضمان حرية أوجلان"
وفي نهاية حديثه قال نيلس أندرسون: "يجب إنهاء نظام التعذيب والإبادة المفروض على عبد الله أوجلان وإطلاق سراحه، يجب إنهاء هذا الخزي والعار ويجب أن يصبح أوجلان حراً، ومن واجبنا ضمان حرية أوجلان".
من هو نيلس أندرسون؟
فريدي نيلس أندرسون، البالغ من العمر 91 عاماً، والمعروف باسم نيلس أندرسون، هو مفكر، كاتب ومحرر سويسري – فرنسي من أصل سويدي، تم ترحيل نيلس أندرسون، المعروف بشكل خاص بمواقفه المناهضة للاستعمار والمؤيدة للسلام، من سويسرا عام 1966 بسبب مقالاته المختلفة الداعمة لنضال الجزائر من أجل الاستقلال والمقاتلين الفيتناميين، بالإضافة إلى النصوص التي نشرها، بما في ذلك أفكار ماو تسي تونغ.
واصل نيلس أندرسون، الذي انتقل لاحقاً إلى فرنسا، تعليمه وحياته السياسية هناك، ويعد نيلس أندرسون، صاحب العديد من المؤلفات، شخصية مهمة في المجالين الفكري والسياسي، خاصة مع موقفه المناهض للاستعمار ودعم حركات الحرية حول العالم.
كما كتب نيلس أندرسون مقدمة الطبعة الفرنسية لكتاب القائد عبد الله أوجلان "مانفيستو الحضارة الديمقراطية".