يبدو أن سياسة تركيا تجاه المنطقة لم ولن تتغير رغم كل محاولاتها للتقارب مع الدول العربية والادعاءات بالانحياز للشروط العربية التي تكمن جلها في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهي التيمة التي تحفظها الشرعية الدولية، والقانون الدولي الذي تضربه تركيا عرض الحائط منذ عقد من الزمان.
خرجت وزارة الخارجية التركية اليوم الخميس لتعبر عن رفضها للقرارات والتصريحات الصادرة ضدها خلال الاجتماع الـ 158 لمجلس وزراء خارجية جامعة الدول العربية، الذي عقد الثلاثاء ونال الأضواء بسبب الموقف المصري من رئاسة ممثلة حكومة الدبيبة المنتهية ولايته الاجتماع.
وأفاد بيان وزارة الخارجية التركية والذي نقلته وكالات الأنباء التركية: "شهد الاجتماع الـ 158 لمجلس وزراء خارجية جامعة الدول العربية، المنعقد في 6 سبتمبر/ أيلول عام 2022 مرة أخرى قرارات وتصريحات تتضمن مزاعم لا أساس لها ضد بلدنا، ونرفض تماما هذه القرارات والتصريحات. اتخذت القرارات تحت تأثير بعض المصالح الفردية ضيقة الأفق وقصيرة الأمد".
وادعى البيان أن هذه "القرارات تحرم جامعة الدول العربية من فرصة تقديم مساهمة ملموسة وبناءة ومستدامة في حل المشكلات الإقليمية".
وادعى البيان أن تركيا "ستواصل مكافحة التهديدات الإرهابية ضد أمنها القومي ومصالحها في إطار مبادئ وقواعد القانون الدولي رغم النهج المتحامل عليها.. كما أن مكافحة تركيا الإرهاب الانفصالي يحمل أيضا أهمية كبيرة من حيث الحفاظ على سيادة بلدان المنطقة ووحدة أراضيها ووحدتها السياسية".
وتابع البيان: "وفي هذه المناسبة، تجدد تركيا استعدادها للعمل مع جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية التي تولي أهمية لإرساء الاستقرار والازدهار في المنطقة كهدف مشترك".
بيان تركيا أدى إلى التساؤل حول غياب البيان عن التداول الرسمي، وبدورها حصلت وكالة فرات للأنباء على نسخة من البيان، وقرارات المجلس الوزاري، والذي لم يغير النبرة المستمرة والرافضة للموقف التركي تجاه الدول العربية والتي تعبر عن سياسة واضحة لم تسع تركيا إلى تغييرها على الإطلاق.
بيان وزاري قوي يشدد على عدم شرعية التواجد التركي في سوريا والعراق وليبيا
وعقد على هامش أعمال مجلس الجامعة العربية الوزاري، أعمال الاجتماع الخامس للجنة الوزارية المعنية بمتابعة التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، برئاسة مصر وعضوية كل من السعودية والإمارات والبحرين، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والتي رغم عدم الإشارة الإعلامية لها إلا أن البيان كان قويا وعبر عن استمرارية الموقف العربي من تركيا رغم مساعي الأخيرة للتقارب مع الدول العربية.
وناقشت اللجنة وفقا للبيان الصادر عنها، التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما اطلعت على المذكرة الشارحة المقدمة من الأمانة العامة في هذا الصدد، وعلى قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 8454 الذي اعتمده المجلس في دورته غير العادية يوم 12 أكتوبر/ تشرين أول 2019 ، بشأن العدوان التركي على سوريا، وعلى القرار رقم 8542 بتاريخ 9 سبتمبر / أيلول 2020، بشأن انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية، وعلى قرارات مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري ذات بشأن التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية؛ ومضمون بيانات السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وقد أكدت اللجنة على قرارات مجلس جامعة الدول العربية السابقة، والخاصة بالتدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما أعربت اللجنة عن قلقها من استمرار الوجود العسكري التركي على أراضي عدد من الدول العربية والتدخلات التركية في الشؤون الداخلية العربية، والانتهاكات التركية المتكررة لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بفرض حظر السلاح على ليبيا.
وأكدت اللجنة على عدم شرعية تواجد القوات التركية في كل من العراق وليبيا وسوريا، وشددت على ضرورة سحب تركيا لقواتها بشكل فوري دون قيد أو شرط، ودعت اللجنة لأهمية تعاون الحكومة التركية من أجل اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها التصدي لعمليات رعاية وتجنيد وتدريب ونقل المقاتلين الإرهابين الأجانب والمرتزقة لداخل حدود البلاد العربية.
واستنكرت اللجنة أي مساس بالتركيبة الديموغرافية في المناطق التي تحتلها تركيا على غرار مناطق شمال وشرق سوريا، والانتهاكات المستمرة لسيادة بعض الدول.
ودعت اللجنة كذلك الحكومة التركية باحترام الحقوق المائية لكل من العراق وسوريا، ووقف إقامة السدود على منابع نهري دجلة والفرات، مما يؤثر سلباً على الحصص المائية للدولتين، فضلا عما تتسبب فيه تلك الممارسات من أضرار بيئية واقتصادية جسيمة على كلا الدولتين. أخذت اللجنة علماً بالتطورات التي شهدتها العلاقات بين الجمهورية التركية وعدد من الدول العربية، متطلعة لمزيد من التطورات البناءة بما يخدم ويحافظ على مصالح الجانبين.
كما تم الاتفاق على عقد الاجتماع المقبل للجنة على هامش الدورة 159 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوي الوزاري برئاسة جمهورية مصر العربية.
قرار عربي حازم حول التدخلات التركية في الشؤون العربية
لم يتوقف الأمر على البيان القوي بل ناقش وزراء الخارجية خلال اجتماع دورتهم بند التدخلات التركية وصدر لأول مرة قرار دونما أي تحفظ مكتوب سواء من قطر أو الصومال أو غيرها كما كان المعتاد سابقا، وجاء في نص القرار الذي اطلعت عليه وكالة فرات ANF: التأكيد على مضمون قرارات مجلس الجامعة على المستوى الوزاري بشأن إدانة التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتمسك بأن تكون العلاقات بين الدول العربية والجمهورية التركية قائمة على مبدأ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبامتناع الجانب التركي عن اتخاذ خطوات من شأنها المساس بالأمن القومي العربي.
كما شدد القرار على رفض وإدانة التدخل العسكري التركي في دولة ليبيا، ورفض استمرار تواجد المقاتلين الأجانب بما في ذلك الذين نقلتهم تركيا إلى الأراضي الليبية، والإعراب عن القلق البالغ تجاه الانتهاكات التركية المتكررة لقرارات فرض حظر السلاح على ليبيا، وخاصة لآثاره السلبية على المسار السياسي الجديد الجاري تنفيذه بإرادة ليبية.
جاء في نص القرار أيضا "رفض وإدانة العدوان التركي على الأراضي السورية باعتباره خرقا واضحاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى الحفاظ على وحدة واستقلال سوريا، وخاصة القرار رقم 2254، واعتباره تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي وللأمن والسلم الدوليين.
وشدد القرار الوزاري على إدانة الوجود العسكري التركي على أراضي عدد من الدول العربية ومطالبة الجانب التركي بسحب كافة قواته المتواجدة على أراضي الدول العربية، والتوقف عن دعم التنظيمات والميليشيات المتطرفة في الدول العربية، إدانة استضافة تركيا للعناصر التابعة للجماعات المتطرفة وتوفير ملاذ آمن لها على الأراضي التركية، وتمويل ودعم تركيا الدائم لمنصات إعلامية تحرض على استخدام العنف لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية.
وطالب القرار تركيا أن تنعكس الاتصالات الإيجابية التي أجرتها مع دول عربية على امتناعها عن الممارسات السلبية المشار إليها أعلاه، بما يؤسس لعلاقات صحية ومتوازنة مع جميع الدول العربية ويحقق مصالح كافة الأطراف.
ورحب القرار بانعقاد الاجتماع الخامس للجنة العربية على المستوى الوزاري بشأن متابعة التدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية ورفع توصياتها لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.
كما شدد القرار على تكثيف الجهود الدبلوماسية بين الدول العربية الأعضاء مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لتسليط الضوء على ممارسات تركيا العدوانية في بعض الدول العربية وخطرها الأمن الإقليمي والدولي.
باحث بمركز الأهرام: بيان يكشف دلالة الشكوك العربية تجاه السلوكيات التركية
وتعقيبا على البيان التركي قال كرم سعيد الباحث في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء ANF، إن "البيان التركي في الرد على اجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن قراراته حيال تركيا وتدخلاتها المستمرة في المنطقة يكشف عن عدة دلالات؛ أولها: استمرار الشكوك العربية العميقة تجاه السلوكيات التركية. فصحيح أن تركيا نجحت في تحقيق اختراق في علاقتها مع القوى العربية وهو ما ظهر في تطوير العلاقة مع الإمارات والسعودية فضلا عن المحادثات الاستكشافية التي جرت مع القاهرة في العام الماضي، لكن لا تزال هناك شكوك عربية عميقة تجاه السلوكيات التركية. وهو ما ظهر في تأني الدول العربية في الانفتاح الكامل والتطبيع الكامل لعلاقتها مع تركيا".
وأشار إلى أن الدلالة الثانية، تتمثل في أن تركيا بدأت تشعر بالفعل بعزلتها الإقليمية والدولية في ظل استمرار القضايا الخلافية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعسر حتى اتمام صفقة طائرات ال F16 فضلا عن استبعادها من انتاج طائرات F35، وصحيح هناك تحالف أيضا مع روسيا لكن هذا التحالف أنا اعتبره تحالف ضرورة وليس تحالف استراتيجي بالمفهوم الواسع في ظل هذا السياق وفي ظل التدهور الحادث في العلاقات التركية الأوروبية وما أثير عن الرئيس التركي بشأن قطع روسيا الغاز عن أوروبا.
وأضاف "البعض اعتبر أن هذا نوع من التشفي التركي في أوروبا ردا على رفضها إلحاق تركيا بالعضوية الأوروبية، لكن في هذا السياق ظهر شعور تركيا بالعزلة الدولية".
وأردف: البيان التركي حمل إشارات تفيد بأن تركيا لديها استعداد لكسر لتطوير علاقتها مع القوى العربية وأنها لم تعد تركيا القديمة التي لديها رغبة في استمرار الخلافات مع القوى العربية يعني في نهاية البيان أكد على استمرار تركيا وحرصها على التعاون مع كافة الدول العربية وهذا المفهوم وتلك الجمل تعبر عن شعور تركيا بعزلتها الإقليمية والدولية حقيقة".
ولفت كرم سعيد إلى أن الدلالة الثالثة التي أظهرها البيان التركي ما ظهر في سياق البيان ولغة البيان التي تعبر عن مخاوف تركية من ألا تسفر جهودها فيما يتعلق بتعزيز علاقتها العربية أو إعادة تطبيع علاقاتها العربية عن لا شيء، مشيرا إلى أن هناك مصالح اقتصادية في ظل تعثر الاقتصاد التركي وتباطؤه وتعرض تركيا لازمة اقتصادية كبيرة غير مسبوقة وانتظار الرئيس التركي أو أن الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية يقفان على اعتاب مرحلة مفصلية في انتظار الانتخابات المقرر لها منتصف العام المقبل، وهو يدرك ويعي أن استمرار العلاقات الاقتصادية مع القوى العربية أو مع محيطه العربي أمر مهم وضروري لإقالة الاقتصاد التركي من عثراته، وبالتالي هنا يمكن فهم كيف أن لغة البيان جاءت غير حادة وتحمل قدر من الرغبة في حرص تركيا على استمرار علاقتها العربية.
واختتم كرم سعيد حديثه قائلا: "أعود إلى ما ذكرته في البداية، هناك شكوك عربية عميقة تجاه السلوكيات التركية الحقها استمرار الانخراط العسكري التركي في شمال سوريا والتهديد التركي بشن عملية عسكرية أخرى في الشمال السوري. هناك وجود عسكري تركي في شمال العراق واصرار تركي على اختراق الأجواء العراقية. كذا الانخراط التركي بشكل أو باخر في الأزمة اليمنية، التحركات التركية غير القانونية في شرق المتوسط. اتصور ان كلها تزيد الشكوك العميقة لدى الدول العربية تجاه سلوكيات الدولة التركية".