مقاتل الكريلا الشامخ في سرحد.. شخيموس ملاذكر
ناضل بتصميم كبير في أرضروم وسرحد، ولم يتوان عن أداء المهمة والمسؤولية الملقاة على عاتقه حتى في أصعب الأوقات، وخاض نضالاً على مدى 32 عاماً من قيادة المجموعات وحتى مستوى المجلس القيادي لقوات الدفاع الشعبي.
ناضل بتصميم كبير في أرضروم وسرحد، ولم يتوان عن أداء المهمة والمسؤولية الملقاة على عاتقه حتى في أصعب الأوقات، وخاض نضالاً على مدى 32 عاماً من قيادة المجموعات وحتى مستوى المجلس القيادي لقوات الدفاع الشعبي.
من أين أبدأ أيها الرفيق شيخموس... لقد أمضيت 32 عاماً من أعوامك في هذه الجبال الحرة، فهل ستبقى هذه الجبال بدونك، لكنك ستبقى حاضراً هناك دائماً في أحلامك، وفي كل نبع شربت منه الماء، وفي كل نقطة عسكرية نمت فيه، في كل نقطة وصلت إليها، وستكون حاضراً في كل رصاصة يطلقها مناضلو حزب العمال الكردستاني ضد العدو، وعلى لسان كل أم مقاومة، وفي العرق الذي يتصبب من جبين كل رفاق دربك، وستكون معنا على الدوام، فعندما رأيتُ صورك مغطاة بالدماء على الأرض، عدتُ إلى السنوات التي التقيتك فيها لأول مرة، أتذكرها كما لو كانت بالأمس.
تعرّفت على الرفيق شيخموس في العام 1994، وكانت تلك السنوات فترة من تاريخنا النضالي، حيث بلغت مقاومة الكريلا أعلى المستويات ضد العمليات العسكرية المكثفة للدولة التركية، وكما هو الحال اليوم، كانت الدولة التركية قد استثمرت كل قوتها لشن هذه الحرب، حيث كان فريق تانسو جيلار-دوغان كورش يتزعم هذا المفهوم للحرب، ولجأوا إلى شن الهجوم على الكريلا في شمال كردستان بأكثر الأساليب همجية ووحشية ومنافية للإنسانية وخارج قواعد الحرب، تحت شعار "إما سينتهون أو سينتهون"، وقتلوا المئات من أبناء شعبنا بطريقة وحشية، وقتلوا آلاف الناس على شكل "جرائم مجهولة" وكانت الدولة نفسها هي من قامت بها؛ وتم حرق وتدمير وإخلاء آلاف القرى، ودفعوا بأبناء شعبنا الوطني للتهجير قسراً نحو المدن الكبرى، وشنّوا هجمات الإبادة الجماعية ضد الكريلا في كل من بوطان، وديرسم، وأرضروم، وسرحد، وآمد، وغرزان، وفي جميع أيلاتنا الأخرى، لإنهاء النضال التحرري، ورغم من هذه الأمور، حافظت قوات الكريلا على خنادقها وعززت من مقاومتها رغم القمع والصعوبات الشديدة.
ساحة التمركز محاطة بجبال باندوز
لقد تركنا وراءنا عاماً من هذه الحرب الثقيلة بقرار من قيادتنا في إيالة أرضروم، وخططنا للتمركز في منطقة الشهيد خبات للترحيب بعام 1995، ورغم أننا قمنا بالتمركز بقوة مكونة من أربعة معسكرات، بما في ذلك مقر الإيالة، إلا أننا بدأنا بمرحلة صعبة من فصل الشتاء، وقد كانت منطقة تمركزنا، المعروفة من قِبل الكريلا باسم منطقة الشهيد خبات، والواقعة في مثلث كخي ويديسو وأداكلي، محاطة بجبال باندوز العالية والوعرة، وأصبحت ساحة لتمركز للكريلا، حيث تتدفق المياه العذبة الهائجة من وديانها وسفوحها وغاباتها المغطاة بأشجار السنديان، وكانت هذه الجغرافيا الجميلة للغاية قد استضافت مقاتلي الكريلا مرات عديدة، وكانت هناك العشرات من القرى والمزارع عند سفوح هذه الجبال التي تم حرقها وتدميرها وإخلاءها وتهجير قاطنيها قسراً، وفي الوقت نفسه، كان الثلوج تتساقط طوال الوقت في هذه الجبال العالية، وكان الشتاء قاسياً، وفي عام 1995، تساقطت الثلوج مبكراً وكان الشتاء قاسياً، بالتزامن مع استمرار العمليات العسكرية التي كان يشنّها العدو دون انقطاع، وكرفيقات في هذه الساحة، التي ذهبنا إليها مع قائدتنا جيان (يلدز دورموش) تمركزنا فيها بشكل مستقل، وبما أنني كنت قد ذهبت حديثاً إلى المنطقة، فقد أتيحت لي الفرصة للتعرّف على العديد من الرفاق الأعزاء في هذه الساحة.
تعرّفتُ لأول في هذا المكان عل الرفيق شيخموس
كانت هذه المرحلة بداية تلك المرحلة التي تضمنت العديد من الممارسات العملية الصعبة مع الرفيق شيخموس، وقد قمنا بالتخطيط لنشاط معنوي مشترك بمشاركة جميع المعسكرات، وهنا التقيتُ وتعرّفتُ بالرفيق شيخموس لأول مرة، وقام الرفاق بإحضار الرفيق شيخموس بقوة وإصرار إلى المسرح ليغني الأغنية، وعلى الرغم من إصراره على عدم الغناء نظراً لوجود الرفيقات، إلا أنه بدأ في الغناء بعد أن أقنعته الرفيقة جيان (يلدز دورموش)، ورغم أنه كان يعرف اللغة التركية، إلا أنه لم يكن يتحدث باللغة التركية في أي من حياته الرسمية أو الخاصة، وبدأ الرفيق شيخموس بغناء أغنية 'Ûçûn Kûşlar Ûçûn' (حلقوا أيتها الطيور) لأحمد كايا بأصدق مشاعره، وأصبحت هذه الأغنية التي اتحدت مع الرفيق شيخموس فيما بعد الأغنية المحبوبة والمفضلة لجميع الرفاق، وكان يغنيها دائماً بناءً على طلب الرفاق في الحياة وفي كل روح معنوية.
في سفوح جبال كليداغ التي كان يحبها كثيراً
في مثل هذا الوقت بالضبط، عندما حل الربيع على جبال سرحد؛ حيث ذاب الثلج وتحرر الغطاء الأبيض الذي غطى جبال وسهول كليداغ وألداكغ وتندورك وكاليه زيلان الشاسعة؛ حيث كان قد اخضّر بكل جمالها؛ وفي الثامن عشر من حزيران، وهو الشهر الذي تتفتح فيه الزهور الصفراء والحمراء والأرجوانية في الغالب، أحاط به خونة الاستعمار وقاتل القائد شيخموس حتى آخر رصاصة على سفوح كليداغ التي كانت يحبها كثيراً، وكان قد نجا من كمائن العدو وهزمهم في الاشتباكات عشرات المرات، لكن هذه المرة اخترقت رصاصة حادة جسده، وتحول لون الأرض الأم إلى اللون الأحمر، وحلّق ابن سرحد الشجاع وأصبح نجماً.
نشأ مع قصص المقاومة
إن كردستان بلاد جبلية، حيث نشأ الرفيق شيخموس في قرية جبلية تابعة لمنطقة ملاذكر التابعة لموش، وكان مخلصاً للهوية والثقافة والأرض والقيم الكردية؛ ولم يخضع لسياسات الدولة القائمة على الإنكار والتدمير، ونشأ في كنف عائلة متحلية بمشاعر الانتفاضة وقصص المقاومة في كردستان... فالشعب الكردي، الذي لم يرضخ أبداً لرسالة "كردستان الوهمية مدفونة هنا" التي زرعها العدو في جبال آكري، وتعهد بدفن سياسات الإبادة الجماعية والفاشية للدولة التركية في هذه الأراضي يوماً ما، وكانت المسيرة الكردستانية التي بدأها القائد أوجلان من آكري هي البشرى بأنه بعد سنوات، سيتم رفع راية الحرية بدلاً من شاهد القبر المنصوب في هذه الأراضي القديمة، وكان تاريخ المقاومة سيسطر في هذه الأراضي مرة أخرى، وأصبح حزب العمال الكردستاني اسم وميلاد الانبعاث في تاريخ كردستان، وقد شارك العشرات من الأبناء الشجعان من نساء ورجال سرحد في هذا النضال الذي قاده حزب العمال الكردستاني؛ واستفاق أهالي سرحد واختاروا النضال التحرري.
انضم برفقة اثنين من أبناء عمته
كانت منطقة ملاذكر في موش، إحدى الأماكن التي شاركت في مسيرة الحرية للقائد أوجلان على شكل مجموعات وأمواج متتالية، وعلى الرغم من أنه كان شاباً في مقبل العمر، فقد قرر الرفيق شيخموس الانضمام بدافع المشاعر الوطنية والغضب الذي كان يعتريه تجاه العدو وتأثير المنضمين من حوله، وانضم إلى صفوف الكريلا برفقة اثنين من أبناء عمته.
كان دائماً في الصفوف الأمامية
لقد خطى وشهد دائماً الخطوات الجديدة في إيالة أرضروم، وأظهر مشاركة شجاعة وحازمة في سنواته الأولى، وكان حاضراً دائما في كل خطوة وكل الحملات التاريخية، وكان دائماً في الصفوف الأمامية، حيث كان غضبه شديداً تجاه العدو، وخاض النضال بشكل متواصل على مدى 10 سنوات في أرضروم، التي تعتبر واحدة من أصعب الساحات لدينا، وإذا جاز التعبير، شرب من كل نبعة من ينابيعها، واستظل تحت كل شجرة من أشجارها، وبذل الجهد والمثابرة في كل شبر من أرضها، ولديه آثار أقدام في كل شبر من أرضها، فقد اتحد الرفيق شيخموس مع أرضروم، وكانت أرضروم وسهول ومروج سرحد وكليداغ تعرف بقتاله أكثر من غيرها.
جيش الكريلا في كل ساحة
وخاض النضال في كل من سرحد وخاكورك وشرق كردستان وساحات مختلفة خلال نضاله الذي امتد على مدى 32 عاماً، إلا أنه كان مقاتلاً للكريلا في قسم كبير من نضاله في شمال كردستان، حيث تولى زمام القيادة في أرضروم وسرحد برغبة وتصميم كبيرين، ولم يتوان عن أداء المهمة والمسؤولية الملقاة على عاتقه حتى في أصعب الأوقات، وبدأ من قيادة المجموعة وتولى مهام ومسؤوليات على كافة المستويات في جيشنا الكريلا وصولاً لمستوى المجلس القيادي لقوات الدفاع الشعبي (HPG)، حيث كان مستعداً لأي مهمة للحزب، وبفضل عمله الشاق وتواضعه الكبير، تولى وأنجز كل مهمة وممارسة عملية ضمن صفوف حزب العمال الكردستاني، وإن إخلاصه العميق للقائد والشهداء وحزب العمال الكردستاني ورفاقه، وإيمانه الراسخ بالحرية، وحبه لوطنه وحبه لشعبه، كل ذلك جعله صامداً في أصعب الأوقات.
أرشد إلى الطريق الصحيح بتجاربه
وعلى مر سنوات عديدة، أنقذ العشرات من مجموعات الكريلا من كمين العدو وحصاره بين أيالتي أرضروم وسرحد، وهزم العدو عشرات المرات بذكائه العملي ويقظته، حيث عندما كنا نشارك مع الرفيق شيخموس في معركة ما أو نتوجه لتنفيذ مهمة ما، لم نكن نشعر أبداً بالقلق أو الشك، بل على العكس من ذلك، كان دائماً محل ثقة بالنسبة لنا، وكان يرشدنا إلى الطريق الصحيح من خلال تجاربه، وقد غادرنا أرضروم في عام 1997، وبعد سنوات طويلة وبعيدة، رأيته في سرحد أثناء ذهابي إلى ديرسم في العام 2003، وكان قد صدر قرار الانسحاب، لكنه بقي مع تلك المجموعة التي لم تنسحب، ولاحقاً، رأيته في تندروك وفرحتُ كثيراً بذلك، وقد أُتيحت لي الفرصة لرؤيتها مرة أخرى في مناطق الدفاع المشروع في عام 2006، حيث كان قد طوّر نفسه بشكل كبير وقد تغير كثيراً، وقد ساهمت تجربته القتالية والحياتية في جعله أكثر نضوجاً ووعياً، ويشترك الرفاق في العديد من السمات المشتركة، لا سيما الأخلاق والثقافة والذهنية وروح نموذج القائد، وإلى جانب السمات المشتركة لكل المناضلين الآبوجيين، كان له أيضاً سماته الخاصة، حيث كان يلفت الأنظار دائماً بسماته الخاصة وحماسه في الحياة دون التشبه بالبعض، وعندما كان يراه شخص ما للمرة الأولى كان يظن ويبدو له أنه شخص هادئ وانطوائي، لكن بعد أن يتعرّف عليه، ينبهر بموقفه الناضج في الحياة ويقع تحت تأثيره.
عاش وحارب بشكل فدائي
لقد شعر الرفيق شيخموس بالنضال التاريخي للقائد أوجلان في إمرالي عن كثب، وفي العام 2019، تولى مسؤولية قيادة إيالة سرحد بتصميم كبير، بالمعرفة والتجارب التي اكتسبها لتطوير قيادة حرب الشعب الثورية ولتعزيز النضال الذي يتم خوضه بقيادة قائدنا وشهدائنا الأبطال، واستشعر الخطر المحدق الذي يتهدد قائدنا وحركتنا وشعبنا، وأدرك أن أقوى رد في مواجهة الخطر يكون من خلال حرب الكريلا في شمال كردستان، ولذلك، توجه مرة أخرى إلى سرحد، ولدحر مفهوم الإبادة هذا الذي شنّه العدو في شخص قائدنا، ومن أجل حماية التراث الحرية لقائدنا وعشرات الآلاف من شهدائنا، سار بثقة وتصميم على تطوير كريلاتية الحداثة الديمقراطية، واجتاز كل تقنيات وأسوار العدو ووصل مرة أخرى إلى جبال سرحد، وحتى لحظة استشهاده، واصل تولي قيادة وريادة حرب الشعب الثورية بالإمكانيات المحدودة، وبذل جهوداً كبيرة لتعميق تكتيكات الكريلا في العصر الجديد، وأصبح مناضلاً آبوجياً يُحتذى به بشجاعته وروحه الفدائية والرفاقية النابعة من القلب، واتخذ الرفيق شيخموس دائماً خط المعركة والحياة للقائد كأساس له وعاش وقاتل بطريقة فدائية على خط زيلان، ولذلك، فإنه سيتولى قيادة نضالنا دائماً.
حتماً سنحقق هدفه المنشود
ومرة أخرى، نستذكر قائدنا الفدائي شيخموس ملاذكر بكل احترام وتقدير، وإننا كرفاق ورفيقات دربه، نتعهد بأن نبقى مخلصين وأوفياء لذكراه، وحتماً سنحقق هدف رفيقنا المتمثل بـ "القائد الحر، كردستان الحرة"، وسيكون وعدنا بالنصر والانتقام هو تتويج خط زيلان وسما وكولان وشيخموس بالنصر، وسوف نستذكرك دائماً في نضالنا.
* ارتقى عضو قيادة إيالة سرحد شيخموس ملاذكر (يلماز أونر) إلى مرتبة الشهادة بتاريخ 18 حزيران 2024 في جبال آكري خلال المعركة ضد جيش الاحتلال التركي.