شهدت القمة التي جمعت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيرة التونسي قيس سعيد اهتمامًا واسعًا على كافة المستويات خاصة على الصعيد الثقافي بسبب طرح الملف الثقافي ولأول مرة بوضوح خلال قمة على مستوى القيادة بين رؤساء الدول العربية.
ويعد هذا الأمر جديد نسبيا حيث غالبا ما يهتم القادة في لقاءاتهم بملفات سياسية، دفاعية، أمنية واقتصادية، إلا أن ما جرى خلال زيارة الرئيس التونسي الرسمية لمصر وحديث الرئيس المصري في مؤتمر صحفي مشترك عقب القمة الثنائية بشأن ملف الثقافة فتح الباب للتساؤل حول هذا التغير المحمود لرؤية القيادة السياسية التي باتت تعي أهمية الثقافة وتسعى لتعظيم دورها كأحد قوى الدول الناعمة.
وقال الرئيس السيسي: "بحثنا سبل الارتقاء بالتعاون الثقافي بين البلدين في مختلف جوانبه، بما يسهم في تعزيز التقارب بين الشعبين الشقيقين، خاصة وأن للثقافة دورا هاما في التصدي لمخاطر التطرف الفكري التي تواجهها دول المنطقة، واتفقنا على إعلان عام ۲۰۲۱-۲۰۲۲ عاماً للثقافة المصرية التونسية من خلال تفعيل الأنشطة الثقافية والفنية المشتركة بمختلف مناحيها في كل من مصر وتونس، بما يعكس التاريخ المشترك بين الشعبين والتواصل القائم بينهما".
لم تكن زيارة الرئيس التونسي إلى مصر كغيرها من زيارات القادة أيضا، فقد كان بعدها الثقافي واضح وحاضر بشكل كبير، فزار متحف الحضارة، ووار غرف المومياوات الملكية، كما زار جامع عمرو بن العاص، وقلعة صلاح الدين واطلع على العمارة المميزة لمسجد محمد علي في القلعة إضافة إلى أنه من المنتظر أن يزور دار الأوبرا المصرية ويحضر حفل صمم خصيصا على شرف زيارته.
وحول هذا الاهتمام الواضح بالثقافة والتأكيد على دورها المهم في التصدي للمخاطر التي تواجهها دول المنطقة وكذلك القرار باعتبار عام ٢٠٢١- ٢٠٢٢ عامًا للثقافة المصرية التونسية أجرت وكالة فرات ANF استطلاع للرأي بين عدد من المثقفين المصريين ورؤيتهم لهذا التغيّر والاهتمام بالثقافة.
البخشونجي: الثقافة وحدها القادرة على إنهاء الإرهاب
وفي البداية تقول الروائية والقاصة نسرين البخشونجي: أعتقد أن زيارة الرئيس التونسي هي زيارة تاريخية، وأما فكرة الاتفاق على إعلان ٢٠٢١-٢٠٢٢ عامًا للثقافة المصرية والتونسية، فهذه رسالة مهمة، وأعتقد أن هذا كان السبب الذي جعل القوى الظلامية من الإخوان ومن على شاكلتهم للوقوف ورفض زيارة الرئيس التونسي. لأن الثقافة هي التي ستكون وحدها القادرة على إنهاء الإرهاب.
وأضافت، " الثقافة هي القوة الناعمة القادرة على تذليل كثير من الصعاب والقضاء على ألوان التطرف والإرهاب.. بها يمكن إعلاء ثقافة الحوار، فهي القوة الناعمة القادرة على تقديم الكثير والكثير".
وأوضحت: "أنا سعيدة أيضًا بزيارة الرئيس التونسي لمتحف الحضارة وهذه فيها رسالة قوية ثقافية لكل من يقفوا ضد ما وصلت له مصر بالرسالة التي قدمتها في احتفالية موكب المومياوت.. ما حصل ويحصل أيضا هو أيضا أكبر دليل على أن فكرة التعاون الثقافي أثّرت في الإرهابيين وهذا ما نجده واضحًا في أنهم بدأوا في هجومهم على الرئيس التونسي".
الشناوي: عام الثقافة المصرية التونسية إدراك حقيقي لأهمية الثقافة في المجتمع والسياسات العامة
أما الكاتب الصحفي محمود الشناوي، صاحب أول مؤلف عن داعش (داعش خرائط الدم والوهم) فيؤكد أن "التجربة المتقاربة بين مصر وتونس في تصدر تنظيم الإخوان واجهة المشهد، ونجاح مصر في التخلص من التنظيم الإرهابي، والانتقال من شبه الدولة إلى الدولة الأهم في المنطقة، أدي إلى تقارب الرؤى بين البلدين، حيث تسعى مصر وتونس حاليا إلى تشكيل حلف لمواجهة التطرف والإرهاب ، من خلال التنسيق والتعاون على أعلى المستويات ثقافيًا، في ضوء تخوف التونسيين من طغيان الفكر المتطرف، ومحاولات حزب النهضة -الذي يرأس قائده راشد الغنوشي البرلمان هناك - الحثيثة لنشر التشدد بدعم إقليمي ودولي، وتدشين مقر كبير لما يعرف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الإخواني يوسف القرضاوي، وما يقوم به من عمليات استقطاب وتجنيد للنشء والشباب، كل ذلك أدى إلى ضرورة الاتفاق على تربية النشء التربية السليمة لمواجهة التطرف، ومنع تسرب الإرهاب للشباب".
وأشار الشناوي، في تصريحه لوكالة فرات ANF، إلى أنه ليس ثمة شك في أن الزيارة الحالية لقيس سعيد إلى لمصر لا يمكن استثناؤها من الظروف التي تحيط بتونس من محاولات إخوانية لضرب التجربة الديمقراطية، ونشر الإرهاب والسيطرة على الحكم، لذلك أعلن الزعيمان اتفاقهما على ضرورة مقاومة الأفكار الهدامة التي تقوم بغسل أدمغة الشباب والدفع بهم نحو الإرهاب، فمصر تبقى نموذجًا لابد من الإشادة به في محاربة الإرهاب الإخواني المتطرف، الأمر الذي دفع بمصر نحو الاستقرار والنمو والتقدم، بعد أن أطاحت بنظام الإخوان وبدأت في بناء دولة وطنية حقيقية".
وأضاف "ومصر وتونس ترتبطان بعلاقات ثقافية متميزة ومستمرة، وهناك تعاون مثمر يجمع البلدين في مختلف القطاعات الإبداعية والفنية، وبما أن الثقافة لها دور أساسي في محاربة الأفكار المتطرفة والإرهاب، فلا يمكن التعامل معها على أنها أمر هامشي نملأ به الفراغات ، بل لابد لها أن تكون أساسية مرجعية في مستوى عمل السياسات العامة سواء على المستوى المحلي أو العربي بصفة عامة، حتى يمكن رسم سياسات وطنية في مجال الثقافة تعكس عراقة الأدب والفنون والتاريخ العربي، الأمر الذي يساهم في إحداث تغيير حقيقي في المشهد المجتمعي والفكري، وهو ما تحتاج إليه تونس حاليا، من خلال الاستفادة من التجربة المصرية، لذلك كان القرار أن يكون العام ٢٠٢٢ عامًا للثقافة المصرية التونسية، فالإرهاب ينتج عن وجود فراغ في سياسات معينة نتيجة ضعف التنشئة في مجتمعاتنا وانعدام الوعي الثقافي، لذلك كان حرص القائدين على أن تكون الثقافة محورًا أساسيا في التعاون، ومحركًا حقيقيًا لتنمية الإنسان وقدرته على التفاعل مع المحيط الذي يتواجد فيه".
وأوضح أنه "يجب التأكيد على أن اختيار العام القادم عامًا للثقافة المصرية التونسية ، هو إدراك حقيقي لأهمية الثقافة في المجتمع والسياسات العامة".
كساب: العلم والثقافة أهم وسيلتين لمواجهة الإرهاب
أما الروائية المصرية دكتورة رباب كساب فترى أن هذا المشهد هو أمر تأخر كثيرًا، الثقافة والعلم هما الوسيلتين الأهم للوقوف أمام الإرهاب بكافة صوره وأشكاله.
وأضافت "تونس كانت مثال قوي لشعب تغلب بثقافته على مصاعب كثيرة، وهذا ما نأمل أن نصل إليه بعد سنوات طويلة من المد الوهابي وسيطرة شيوخ الضلال ومحاولات التجهيل وإقصاء العلم".
وتابعت: "قبل أسابيع كان واحد من هؤلاء يخطب الجمعة وهو ينكر أي علم فالعلم بالنسبة له هو الدين وفقهه وهذه قمة الكارثة. في وقت كانت بمصر ثقافات متعددة ومجتمعات كوزموبوليتانية كان هناك مجتمع مختلف. أفرز فنا راقيا وأدبا عظيما انعكس على ذائقة الشعب فالنجاة بالفعل بنشر الثقافة والعلم لنستطيع أن نقول أن هناك تطورا في المجتمع".
وأكدت: "لا أريد عامًا واحدًا للثقافة أريد أعوامًا كاملة بل أريد تشجيعًا لها على مدى القادم من عمر البلدين".
بلبولة: آن الأوان للانتباه إلى خطورة الثقافة
أما الناقد والشاعر الدكتور أحمد بلبولة، فيقول: "التغير أساس الحياة ورأيي أن الجميع الآن لم يعد أمامه سوى أن يمضي إلى الأمام ولا شك أن الثقافة دوختنا في السنوات العشر الأخيرة وآن الأوان أن نتنبه جميعا لخطورتها لا أقرأ لقاء الرئيس السيسي مع الرئيس التونسي في ظل هذا ولكن أيضا أقرأ الإعداد الحاشد للموكب الملكي".
ويُضيف "أما تعقيبي على القرار بأن عام ٢٠٢٢ عام للثقافة المصرية التونسية فهو قرار يؤكد أن البلدين لديهما من الجذور الحضارية العميقة ما يمكن أن يؤسس عليه: الفينيقون والمصريون القدماء، وجامعة الزيتونة والأزهر ، والبحر المتوسط..إلخ وهو إعلان يرأب الصدع الذي خلفه الربيع العربي ويقدم النموذج على الرغبة الحقيقية في مواصلة البناء من الجانب المصري".
عزب: الثقافة أحد أدوات بناء الإنسان وهي قادرة على مواجهة الإرهاب والتطرف
أما الكاتبة الصحفية سلوى عزب، فتقول: "كانت القمة الثنائية بين الرئيسين جاذبة للانتباه من نواحٍ عدة فمعروف أنه منذ تولي الرئيس التونسي قيس بن سعيد الحكم والتيار الإسلامي في تونس يحاول التأثير في الوضع. وما جرى من فتح المجال في التعاون الثقافي والحديث عنه بهذا الشكل مطلوب من البلدين، فتونس بعد الثورة تعرضت لعدة تيارات وتجاذبات وحتى ضربات إرهابية لا زالت تعاني منها بين آن وآخر، وكذلك مصر سابقًا، وبالتالي فقد فطن الرئيسين لأهمية التعاون الثقافي وكان أمور موفق في الحديث عنه بين القائدين باعتبار أن الثقافة أحد أدوات بناء الانسان وهي القادرة على مواجهة الإرهاب والتطرف".
وأضافت "اختيار هذا العام ليكون عاما للثقافة بين مصر وتونس هو شيء موفق جدا واختيار يصب في مصلحة البناء، خاصة في الجانب الثقافي".
سراج: الثقافة قضية أمن قومي وسلاح استراتيجي شديد الفعالية
أما الشاعر والكاتب المسرحي أحمد سراج فيقول: إن الثقافة هي الجامع المشترك بين الشعوب، وهي سلاح استراتيجي شديد الفعالية، وهذا اللقاء ينم عن وعي تأخر قليلا فالثقافة قضية أمن قومي، وقوة ناعمة، ومصدر دخل يصل لربع إنتاج بعض الدول الكبرى.
وأضاف "ما يتم تسويقه من منتجات الثقافة يفوق عائده إنتاج النفط في العالم العربي، قارنوا دخل قنوات الاتصال الاجتماعي بدخل الزراعة والصناعة في العالم العربي".
وحول قرار اعتبار العام ٢٠٢١- ٢٠٢٢ عامًا للثقافة المصرية التونسية، يؤكد: "هذا قرار شديد الأهمية، لكن لا بد من إعلان مجالات واضحة، ومخرجات يمكن قياسها، مثلا إنشاء منصة ثقافية جامعة لثقافة مصر وتونس خصوصا وللعرب عامة، إن اقتصر الأمر على الاحتفاليات فهذا سيضر أكثر مما سينفع. هناك تجارب قوية لدعم النشاطات الثقافية الإلكترونية، وللصناعات الإبداعية عامة.. والقرار كشعاع كتب بالحبر الأسود، لو لم ينفذ فلن يبقى سوى لون الحبر".