جميل بايك: يجب علينا إعادة بناء الحياة على أساس الحداثة الديمقراطية

صرح جميل بايك، أن أصل الكردايتية يكمن في التنشئة الاجتماعية، لذلك، ينبغي للمجتمع الكردي أن يناضل بشكل متزايد ضد الحياة الرأسمالية، وقال: إنه يتعين علينا إعادة بناء الحياة من جديد على أساس الحداثة الديمقراطية.

كتب الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK) جميل بايك، مقالة لمجلة "حرية المجتمع- Azadî Komelge" التي تنشر في جنوب كردستان باللهجة الصورانية الكردية، حول تأثير الحداثة الرأسمالية على المنطقة وخاصة كردستان، وواقع التنشئة الاجتماعية للشعب الكردي ونموذج الحداثة الديمقراطية للقائد عبد الله أوجلان.

وجاء في مقالة جميل بايك ما يلي:  

إن الشرق الأوسط هو مركز حضارة الدولة الطبقية، وظهرت أول حضارة مركزية في العالم وقوة مركزية في الشرق الأوسط، ولهذا السبب، فإن الشرق الأوسط هو أول حضارة مهيمنة، وفي عصرنا هناك الحداثة ونظامها المهيمن، ويرتبط ظهور الحداثة الرأسمالية وانتشارها حول العالم ارتباطاً وثيقاً بانهيار النظام الحضاري في الشرق الأوسط، وعندما انهار النظام الحضاري في الشرق الأوسط، ظهر نظام الحداثة الرأسمالية وانتشر وأصبح نظاماً، وفي الوقت الراهن، هناك 400 سنة من هيمنة النظام الرأسمالي في العالم.

وتعد أوروبا مركز الحداثة الرأسمالية، وقد ظهرت وانتشرت في أوروبا، لكن في الواقع، الحداثة الرأسمالية هي استمرار لحضارة الشرق الأوسط، وبطريقة ما، انتقلت قيم حضارة الشرق الأوسط إلى الحداثة الرأسمالية الأوروبية، وفي هذا الصدد، لا ينبغي النظر إلى الحداثة الرأسمالية على أنها مختلفة تماماً عن حضارة الشرق الأوسط، لكن الاثنين ليسا متماثلين تماماً، وهناك اختلافات شكلية بينهما، وتعد كيفية ظهور حضارة الدولة في الشرق الأوسط أحد أهم المواضيع في التاريخ، كما ركز القائد أوجلان على هذه المسالة بشكل مهم، ولذلك، فمن المهم التركيز على هذه المسألة، ويتناول القائد أوجلان التطورات التاريخية وعلاقاتها من كافة الجوانب، لأن التاريخ جزء لا يتجزأ، ويمكن من خلال منظور ودراسة مستفيضة فهم طبيعة وكيفية التطورات التاريخية، وإن تاريخ (أسباب) تفكك حضارة الشرق الأوسط لا يقل أهمية عن ظهورها، ولا بد من التركيز على ذلك وتقييمه في سياقه التاريخي، الذي بدونه لا يمكن أن نفهم بشكل صحيح ظهور الحداثة الرأسمالية أو انتشارها في الشرق الأوسط، ولا يسعنا هنا إلا أن نقيمها بإيجاز شديد، ونقيمها بعدة نقاط مهمة، لكن في الواقع يتطلب الأمر عملاً موسعاً.

والغاية من حضارة الشرق الأوسط هو النظام الطبقي للدولة، وسبب تسمية هذا النظام بالحضارة هو تطوره على أرضية المدينة والعلاقات التي تتكون في المدينة، فالتصنيف\الطبقية، هو تقسيم المجتمع على أساس الطبقات، وهذا يعني أنه يجب إلغاء المجتمع الديمقراطي المساواتي المجتمعي واستبداله بدلاً من ذلك بأسلوب حياة يقوم على التبعية والإدارة وعلاقات الإدارة، ويجري تطوير هذا على الأراضي الحضرية، وقد ظهرت الدولة أيضاً في هذه المرحلة، ولقد ظهرت الدولة لصيانة النظام القائم وتطويره، وهكذا تطورت أنظمة الحضارة ومدنها المركزية الأولى في الشرق الأوسط وميزوبوتاميا، وإن ظاهرة الاستغلال التي نتحدث عنها في التاريخ، بدأت مع الحضارة الطبقية التصنيفية، ولا تزال الحداثة الرأسمالية تحافظ عليها حتى اليوم، ومما لا شك فيه، أن هناك مقاومة مجتمعية في مواجهة ذلك على مر التاريخ، وعندما تطورت سيطرة واستغلال الحضارة الطبقية للدولة ضد المجتمع، تطورت أيضاً مقاومة المجتمع ونضاله ضدها، وتستمر هذه المقاومة والنضال المجتمعي أيضاً حتى يومنا هذا.

وعلى الرغم من أنها مختصرة، تجدر الإشارة إلى أن هذا مهم للغاية، ولقد قدمت الحضارة الدولتية للطبقة المستغلة نفسها على أنها مقدسة لتعزيز الامتثال لنظامها، وبهذه الطريقة حاولت سد الطريق أمام ردود أفعال المجتمع، على سبيل المثال، يعتمد الاضطهاد المتفشي بحق المرأة وحقيقة النظر إليهن كخادمة للرجل على ذلك، لأن التنشئة الاجتماعية ضعفت مع ضعف المرأة، ومرة أخرى، كان من الضروري ضمان طاعة المجتمع من خلال إدخال الألوهية في النظام القائم، لذلك، تطورت حضارة الدولة الطبقية حول المعبد، وجرى إظهار القداسة للملوك والنبلاء، وتقديمهم على أنهم آلهة، وكان الملوك السومريون والآشوريون والبابليون على هذا النحو، وكان الفراعنة المصريون يُعتبرون أيضاً كآلهة، إنهم ملوك-آلهة، وتطورت الحضارات الفارسية والهندية والرومانية بهذه الطريقة فيما بعد، ولقد ازدهرت الحضارات دائماً من خلال التشبث بالهويات الإلهية، وهكذا جاءت قيم قدسية المجتمع وقُدم الاستغلال وعدم المساواة كضرورة من ضرورات النظام الإلهي، ولذلك، فإن قسماً لا يستهان به من ردة فعل المجتمع هو ذو طبيعة دينية، وهذا هو الأساس لظهور العديد من الديانات عبر التاريخ، والدين هو في الأساس الموقف الديمقراطي المجتمعي للمجتمع في مواجهة الحضارة الطبقية والدولتية، وهذا هو الحال في الديانات التوحيدية مثل المسيحية والإسلام، وبهذه المظاهر تحدد القوى المجتمعية أن الأمور التي تتم باسم الله ليست كذلك، وقول النبي إبراهيم بأن الإنسان لا يمكن أن يصبح إلهاً هو مثال يوضح هذه الحقيقة، وعند القيام بذلك، أظهرت الأديان أيضاً أشياء كانت مقدسة للمجتمع، لكننا نرى أنه قد تم إخفاء وإزالة هذه الخصال المعنية بالأديان والاكتفاء بتقدميها فقط كطقوس، والذين يفعلون ذلك هم قوى الحضارة، حيث أقصت قوى الحضارة الدين عن طبيعته، وأخرجته من دائرة الخطر، بل وجعلته أداة لسيادتها، والأمثلة على ذلك كثيرة اليوم وفي التاريخ، وفي الشرق الأوسط، هناك قدر كبير من الهيمنة والاستغلال باسم الدين، فقد ارتكب داعش كل فظائعه باسم التدين، وفي العراق، يحاول الجميع الوصول إلى السلطة على أساس سني أو شيعي، وبالتالي السيطرة على المجتمع، وتعمل فاشية حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية على تطوير الإبادة الجماعية بحق الكرد باستخدام الإسلام وجميع أنواع العهر والاستغلال.

ترسخت الحداثة الرأسمالية في الشرق الأوسط من خلال الدول القومية

لقد رافق تأسيس وتنفيذ الحداثة الرأسمالية في الشرق الأوسط مع الدولة القومية، ومع هزيمة الإمبراطورية العثمانية وتفككها في الحرب العالمية الأولى، أعيد تشكيل الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالح الحداثة الرأسمالية، مما تركه مفتوحاً أمام الحداثة الرأسمالية، وبدون شك، فإن قوى الحداثة الرأسمالية تفعل ذلك، وقد تسببت بريطانيا في ذلك، وفعلت ذلك باعتبارها القوة المهيمنة لنظام الحداثة الرأسمالية، ورسخت هيمنتها على الشرق الأوسط من خلال إنشاء الدول القومية التابعة لها، ولهذا السبب، لا تستطيع هذه الدول القومية القائمة أن تتفوق على قوى الحداثة الرأسمالية، ولكن مع الأيديولوجية القومية القائمة على الدولة القومية، اختفت التنشئة الاجتماعية في الشرق الأوسط، مما مهد الطريق لتطور نمط حياة الحداثة الرأسمالية، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن اعتبار الحداثة الرأسمالية على أنها مجرد "رأسمالية" سيكون أمراً زهيداً، فالحداثة الرأسمالية هي أولاً وقبل كل شيء ذهنية، وأسلوب حياة وهي حضارة طبقية حديثة ونزعة دولتية تسعى إلى ضمان استمرارية الاستعمار، ويتواجد في جوهرها تدمير الحياة المجتمعية الديمقراطية، وتطوير الحياة الفردية، والقضاء على التنشئة الاجتماعية، وعلى هذا الأساس تتم كل أنواع الاستغلال والشرور والأخطاء.

ولقد تطورت الدول القومية في الشرق الأوسط على أساس بيروقراطيات الدولة السابقة أو الأنظمة الحاكمة القديمة المنحلة، وعندما عجزت السلالات العثمانية في تركيا عن التكيف مع الحداثة الرأسمالية، قادت جمعية اتحاد الترقي، التي انبثقت من بيروقراطية الدولة، هذه المرحلة وأصبحت جزءاً من النظام من خلال تطوير الدولة القومية التركية، وهناك وضع مماثل أيضاً في إيران، حيث تم حل سلالات القاجار وتطورت الدولة القومية الفارسية على أساس نظام الشاه، ومن ناحية أخرى، نشأ تكوين الدولة القومية في المجتمعات العربية بشكل رئيسي على غرار السلالات القديمة، ومن ناحية أخرى، قسمت بريطانيا المجتمع العربي، الذي يتمتع بخصائص مهمة من حيث السكان والجغرافيا، إلى دول قومية عديدة كضرورة سياسية، ولهذا السبب، قام بتحالفات مختلفة مع السلالتين السعودية والهاشمية وأنشأت للعرب العديد من الدول القومية، وقد نشأت الدولة العراقية نتيجة مرحلة كهذه، ونصبوا فيصل، الذي ينتمي إلى الأسرة الهاشمية، ملكاً ووضعوه على سدة الحكم في العراق، وحدث الشيء نفسه في الأردن، وفي الحجاز دعم السعوديين الذين اتفقوا معهم سراً وجعلوه حاكماً، ومن ناحية أخرى، تم تقسيم كردستان بين الدول القومية التركية والفارسية والعربية، ولم تمنح الحداثة الرأسمالية أي اعتراف بالكرد ووضعت الشعب الكردي في خضم مرحلة من الإنكار والدمار، وبهذه الطريقة بدأت الإبادة الجماعية بحق الكرد.

قادت الدولة التركية الإبادة الجماعية من بين الدول الاستعمارية والمحتلة الأربع

ومن بين الدول الاستعمارية والمحتلة الأربع التي تأسست في كردستان، قادت الدولة التركية الإبادة الجماعية بحق الكرد، وتواصل الدولة التركية موقفها المتمثل بالإبادة الجماعية تجاه الكرد دون أن تظهر أدنى مرونة، ولا تقبل بوجود الكرد بأي شكل من الأشكال، كما أن نهج الدولة التركية في جنوب كردستان يندرج في هذا السياق، وهي في الحقيقة لا تقبل حتى بجنوب كردستان وتقيم علاقات مع قوى جنوب كردستان من أجل البقاء فيها واستخدامها في القتال ضد حزب العمال الكردستاني، ومن المعروف كيف أصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني متواطئاً من خلال الدخول في هذه العلاقة ولعب درواً خائناً، ولدى الدولة التركية ذهنية عدائية شديدة كهذه تجاه الكرد لسببين؛ السبب الأول هو بناء دولة قومية وبلد ومجتمع على أساس القومية التركية، وهي أيديولوجية مصطنعة للغاية\سنية، لأنه في الجغرافيا المسماة تركيا والتي تجري محاولات لجعل الجميع أتراكاً، يعيش فيها الكرد والعديد من الشعوب الأخرى أيضاً بالإضافة إلى التركمان، والسبب الثاني هو أن الحداثة الرأسمالية تدعم سياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها الدولة التركية ضد الكرد، وبهذه الطريقة، فإن دخول الحداثة الرأسمالية إلى كردستان، على أساس الإبادة الجماعية بحق الكرد، كان سببه الدمار الشديد، وتستمر هذه المرحلة حتى يومنا هذا، ومما لا شك فيه، فإن الشعب الكردي استطاع أن يتعايش مع النضال ضد نظام الإبادة الجماعية الاستعماري، الذي تشكل بسبب الحداثة الرأسمالية، ولا يزال بإمكانه التعايش مع هذا النضال.

وإن ظهور مرحلة كهذه في كردستان يعني تقسيم كردستان والشعب الكردي دون اعتراف، بحيث يبقى الشعب الكردي بدون حماية تماماً أمام التأثيرات السلبية للحداثة الرأسمالية، ولقد تم بالفعل تطوير الإبادة الجماعية بحق الكرد على أساس تفكك التنشئة الاجتماعية الكردية، وقد حدث ذلك مع تطور حياة الحداثة الرأسمالية التي تتميز بتقسيم المجتمع، ومن خلال تطوير أسوأ خصائص الحداثة الرأسمالية، استمرت الإبادة الجماعية بحق الكرد، ويُراد من ذلك استكمال هذه الإبادة الجماعية، وقد تم ذلك بشكل مباشر من قبل الدول الاستعمارية، وقد فعلت الدولة التركية ذلك إلى أقصى حد من بين الدول المستعمرة والمستبدة، وإن فهم تقسيم وتفتيت كردستان وإقحام الشعب الكردي في مرحلة الإنكار والتدمير، وكذلك ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الكرد على أساس تطوير حياة الحداثة الرأسمالية في كردستان، أمر مهم للغاية بالنسبة لنا لكي نفهم أضرار الحداثة الرأسمالية ونخوض النضال ضد الحداثة الرأسمالية، ويجب على المجتمع الكردي أن يناضل ضد الحداثة الرأسمالية وأضرارها أكثر من أي مجتمع آخر، وتجدر الإشارة إلى أن القائد أوجلان قد أخضع الحداثة الرأسمالية لتحليل مفصل وكشف كيف ينبغي أن تكون هناك حياة بديلة مناهضة لحياة الحداثة الرأسمالية، ولم يقدم القائد أوجلان طريقة بديلة للحياة فقط للشعب الكردي، بل أيضاً للبشرية جمعاء، ولذلك، فإن أفكار القائد أوجلان تؤخذ بعين الاعتبار ومقبولة في جميع أنحاء العالم.

انتشرت حياة الحداثة الرأسمالية عبر الطبقة الحاكمة الكردية في كردستان

إلى جانب الدول القومية المستعمرة والمستبدة، هناك قطاعات ساعدت في إقحام الحداثة الرأسمالية إلى كردستان، ومن بين هؤلاء هم الطبقة الحاكمة الكردية، ولقد تم تطوير حياة الحداثة الرأسمالية من قِبل الدول القومية في مجتمعات الشرق الأوسط الأخرى، ولكن في كردستان، تم تطويرها من قبل المتواطئين مع الدول القومية، وإن ظهور مثل هذه القطاعات هو نتيجة لمراحل خاصة مر بها المجتمع الكردي، ومما لا شك فيه، وعلى مر التاريخ، تشكلت الطبقات المتواطئة في العديد من المجتمعات،  ومن ناحية أخرى، ونظراً لأن هذه القطاعات في المجتمع الكردي كانت تصبوا إلى الدولة، فقد زاد ضررها بشكل كبير، ويمكن القول تقريباً إنهم باتوا جواسيس للحداثة الرأسمالية وللاحتلال المستبد، فعائلة البارزاني، على سبيل المثال، لديها دور سلبي ومشؤوم كهذا. 

التنشئة الاجتماعية عميقة لدى الشعب الكردي

يتمتع الشعب الكردي بشخصية تعيش التنشئة الاجتماعية بعمق، وعلى مر التاريخ، لم يعيش كثيراً من خلال الطبقية، ولديه موقف وأسلوب حياة يعتمد على المبدأ الديمقراطي المجتمعي، لكن كان لديه أيضاً طبقة عليا ضيقة، واستمرت الإمارات التي تأسست من قِبل هذه الطبقة العليا حتى القرن التاسع عشر، لكن نتيجة لتأثيرات الحداثة الرأسمالية مع تطور أنظمة الدولة المركزية، حاول العثمانيون والصفويون تصفية الأمراء الكردية في إطار خطة بناء الهيكليات المركزية، وأثار هذا الوضع رد فعل بين الطبقة الحاكمة الكردية وأدى إلى حصول انتفاضات، وعندما فشلت الانتفاضات التي قادها الأمراء الكرد، بدأت الطبقة الحاكمة، التي فقدت امتيازاتها، في التواطؤ هذه المرة، الأمر الذي من شأنه جعلهم يلعبون دوراً سيئاً للغاية، وقد حدثت حالة مماثلة في الطرق الصوفية، وعندما قادت الطرق الصوفية بعض الانتفاضات وفشلت، بدأت مثل الطبقة الحاكمة بالتواطؤ، وهذه سمة من سمات طبيعة الطبقات العليا التي تبلورت على هذا النحو، وهناك العشرات من العائلات والطرق الصوفية والأوساط على هذه الشاكلة في كردستان، ففي مقابل الامتيازات والثروة والمال، يتطورن في كل أنواع التواطؤ وخيانة الأمانة والعمالة، ويصبحون بحالتهم هذه الأساس لاحتلال كردستان وانصهار الشعب الكردي، فهم لا يقفون ضد الحركة التحررية الكردستانية والثورة فحسب، بل يتجهون أيضاً إلى جانب العدو، على سبيل المثال، هناك من يحملون أسماء مختلفة، لعبوا أدواراً في احتلال الدولة التركية لغرب كردستان، وعندما غيرت الدولة التركية التركيبة السكانية وارتكبت الإبادة الجماعية بحق الكرد في عفرين وسري كانيه وكري سبي، وفي الوقت الذي تناضل فيه القوى الثورية في روج آفا لتحرير هذه المناطق المحتلة، يقوم هؤلاء بافتتاح مكاتب رسمية، ويشرعنون الإبادة الجماعية والاحتلال، وهناك أشخاص وأوساط في شمال كردستان يلعبون دوراً مماثلاً ويقفون إلى جانب دولة الاحتلال والاستبداد وحكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، ويلعب الحزب الديمقراطي الكردستاني الآن دوراً مماثلاً في جنوب كردستان، فهو لا يعمل من أجل حرية الشعب الكردي، بل يتحرك من أجل حماية مصالحه وامتيازاته الخاصة، وبالتالي فهو متورط في جميع أنواع عمليات التواطؤ وعلاقات التجسس مع العدو، وإذا تناولنا الحداثة الرأسمالية كظاهرة تقوض المجتمع، وتفصل الفرد عن المجتمع والقيم التي هو فيها، والتي هي واقعه، فإن الذين يهيئون الأرضية له وينفذونها؛ هم هذه القطاعات والمؤسسات والعوائل والأوساط المتواطئة.

 وتُعتبر الطرق الصوفية والجماعات الدينية من العناصر الثانية التي لعب دورها في انتشار الحداثة الرأسمالية في كردستان، وقد غذت قوى الحداثة الرأسمالية ودعمت الطرق الصوفية والجماعات الدينية التي تطورت من خلال استغلال الدين والأفكار الدينية، ودعمت قوى الحداثة الرأسمالية الحركات الدينية لمنع تمدد الاشتراكية في الشرق الأوسط، على وجه الخصوص بعد الإطاحة بالأنظمة المتواطئة التي أنشأتها بريطانيا من خلال الانقلابات العسكرية واستبدالها بالكتلة الاشتراكية بعد فترة الخمسينيات، وكانت القوة التي طورت هذه السياسة هي الولايات المتحدة الأمريكية، وقد طورت الولايات المتحدة الأمريكية الحركات الوهابية والسلفية والإخوانية على هذا الأساس، وهكذا برزت إلى الواجهة تنظيمات مثل القاعدة وداعش، وقد ألحقت هذه التنظيمات العميلة والمتواطئة التي تخدم مصالح الحداثة الرأسمالية باسم الإسلام، الضرر بالمجتمع وكذلك بالمقدسات الإسلامية، وتسببت جميع أنواع الأموال والممتلكات باسم الدين والمعتقد بتطور النزعة الأنانية والمادية والربا والانتهازية في المجتمع، وتسببوا في إحداث ضرر كبير من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، واليوم، العديد من البنوك والشركات القابضة والشركات مملوكة بشكل أساسي للطرق الصوفية والجماعات الدينية، ولقد قامت الحداثة الرأسمالية والقوى الحاكمة في كردستان أيضاً بتطوير ودعم الطرق الصوفية والجماعات الدينية، وفي حين أن الطرق الصوفية والجماعات الدينية في كردستان، من ناحية، يدمرون التنشئة الاجتماعية والأخلاق، فقد تسببوا في تطور حياة الحداثة الرأسمالية، ومن ناحية أخرى أيضاً، يقدمون الخدمة للإبادة الجماعية بحق الكرد، وعندما تطورت الحركة التحررية في شمال كردستان، تشكل تنظيم من القتلة المأجورين والجواسيس تحت مسمى حزب الله، والذي تم استخدامه ضد الثورة الكردستانية على غرار الحزب الديمقراطي الكردستاني،  وشنوا الهجمات على الشعب بأيديهم وأقدموا على قتلهم، ويطلق شعب كردستان على شبكة الجواسيس القاتلة هذه، والتي هي عبارة عن هيكلية مكونة من الكونترا، اسم حزب الكونترا، والآن تدعم الدولة التركية حزب الكونترا ويُراد لها الوصول إلى السلطة في كردستان، كما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو أيضاً حليف لحزب الكونترا، ومن ناحية أخرى، تسيطر الدولة التركية على الطرق الصوفية والجماعات الدينية في جنوب كردستان من خلال الفاشية التركية-الإسلامية، وتحاول استخدامهم ضد الثورة والقوى الوطنية ولخدمة سياسات الإبادة الجماعية بحق الكرد، وعلى هذا الأساس، يتم توزيع الكثير من الثروات والأموال عليهم، ونحن نعلم أن بعض الجماعات الدينية والطرق الصوفية، التي تسمي نفسها تنظيمات وحركات، تجري محادثات مع حزب العدالة والتنمية والاستخبارات التركية، ومن يعمل على توطيد علاقات الطرق الصوفية والجماعات الدينية في جنوب كردستان مع الدولة التركية ويريد خدمة سياسة الإبادة الجماعية ضد الكرد، هو الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومثل عائلة بارزاني، لديهم أموال وممتلكات في المدن الكبرى في تركيا.

أثر مفهوم الإسلام الديمقراطي للقائد أوجلان

قبل قيام الثورة، كانت الطرق الصوفية والجماعات الدينية تهيمن على المجتمع، وقد خلقت هذه الطرق الصوفية والجماعات الدينية عقبات أمام إيقاظ المجتمع، وعندما ظهرت شخصيات صادقة وشجاعة مثل الشيخ معشوق وكشفت عن دور عملاء هذه الطرق الصوفية والجماعات الدينية، استهدفتهم الدولة وحلفاؤها وقامت باغتيالهم، وهناك أمثلة كثيرة مثل الشيخ معشوق، وقد طوّر  القائد أوجلان مفهوم الإسلام الديمقراطي؛ لهزيمة سياسات الحداثة الرأسمالية والقوى الاستعمارية والاستبدادية التي تطورت بواسطة الطرق الصوفية والجماعات الدينية التابعة للتجار المتدينين الزائفين، وقد بُني الإسلام الديمقراطي على أسس الإيمان والأشكال الأخلاقية والثقافية للمجتمع، وكلما يتطور مفهوم وتنظيم الإسلام الديمقراطي، فإنه يساهم في التنشئة الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى، تختفي سياسات الحداثة الرأسمالية والاستعمار المستبد.

والقسم الآخر الذي لعب دوراً في تطور الحداثة الرأسمالية في كردستان هو الطبقة الوسطى الكردية، ومع تطور الحداثة الرأسمالية في كردستان، ظهرت تدريجياً طبقة وسطى ضعيفة، وهذه الفئات من المجتمع، مثل الطبقة العليا، التي لعبت دوراً سلبياً في كردستان، تلعب الآن نفس الدور، وهذه الطبقة هي نتاج تطور الحداثة الرأسمالية، وتمتلك خاصية تظهر الحداثة الرأسمالية على أنها إيجابية، والسلبية الأساسية لهذه الطبقة هي؛ وعلى الرغم من تنامي تأثير النضال إلا أنه يضعف ويوهن النضال، وأمام ظروف النضال الصعبة في كردستان، تنأى بنفسها وتصبح عائقاً أمام نضال المجتمع، أما شرها الثاني هو؛ أنها تعتبر الحداثة الرأسمالية إيجابية، وتقود من خلال أسلوب حياتها تمدد ذهنية وأسلوب حياة الحداثة الرأسمالية في المجتمع.

مع صعود حزب العمال الكردستاني، أصبح خط الوطنية القائم على أساس الحرية هو السائد في كردستان

وانطلاقاً من مبادئه، رفض حزب العمال الكردستاني كلا هذين الخطين وواجههما بالنضال، وتشكل خط الحرية في كردستان والتطور على هذا الأساس، وبعد ظهور حزب العمال الكردستاني، ضعف هذان الخطان في كردستان وساد خط الوطنية القائم على أساس الحرية.

كما أنه ينبغي التركيز بشكل خاص على تنامي وتأثير الحداثة الرأسمالية في العراق وجنوب كردستان، حيث يُعتبر العراق البلد الأكثر أهمية للحداثة الرأسمالية من حيث موقعه الجيوسياسي وموارد الطاقة، ويعد العراق من أكثر مناطق الشرق الأوسط تعقيداً وتعرضاً للأزمات، وحتى تأسيسها كدولة أصبح موضع جدل وأزمات، والدولة التركية، التي تعتبر جنوب كردستان كأراضيها الخاصة، أرادت ضم أراضي جنوب كردستان إلى حدودها، ولذلك، يقع جنوب كردستان ضمن تلك الحدود التي تُسمى الميثاق الملي (الاتفاق القومي)، لكن بريطانيا رفضت ذلك وضمت جنوب كردستان إلى العراق الذي أنشأته الأسرة الهاشمية، ووافقت الدولة التركية على شرط أن تبقى جزءاً من العراق، وألا يُمنح الاعتراف للكرد، ورضيت بذلك الأمر، لأن الدولة التركية كانت تخشى أنه إذا أصرت على موقفها، فإن البريطانيين قد يدعمون الكرد ويبنوا دولة لهم، ولأنها كانت خائفة من ذلك، فقد اتفقت مع البريطانيين على أساس ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الكرد، إلا أن الدولة التركية لم تتخل عن هذا الموقف، وقامت على وجه الخصوص بعد ظهور الحركة التحررية الكردستانية وتنامي ثورة حرية كردستان، بإعادة مراجعة موقفها من احتلال المناطق الحدودية من الميثاق الملي، وتحاول حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تحقيق هذا الهدف، وقد تم جلبهم إلى السلطة لهذا الغرض. 

وكان تأسيس الدولة العراقية سنيّاً بامتياز، حيث كان يجري إعداد الدولة العراقية لتكون الدولة القومية العربية الكبرى التي وعد بها البريطانيون؛ وتم إعداد فيصل كملك لدولة قومية عربية، لكنه أصبح فيما بعد ملكاً على سوريا، وبعد أن تُركت الأراضي السورية لفرنسا، عُيّن ملكاً على العراق، وباتت تلك الملكية العراقية معزولة تماماً عن المجتمع، وهي انعكاس للحداثة الرأسمالية، ومثل غيرها من ممالك الدول القومية في الشرق الأوسط، أطاحت الطبقة الوسطى التي تطورت مع مرور الوقت في العراق بالأنظمة الملكية، وشكلوا أنظمة دول قومية أكثر تقدماً، وعلى الرغم من أن القوى التي أطاحت بالأنظمة الملكية كان لها رد فعل واضح ضد قوى الحداثة الرأسمالية، وخاصة بريطانيا، إلا أنهم طوروا النزعة القومية للدولة القومية بشكل أكثر، وتسببوا في ترسيخ الحداثة الرأسمالية بشكل متزايد في المجتمع، وفي الواقع، إن الدولة القومية هي الأداة الأساسية للحداثة الرأسمالية، ومع تطور الدولة القومية، تتطور بموازاتها أيضاً الحداثة الرأسمالية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك، الحزب الديمقراطي الذي أطاح بالنظام الكمالي في تركيا، والحركة الناصرية في مصر، والبعثيون الذين ظهروا في سوريا والعراق، ويمكن تصنيف الحركة الخمينية التي أطاحت بنظام الشاه في إيران ضمن هذه الفئة أيضاً، ولأن الأنظمة التي سبقت هذه الحركات كانت تتكون من الطبقات العليا في المجتمع، فإن النظام الذي طوروه لم ينتشر في المجتمع، ولكن، عندما وصلت قطاعات من الطبقة الوسطى إلى السلطة على نطاق أوسع، أصبحت الحداثة الرأسمالية أكثر انتشاراً في المجتمع.

دور القوى الرأسمالية في قمع انتفاضات الكرد

ونظراً لأن كردستان كانت مقسمة ومجزأة من قِبل نظام الحداثة الرأسمالية، فقد أصبحت بريطانيا طرفاً في قمع انتفاضات الكرد، حيث تدخلت على وجه الخصوص، لقمع الحركات في جنوب كردستان، وقام البريطانيون أنفسهم بقمع انتفاضة البرزنجي، وساند البريطانيون الدولة العراقية في العمليات ضد منطقة بارزان وشاركوا في العمليات العسكرية، لكن عندما انهارت الملكية العراقية الموالية لبريطانيا، غيّرت قوى الحداثة الرأسمالية سياستها في العراق، وبعد هذه المرحلة، قدمت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الدعم للحركات المعارضة للدولة العراقية، حيث كان عرب إسرائيل، على وجه الخصوص ينتهجون سياسة خاصة تهدف إلى إضعاف دولهم والحيلولة دون توحد الدول العربية ضدهم، وفي هذا السياق، دعموا البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، والحقيقة أن عبد الكريم قاسم الذي أطاح بالملكية إلى جانب الكرد على اساس حل القضية الكردية، وعلى الرغم من أنهم كانوا قريبين من التوصل إلى الحل، إلا أن الحرب والصراعات بدأت من جديد؛ وكان ذلك نتيجة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل، ومنذ تلك المرحلة، أصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني تحت سيطرة قوى الحداثة الرأسمالية، واليوم، لا يزال الحزب الديمقراطي الكردستاني يتحرك تحت سيطرة القوات الخارجية، ويحاول الاعتماد على القوى الخارجية والاستمرار في وجوده، ومما لا شك فيه، أنه يقوم بهذه السياسة من خلال التضحية بكردستان والشعب الكردي، حيث تدعم القوى الخارجية الحزب الديمقراطي الكردستاني من أجل مصالحها الخاصة في العراق وكردستان، وفي هذا الصدد، يُعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني القوة الأكثر ترويجاً للحداثة الرأسمالية في كردستان، ويعمل كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني وبارزاني على خدمة نشر الحداثة الرأسمالية وكذلك ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الكرد.

يستخدم الحزب الديمقراطي الكردستاني الكردايتية كأداة للاستمرار في سلطته

كما يجب علينا أن نفهم جيداً التنظيم والمؤسسات التي ظهرت في جنوب كردستان، فعندما توصلت قوى الحداثة الرأسمالية إلى اتفاق مع صدام عبر إيران عام 1975، سحبت دعمها من الحزب الديمقراطي الكردستاني، واستسلم الحزب الديمقراطي الكردستاني وترك الشعب يواجه الموت، وعندما خان الحزب الديمقراطي الكردستاني واستسلم بشكل واضح، واصلت القوى الوطنية خوض النضال وحالت دون تدمير شعب جنوب كردستان، لكن بعد ظهور حزب العمال الكردستاني وتطور ثورة حرية كردستان، قامت قوى الحداثة الرأسمالية بإحياء الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكي لا تفقد هيمنتها على كردستان واستخدمته ضد تطور ثورة حرية كردستان بقيادة حزب العمال الكردستاني، وظهرت المؤسسة الفيدرالية بهذه الطريقة في كردستان، وللحيلولة دون صعود ثورة كردستان، برز بناء الفيدرالية، وهنا جعلوا الحزب الديمقراطي الكردستاني هو المسيطر، وبهذه الطريقة، حاولوا الحفاظ على هيمنة ومصالح الحداثة الرأسمالية في كردستان، ووافقت الدولة التركية على الفيدرالية الآنفة الذكر للوقوف ضد حزب العمال الكردستاني وسد الطريق أمام تطور ثورة كردستان، وكما هو واضح وجلي، فإن إنشاء الفيدرالية في جنوب كردستان هو هيكلية ارتأت قوى الحداثة الرأسمالية والدولة التركية القبول به على مضض وتطويره في مواجهة ثورة حرية كردستان المتقدمة، وهذه ليست نتيجة نضال الحزب الديمقراطي الكردستاني، بل تشكلت من خلال نضال الشعب والقوى الوطنية وتطور ثورة حرية كردستان، إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني استولى على السلطة بدعم من القوى الخارجية واستخدم الاعتراف الآنف الذكر من أجل مصالحه الخاصة، ويعلم الشعب الكردي كيف أن بارزاني والأوساط المحيطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني غارقون في الثروة والفساد ويتوسعون، والآن، وبسبب التغير في التوازنات، تقول عائلة البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني إن الوضع في جنوب كردستان في خطر، لكن في الواقع، ما هو على المحك على أساس الاعتراف الفيدرالي هو الموقف والسلطة اللذين يتم تطويرهما من قِبل بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن الواضح جداً أن البناء تحت مسمى الاعتراف لا يخدم بأي شكل من الأشكال لا كردستان ولا الشعب الكردي، بل يخدم بالكامل الحزب الديمقراطي الكردستاني والبارزاني وشركائه، ويحاول بارزاني الحفاظ على سلطته باستخدام القومية والكردايتية، وفي الواقع، الكردايتية هي مجرد أداة بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن ناحية أخرى، فإن وضع الشعب الكردي واضح للعيان، ومن ناحية أخرى، عندما تحتل الدولة التركية جنوب كردستان، وعندما يتم تطوير الإبادة الجماعية بحق الكرد، لنصرخ مطالبين الحزب الديمقراطي الكردستاني بالوقوف ضدها، والوقوف معهم، عندما يقوم الحزب الديمقراطي الكردستاني بهذه الأمور باسم الاعتراف المذكور، فإن القوى الأخرى لا تستطيع إيقاف الحزب الديمقراطي الكردستاني ولا يمكنهم اتخاذ موقف ضد ذلك، وبطبيعة الحال، من المستحيل أن تخدم مثل هذه الهيكلية كردستان، وبالأساس، سياسات القوى الأجنبية ومصالحها في العراق وكردستان تقوم على بعض الأشخاص والأوساط الجشعة وعائلات رجال الأعمال والمرابين الذين ابتعدوا عن المجتمع، وخاصة البارزانيين الذين تتخذهم كأساس، وهم أحد الركائز الأساسية لانتشار الحداثة الرأسمالية في كردستان، وما يجب القيام به لمواجهة هذه الحقيقة هو إجراء تغيير قائم على مبادئ التحول الديمقراطي، وهذا سيخرجها من خدمة القوى الأجنبية ويجعلها ساحة ديمقراطية نابضة بالحياة. 

 وجود الكرد يكمن في التنشئة الاجتماعية

اليوم، تعمل الحداثة الرأسمالية على نشر التنشئة الاجتماعية، وتطوير النزعة الفردية والأشخاص المنعزلين عن المجتمع، الذين يلهثون وراء الحياة المادية والمال، وبهذه الطريقة تطور نفوذها على المجتمع والأفراد، وفي كردستان، يتم ذلك على أساس الإبادة الجماعية بحق الكرد، وبهذا المعنى، فإن الضرر في كردستان سيكون أكبر وأكثر تدميراً. ومع تطور ثقافة وأسلوب حياة الحداثة الرأسمالية، لا يختفي المجتمع والتنشئة الاجتماعية فحسب، بل تنتهي مع ذلك الكردياتية أيضاً، والحقيقة هي أن الكردياتية هي ظاهرة مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية، فبدون التنشئة الاجتماعية، ليس هناك وجود للكرد، والآن يهدف العدو المحتل المستبد إلى الاستفادة من أضرار الحداثة الرأسمالية على المجتمع والأفراد لتنفيذ الإبادة الجماعية بحق الكرد، وتقوم الحداثة الرأسمالية بصياغة وتعزيز السياسات لتحقيق هذه الغاية من أجل تحسين آثارها، وهذه هي "الحرب الخاصة" التي يتم تطويرها من قبل العدو، لذلك، فإن الحرب الخاصة صعبة للغاية ومدمرة، وباستخدام جميع أنواع حجج الحداثة الرأسمالية وطرق انحطاط الفرد، فإن الهدف هو القضاء على الوعي الاجتماعي، ووعي العدو، والوطنية، والنضال، ووعي الحرية، وبالتالي إخضاع المجتمع على هذا الأساس، ويتمثل هدفه في أنه يسعى إلى القضاء على المجتمع الذي قام بإخضاعه والعمل على تحريفه عن مساره ورميه، وهكذا فهو يأمل ويهدف إلى ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الكرد، وبطبيعة الحال، فإن سياسة الحرب الخاصة تسير جنبا إلى جنب مع شن الهجمات والاحتلال وارتكاب المجازر، وتهاجم كل قلاع المقاومة ولا سيما الشعب والكريلا ، ويُراد من خلال تدميرهم أن يُترك المجتمع بلا حماية وتنظيم وبلا ذهنية، وترتبط هجمات العدو وجواسيسه والمتواطئين معه ضد الكريلا بهذا الأمر، ويُعتبر نظام التعذيب والإبادة المطلق الذي يتعرض له القائد أوجلان إحدى الممارسات العملية للحرب الخاصة، ويحرمون الشعب الكردي من آراء القائد أوجلان، ويتوقعون من الكرد أن يرتكبوا الأخطاء وأن يعيشوا حالة من انعدام القرار في النضال، ويجب على المرء أن يعرف أن العدو لديه مثل هذه السياسة، وفي هذا الصدد، فإن التكاتف حول القائد أوجلان والنضال من أجل هزيمة سياسات العدو والحداثة الرأسمالية أمر مهم للغاية.

وتعد المرأة والشبيبة على سُلم الأولويات في الحرب الخاصة التي يهدف العدو إلى تحقيقها، لأن المرأة والشبيبة هم القوة الأساسية للمجتمع، ومن ناحية أخرى، فإن ديناميكية النضال هي المرأة والشبيبة، ويؤكد القائد أوجلان على سمات المرأة والشبيبة كرواد للنضال والحرية، وهذا النهج للقائد أوجلان يعبر عن بداية وتجدد، ولهذا السبب، فإن المرأة الكردية التي حققت تقدماً كبيراً لم تصبح رائدة لنفسها فحسب، بل أيضاً رائدة في الشرق الأوسط والعالم، كما أن الشبيبة الكردية أيضاً يعيشون مثل هذا الوضع ويصبحون محور الثورة والتغيير، ولأن قوى الحداثة الرأسمالية تعرف هذا الوضع، فإنها تركز بشكل خاص على المرأة والشبيبة، وتلجأ إلى كافة الأساليب لدفع المرأة والشبيبة نحو الانحطاط، حيث أن العدو لا يفعل ذلك بشكل عشوائي، فهو يحاول أن يفعل ذلك من خلال الترويج لثقافة وأسلوب حياة الحداثة الرأسمالية، ويصوّر تجنب التنشئة الاجتماعية والنزعة الفردية والحياة المنحطة والرثة على أنها بمثابة حرية، ويحوّل الفن والرياضة والتكنولوجيا وكل ما يمكن تصوره كأداة لهذه السياسة، ويعمل على ترويج تعاطي المخدرات والتورط في الدعارة والتجسس في كردستان، ويعد جنوب كردستان هو أحد الأماكن التي تتسبب فيها هذه السياسة وتنفيذها بأكبر قدر من الضرر، والسبب في ذلك أيضاً هو وجود أشخاص وأوساط منغمسة في ذهنية الحداثة الرأسمالية ومتواطئة مع العدو، والحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه هو صانع هذه السياسة، ويرتكب الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) جميع أنواع الإبادة الجماعية الاجتماعية من أجل حماية نظام المصالح الخاصة الذي أنشأه وللحيلولة دون ظهور أي استياء شديد من المجتمع.

ويعزو السبب في الهجرة التي تجري في كردستان هو الحداثة الرأسمالية والحرب الخاصة التي يشنها العدو، حيث تعمل الحداثة الرأسمالية على قطع علاقات الأفراد بالمجتمع والأرض والوطن، وتشجع على السعي وراء المال والمادية والامتثال والحياة الفردية، ويهدف العدو إلى تدمير كردستان من خلال هجرة متعمدة ومخططة؛ ودفع الكرد إلى مغادرة كردستان في سياق الحرب الخاصة التي تشنها، وهو الآن يروج لذلك، حيث يجري تهجير معظم الشباب، وتعد سياسة التهجير هذه إحدى المعايير الأساسية للإبادة الجماعية بحق الكرد، وجنوب كردستان هو أحد أكثر الأماكن التي يتم فيها تنفيذ هذه السياسة، فبينما تعيش العائلات والأوساط المتواطئة في حالة من الترف، يرزح الشباب تحت وطأة الفقر وحياة الحداثة الرأسمالية ويتوجهون بالنتيجة إلى أوروبا، وفي المقابل، ناهيك عن تطوير النضال والسياسة، فإنهم لا يتحدثون عنها حتى، لذلك، هذا هو نتيجة مصالح وسياسات التواطؤ التي ينتهجها الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وإن الفقر الذي يعيشه شعبنا في جنوب كردستان معروف جيداً، ويضعون الشعب في حالة من اليأس من خلال قطع الإنتاج وإلقائهم في براثن الفقر، وهذه إحدى المفرزات التي خلقتها ذهنية وأسلوب حياة الحداثة الرأسمالية، ويتجلى هذا بشكل واضح وأكثر فظاظة في جنوب كردستان، حيث المجتمع معزول برمته عن الإنتاج، وهذا أحد أسباب انتشار حياة الحداثة الرأسمالية في جنوب كردستان، وكثيراً ما يُقال إنه ينبغي دفع الأجور أو زيادتها لمعالجة الفقر، لكن الوضع المعني هو بالفعل نتيجة لهذه الممارسة العملية، وما يجب فعله هو تحرير الاقتصاد من نير الفئات المحتكرة وتطوير الاقتصاد المجتمعي وجعل المجتمع منتجاً، فالخروج والتصحيح لا يكون ممكناً فقط بزيادة الرواتب، بل بتنفيذها، وبطبيعة الحال، ينبغي أن يتم ذلك ليس فقط في جنوب كردستان، ولكن في كل مكان.

علينا أن نعيد بناء الحياة على أساس الحداثة الديمقراطية

تعمل الحداثة الرأسمالية على إحداث التأثير على المجتمعات والأفراد من خلال استغلال العواطف وتشويه الأفكار والحقيقة في كردستان وفي جميع أنحاء العالم، أولا وقبل كل شيء، فهي تعمل على تشويه الحرية، ومع أيديولوجية الليبرالية، يقدم الإنسان، الذي هو حقيقة اجتماعية، الفردية والحياة الفردية على أنها بمثابة حرية، وبالتالي تخلق شعوراً زائفا بالحرية وتعزل الفرد عن المجتمع، ولقد أثبتت الحداثة الرأسمالية نفسها من خلال السيطرة على أولئك المنعزلين عن التنشئة الاجتماعية، والأمر الآخر، هو احتكار الحداثة الرأسمالية للعلوم والتكنولوجيا، وفي الأساس، تم تطوير العلوم والتكنولوجيا من قِبل المجتمع لتحسين الحياة الاجتماعية؛ لكن الحداثة الرأسمالية بنت الاحتكار على العلم والتكنولوجيا وحولتهما إلى أدوات لتدمير المجتمع، ولم يسبق حتى الآن لأي نظام أن احتكر العلوم والتكنولوجيا بقدر ما هيمنت عليهما الحداثة الرأسمالية، وهذه إحدى السمات الرئيسية التي تجعل الحداثة الرأسمالية خطيرة، واليوم، تقوم الحداثة الرأسمالية بتوجيه وإدارة المجتمع من خلال التكنولوجيا والهواتف والإنترنت، وتعمل وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تكنولوجيا الحياة الافتراضية، على نشر ثقافة الاستعراض والإباحية، وتذيب المجتمع بذلك، وتشجع على التمييز الجنسي، وتروج للإدمان على تعاطي المخدرات والعبودية، ونظراً لوجود قوى خائنة متواطئة مع العدو في كردستان تهدف إلى إبادة الكرد، فإن ذلك يسبب في إحداث المزيد من الدمار والخراب، وإن النضال ضد ذهنية وأسلوب حياة الحداثة الرأسمالية هو أساس الثورة والحرية، فيما أن الحرية والحياة الحقيقية لا تتحققان إلا من خلال التغلب على الحداثة الرأسمالية وهزيمة العدو المستعمر والمستبد والقوى الخائنة والمتواطئة.

ومن الضروري أن نفهم حياة وذهنية الحداثة الرأسمالية على أنها بمثابة أكبر هجوم على الكردياتية، فالشرق الأوسط ليس فقط مركز حضارة الطبقات الدولتية والحضارة والقوة المركزية، بل هو أيضاً في الوقت نفسه مركز الحياة الديمقراطية المجتمعية، وقد كان الشعب الكردي رائداً في ثورة العصر الحجري الحديث، والتي تعني الحياة المجتمعية والديمقراطية، ولذلك، فإن التنشئة الاجتماعية قوية جداً بين الكرد، وثقافتنا الاجتماعية تقدر الحياة الديمقراطية والمجتمعية، وليس النزعة الفردية والحياة الفردية، وهذا المعيار هو أساس الحياة الحقيقية والهادفة والحرة، والنقيض لهذا المسار هو الهيمنة والاستغلال والعبودية، وتمثل الحداثة الرأسمالية أكثر حالاتها انحداراً، وبالإضافة إلى وجود الخراب والتدمير الحاصل لدى المجتمع والناس، هناك أيضاً تخريب للطبيعة، وبما أن الحداثة الرأسمالية هي في الأساس هجوم ضد التنشئة الاجتماعية، فإن المجتمع الكردي يعيش التنشئة الاجتماعية بشكل متعمق، هو الذي عانى وتضرر أكثر من غيره، فالكردياتية متجذرة في التنشئة الاجتماعية، ومن المستحيل الحديث عن وجود كردياتية معزولة عن التنشئة الاجتماعية، لذلك، علينا كمجتمع كردي أن نناضل ضد ذهنية وأسلوب حياة الحداثة الرأسمالية وأن نطور حياة بديلة ضد الحداثة الرأسمالية، ولهذا، طوّر القائد أوجلان نظرية الحداثة الديمقراطية، وعلينا أن نناقش هذا الأمر بشكل مكثف وأن نعيد بناء الحياة على هذا الأساس".