المهرجانات الكردية بالخارج..صوت النضال لحرية "أوجلان" والتصدي لمحاولات محو الهوية

انطلقت في الآونة الأخيرة عدد من المهرجانات الكردية مثل مهرجان موسكو للسينما الكردية ومهرجان الثقافة والفن الكردي بأوروبا، والتي تلعب دور نضالي في الخارج لإيصال الصوت الكردي.

"يحيا القائد آبو" و"لا حياة بدون القائد" كانت كلمات تتردد بقوة على مسرح مهرجان الثقافة الكردية بفرانكفورت لتعبر عن شكل آخر من أشكال النضال تمارسها المهرجانات الكردية في الخارج سواء من أجل حرية القائد أوجلان أو للتصدي لمحاولات محو الهوية التي تمارسها الديكتاتوريات المحتلة لأراضي كردستان.

توضح رسالة منظومة المجتمع الكردستاني إلى مهرجان الثقافة والفن الكردي في أوروبا المنعقد في فرانكفورت هذا الدور النضالي، حيث أن الساحة الأوروبية الآن هي صوت ونافذة النضال الكردي المسموعة والمعبرة في العالم، كما أن هذه الساحة في الوقت ذاته هي المكان التي تم فيها قبول وإبرام معاهدة لوزان التي أقرت الإبادة الجماعية بحق الكرد، مشددة على  التذكير بمسؤوليات الدول النافذة والمؤسسات الدولية في أوروبا وفرض حل القضية الكردية عليهم على أساس التضامن مع المجتمعات الأوروبية.

وأبرزت الرسالة دور الثقافة في النضال الكردي، مبينة أن القائد أوجلان حدد استراتيجية النضال للمرحلة الجديدة كحرب الشعب الثوري بقيادة الكريلا، وهذا لا يعني إنه يجب على عموم الشعب أن يكون في نضال ملتهب كقياديين أو كريلا؛ إنما هذا يعني إنه يجب على الشعب الكردي تنظيم كافة مجالاته الحياتية وفق حقيقة النضال، والتي منها الجانب الثقافي، وقد قال القائد أوجلان من أجل الشعب الذي يعيش وينظم نفسه بهذه الطريقة، "حقيقة الشعب المحارب"، لا يمكن لأية قوة الوقوف في مواجهة النضال العادل وقوة شعب على هذا النحو.

يقول دلشاد مراد، رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء(ANF)، إنه لا يقل أهمية الفن، والثقافة عموماً، عن أي قطاع آخر لتلبية نداء الواجب في المراحل المصيرية لشعوبهم وبلدانهم، لما له من تأثير كبير في الذاكرة الجمعية للمجتمعات وفي بث روح المقاومة لدى الشعوب والأمم، وهذا بدوره له الدور الأساسي في ربط الفرد بمجتمعه ووطنه، وبالتالي في إذكاء وتعظيم وتمتين حالة المقاومة والدفاع الذاتي لأي شعب ما.

وأضاف، أنه قد لعب الفن الكردي دور لافت في الحفاظ على اللغة والثقافة، بما فيه توثيق جوانب مهمة من التاريخ الكردي من مقاومات وثورات وانتفاضات، وبطولات المقاومة الكردية تجاه سياسات القمع والإبادة المتبعة من جانب الأنظمة الحاكمة في المنطقة، وهكذا فإنه يمكن عن طريق الفن إيصال الواقع الذي يمر به الأمة الكردية ومطالبها العادلة في الحرية والعيش بكرامة جنباً إلى جنب مع الشعوب الأخرى في المنطقة.

يقول بوزان كرعو المحلل السياسي الكردي المقيم في النمسا في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء(ANF)، أن  المهرجانات الكردية في أوروبا تساهم  في تسليط الضوء على الفن والتراث الكردي في أوروبا، مما يساعد الجاليات الكردية على الحفاظ على هويتها الثقافية رغم بعدهم عن الوطن، كما تعمل على تعريف المجتمعات الأوروبية بثراء الثقافة الكردية.

وأضاف، ان المهرجانات الكردية تشكل جسراً ثقافياً بين الكرد والمجتمعات الأوروبية، وتساعد في تعزيز قيم التعددية الثقافية والإندماج، لأن  الفن والموسيقى والرقص الكردي يجذب جمهوراً متنوعاً من الأفراد الذين قد يكونون غير مطلعين على القضية الكردية ويتمكن الفنانون الكرد من بناء علاقات تضامنية مع فنانين أوروبيين ومؤسسات ثقافية، مما يخلق وعياً دولياً بالمسائل السياسية والاجتماعية التي تواجه الشعب الكردي.

بينما يقول مصطفى كابان رئيس مركز الجيواستراتيجي للدراسات والمقيم في ألمانيا في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء(ANF)، المهرجانات الكردية ضرورية جداً خاصة مع زيادة أعداد الشعب الكردي في أوروبا، حيث هناك جالية كردية كبيرة تتجاوز عددهم 4 مليون كردي وأصبح عدد الكرد السوريين يتجاوزون 700-800 ألف شخص.

وأضاف، أن تلك  المهرجانات لها تأثير كبير جداً لأن المجتمعات الأوروبية تتعرف من خلال هذه المهرجانات على المجتمع الكردي على المستوى الثقافي والفكري والفني، مما يساعد على التبادل الثقافي بين المجتمع الكردي والمجتمعات التي يتواجد فيها الكرد في الخارج.

 ولفت "كابان" إلى أن تلك المهرجانات تساعد على التفاف المجتمع الكردي حول ثقافته في أوروبا خاصة مع اندماج المجتمع الكردي بالثقافة الغربية، ولذلك هي تساعد في التمسك بالثقافة والفلكلور الكردي.

قضية القائد أوجلان

بينما كانت قضية القائد أوجلان حاضرة وبقوة في مهرجان الثقافة الكردية في أوروبا، حيث أوضحت اللجنة التحضيرية للمهرجان أنه يجب على آلاف الأشخاص أن يصبحوا صوت القائد آبو حيث لا يتم تلقي معلومات منه، كما ويتوجب على جميع النساء، الشبيبة، الأطفال، كبار السن والأمهات المشاركة في المهرجان لكسر العزلة المفروضة على القائد آبو في هذه المرحلة.

وأهدت إدارة المهرجان النسخة الـ32 لمقاومة زاب، حيث تواجه قوات الكريلا مقاومة عظيمة ضد الاحتلال وتوجه ضربات موجعة لحزب العدالة والتنمية، الحزب الديمقراطي الكردستاني وداعش.

تحدثت الرسالة الموجهة من منظومة المجتمع الكردستاني إلى المهرجان إلى دور أوروبا في المؤامرة الدولية التي نُفذت ضد القائد أوجلان والشعب الكردي، مشيرة إلى أنه قد تم تحديد دور مركزي في حملة  "الحرية للقائد أوجلان، الحل للقضية الكردية" التي انطلقت في 10 تشرين الأول 2023 للساحة الأوروبية.

ويقول حكيم صفقان، الفنان والشاعر الكردي المشارك في مهرجان فرانكفورت للثقافة الكردية في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أن المهرجان والفعاليات التي سبقته كانت تنادي بحرية القائد أوجلان، حيث كانت قضية القائد عبد الله أوجلان هي أولوية المهرجان، مبيناً أن  100 شاب من مختلف جنسيات العالم من ألمان وانجليز وكرد وحتى من أفريقيا قاموا بعمل مسيرة طويلة من يوم 16 وحتى يوم 21  تحت شعار الحرية للقائد أوجلان وجاء الشباب وانضموا إلى المهرجان وصعدوا على المسرح وحيوا المشاركين.

 وأضاف، أن قضية القائد أوجلان كانت القضية الأساسية للعديد من المشاركين حتى الذين أتوا من جنوب أفريقيا وأحزاب ألمانية وكل المحاضرين في المهرجان كانت الأولوية لقضية حرية القائد عبد الله أوجلان، حيث كانت أحد شعارات المهرجان وإن لم تكن مكتوبة على البطاقات هو حرية القائد أوجلان.

وحول تلك النقطة يشير "مراد" إلى أنه تقوم المؤسسات الفنية والثقافية الوطنية في كردستان بفعاليات فنية وثقافية مستمرة "أغان وموسيقا، سينما، مسرح، آداب، مهرجانات فنية وثقافية..."  لنشر الثقافة الكردية، وتضامناً وتحقيقاً لحرية القائد والمفكر عبدالله أوجلان الذي أولى الفن والثقافة درجة كبيرة من اهتمامه، داعياً المثقفين والفنانين الكرد إلى الالتزام بقضايا شعبهم ومجتمعهم في نتاجاتهم الفنية والأدبية.

وأوضح رئيس تحرير مجلة شرمولا الأدبية، أنه في الفترة الأخيرة حدث تضامن كبير وواسع من جانب الأكاديميين والمثقفين في العالم العربي والغربي مع القضية الكردية، ومسألة حرية القائد أوجلان، الذي يحمل رؤى وفلسفة إنسانية جمعاء تخص جميع شعوب المنطقة والعالم.

بينما يرى "كرعو"، إن الفن الكردي في أوروبا  يحمل في طياته الكثير من الرسائل المتعددة، بعضها يتعلق بقضايا سياسية مثل قضية عبدالله أوجلان، لكن هذا يختلف باختلاف الفعاليات والمهرجانات.

ولفت المحلل السياسي الكردي المقيم في السويد، أن تلك المهرجانات تلعب دور سياسي محدود ولكن موجود، حيث هناك مهرجانات فنية كردية قد تتضمن أنشطة أو فعاليات تشير إلى قضايا سياسية مثل حرية عبدالله أوجلان، خاصة في الدول أو المدن التي توجد فيها تجمعات كردية كبيرة، وهذه الفعاليات قد تشمل أعمالًا فنية تجسد معاناة الشعب الكردي تحت الحكم التركي، بما في ذلك قضيته، ولكن عادةً ما يتم تقديمه بشكل غير مباشر، ويتم ذلك غالباً عبر الأدب، المسرح، الموسيقى، أو حتى أفلام تتناول معاناة الكرد.

وأردف، أنه في بعض الأحيان ، تكون المهرجانات  محايدة سياسياً وتركز فقط على الترويج للثقافة والفن الكرديين بدون إقحام القضايا السياسية المباشرة. الهدف الأساسي من هذه الفعاليات هو الاحتفاء بالتراث والحفاظ على اللغة والفن الكردي، و مع ذلك، يعتبر الفن وسيلة قوية للتعبير عن القضايا السياسية ، ويمكن أن يكون هناك رسائل ضمنية حول الحرية والعدالة وحقوق الإنسان تُعبّر عن معاناة الشعب الكردي، بما في ذلك المعتقلين السياسيين مثل أوجلان.

كما يوضح "كابان"، أن المهرجانات الكردية تتحدث عن القضية الكردية والظلم الواقع على الكرد، وقضية القائد عبد الله أوجلان تأتي في هذا السياق، كأحد أهم القضايا التي تعبر عن معاناة الكرد في كردستان، كما أنها توضح مظلومية الكرد ومنها مظلومية القائد عبد الله أوجلان كأحد رموز النضال الكردي.

ولفت رئيس مركز الجيواستراتيجي للدراسات، أنه تتزامن المهرجانات الثقافية الحالية مع المظاهرات والمطالبات التي تنشط في هذا الوقت من العام للمطالبة بحرية القائد عبد الله أوجلان وحتى شهر فبراير، سواء كانت فعاليات من المجتمع المدني أو الحركات السياسية ويكون جزء منها الحراك الثقافي الذي يركز جزء من قضاياه عن حرية القائد أوجلان والعزلة المفروضة عليه، وذلك للضغط على المحكمة الأوروبية والمؤسسات الأوروبية من أجل الضغط على الدولة التركية.

 ولم يغفل كابان دور مهرجان الثقافة الكردية في فرانكفورت للتعريف بقضية حرية القائد أوجلان، مبيناً أنه لتعريف غير الكردي بالثقافة الكردية لابد أن تمر على الفكر الكردي الذي استحوذ القائد أوجلان على قسم كبير منها عبر فلسفته ومؤلفاته الفكرية، ولذلك تناول المهرجان لقضية أوجلان هو أمر هام للتعرف على شخصه وإنتاجه الفكري  كـ فيلسوف ومصدر إلهام للحركة الوطنية الكردية.

الفن الكردي ومواجهة الإنكار من الأنظمة القمعية

كانت الواجهة الرئيسية للكثير من المهرجانات الكردية في الخارج سواء في روسيا أو أوروبا هي محاربة سياسات الإنكار والإلغاء للهوية الكردية التي تمارسها الأنظمة القمعية في الدول المحتلة جغرافيا كردستان، وظهر هذا جليا في فيلم "سنجار" الذي افتتح مهرجان موسكو للسينما والذي جسد معاناة تلك البقعة الكردية ذات الديانة الأزيدية مع داعش.

وتوالت الأفلام في مهرجان موسكو التي تناهض فكرة المحو والإلغاء للثقافة الكردية  في وجه الدكتاتوريات، بداية من نظام صدام حسين حيث جسد فيلم "الحصان" محاولة البطل العودة لمنزله بعد سقوط  نظامه، وتنظيم داعش الذي جسد معاناة الكرد تجاهه فيلم "الموصل بيتي"، وهو عبارة عن رحلة سير على الأقدام عبر أنقاض الموصل، والنظام الإيراني في فيلم "ابتسامة مهسا" الذي يتناول موضوع الهجرة، والفاشية التركية والتي ناقشها بوضوع الفيلم الأسطوري " مصطفى باشا يامولكي مناضل من أجل العدالة" الذي يتناول قصة  الضابط الذي أصبح عضواً في المحكمة العسكرية العليا في اسطنبول بعد الحرب العالمية الثانية، ويلاحق المتورطين في ملف إبادة الأرمن.

كما ناقشت رسالة (KCK) إلى مهرجان فرانكفورت، دور تلك المهرجانات في التصدي لمحاولات محو الهوية، مبينة أن  القيم والثقافة الوطنية الكردية لا تزال تتعرض للتهديد والقمع الكبير من قبل الدول الاستعمارية في كردستان، وكما حدث في الآونة الأخيرة، فإن النظام التركي هاجم اللغة والدبكة الكردية، وطبق بشكل مكثف أساليب الحرب الخاصة  لوضع الشعب الكردي بحالة تتعارض مع قيمه ونضاله، مشيرة إلى أن الثقافة هي المجال الذي يمكنه الرد على الحرب الخاصة.

وحول تلك النقطة أشار "كرعو" إلى أن  الفن والمهرجانات في الدول الأوروبية تعتبر مساحة مفتوحة للكرد للتعبير عن قضاياهم بحرية، بعيداً عن القمع الذي يتعرضون له في تركيا، سوريا، أو إيران، وهذه الفعاليات تساهم في مواجهة محاولات الإنكار والقمع من خلال توعية المجتمع الأوروبي، حيث تساهم المهرجانات في تعريف المجتمع الأوروبي بالمعاناة التي يتعرض لها الأكراد في ظل الأنظمة القمعية، وذلك عبر نشر قصص المعاناة والانتهاكات من خلال الفن، مما يمكن تحفيز التضامن الدولي وزيادة الضغوط على هذه الأنظمة.

وأوضح السياسي الكردي المقيم في السويد، أن تلك المهرجانات أصبحت منصات للمعارضة السلمية، حيث يتيح الفن مساحة للتعبير عن المعارضة بطريقة غير عنيفة، مما يساعد في نقل الرسالة الكردية إلى العالم بأسلوب حضاري وجذاب، ويمكن أن يُعرض الفن كمقاومة سلمية ضد القمع، ويصبح جزءا من حركة أكبر تدعو إلى حقوق الإنسان والعدالة.

ولم يغفل "كرعو" دور تلك المهرجانات في حماية الهوية ضد محاولات المحو الثقافي  من خلال الحفاظ على اللغة والفلكلور والفن، ومقاومة سياسات القمع الثقافي التي تنتهجها بعض الأنظمة مثل تركيا، التي حاولت على مدى عقود إنكار وجود الهوية الكردية، لذا فإن الحفاظ على الفلكلور والموسيقى واللغة الكردية يعتبر في حد ذاته عملاً مقاوماً.

بينما أوضح "صفقان" في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء(ANF)، أن وجود الكرد وإقامة مهرجات للثقافة الكردية بحد ذاتها هو نضال ضد القمع التركي أو الإيراني للشعب الكردي، والمحاضرين كان لهم كلمات ضد القمع أينما يكون، ولكن المهرجان اهتم أكثر بالجوانب الثقافية والفنية.