في هذا الكتاب يناقش الكاتب الكردي محمد أرسلان علي، المقيم بالقاهرة، فصل هام من فصول قضية الشعب الكردي إنطلاقا من "مؤتمر القاهرة 12-23 مارس آذار 1921". والكتاب يتناول التأثيرات السلبية على منطقة الشرق الأوسط، وتقسيم دول المنطقة وتقطيع أوصالها لخدمة مصالح بريطانيا وورثتها، وذلك من خلال التأصيل لعملية غرس جذور التفرقة والصرع ووضع أسس المشكلات التي مازالت تعاني منها المنطقة حتى الآن، وتلقي بظلالها على عدة قضايا، في مقدمتها القضية الكردية.
هذا المؤتمر التاريخي الذي استضافته العاصمة المصرية، من دون أن "تشارك" به، أو هكذا كان الظن، فالعلاقة بين مصر و"نظرية الدور" في العلاقات الدولية، تكاد تكون "قدرا محتوما" في يقين أكثر الواقعيين، والكاتب لا يتبنى فقط النظرية الواقعية ولكنه تميز في كتاب تاريخي، بنظرة استشرافية، ويقول المؤلف عن كتابه "قبل قرن من هذا التوقيت تم عقد مؤتمر القاهرة في 1921 في فندق سمير أميس في وسط القاهرة وعلى ضفاف النيل وفيه تم اتخاذ الكثير من القرارات والتي كان لها وقعها على مستقبل المنطقة حتى راهننا".
ويتابع المؤلف السوري الجنسية، ليس من إنطلاقا من متابعة السير ومد الخط على امتداده، ولكن إستنادا إلى تفكير جدلي، قائلا: "المهم بالنسبة لنا هو الآن بعد مائة عام من ذاك المؤتمر وما تمخض عنه، يبقى السؤال المطروح: ما هو المطلوب مصريا؟ وما الذي يمكن أن تلعبه مصر من أجل إصلاح ما تم عطيبه قبل قرن على يد الانكليز؟ وهل آن الأوان لأن تلعب مصر دورها الريادي في المنطقة وتعود كما كانت تاريخيا قوة لها وزنها ورؤيتها للمنطقة عامة؟ أم أنها ستبقى كما كان مطلوب منها تابعة للآخر أو منكفئة على نفسها؟".
"طبعا، ثمة الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها والاستفسار عنها للتوصل لبعض الأجوبة التي ستكون المحدد لدورها في المستقبل. خاصة أن المنطقة تشهد نوعا من بوادر حرب عالمية ثالثة سيكون هدفها تغيير الكثير من الحقائق التي كنا يوما ما نؤمن بأنها من المسلمات"، هذا هو رأي الكاتب المعروف بإهتمامه بدراسة تاريخ منطقة الشرق الأوسط، في كتابه الصادر عن دار نفرتيتي للنشر، التي ذكرت أن "الكتاب لا يعبر بالضرورة عن رأي الناشر"، لاكنها نشرت له بنفس العام أيضا كتاب "أورفا خليلة الرحمن" في طبعته الأولى.
من خلال نحو 300 صحفة، يقاتل الكاتب، بحثا عن "القاهرة" بعد قرن من "مؤتمر الأربعين حرامي"، فبدأ بحثه عن ما أسماه "الحرب العالمية الثالثة" بين غمار الحرب العالمية الأولى وتداعياتها، بعد أن ناقش أزمات ما قبل الحرب، ومنها "أزمة مراكش الأولى 1905"، و"أزمة مراكش الثانية 1911"، و"أزمة البوسنة والهرسك 1908"، و"حرب البلقان الأولى سنة 1911"، والثانية في العام 1913، من دون إغفال "حروب البقان الأولى والثانية سنة 1911"، وصولا إلى انتهاء تلك المعارك باغتيال ولي العهد النمساوي في سراييفو سنة 1914
وحتى تضع الحروب أوزارها، ينتقل الكتاب إلى معاهدات الصلح والتقاسم الاستعماري، والمؤامرات التي لا تزال المنطقة تعيش تداعياتها إلى يومنا هذا، بداية من سايكس بيكو إلى معاهدة سيفر 1920، محددا خرائط الجغرافيا السياسية لتلك المعاهدت ومناطق النفوذ وفق كل واحدة منها، كاشفا عن "منطقة نفوذ اليونان (أزمير)"، و"منطقة نفوذ إيطاليا".
الكتاب الباحث عن "كردستان" بين خيوط "مؤامرات" القوى الكبرى ومحاضر "مؤتمراتهم"، يبدأ تفتيشه في حفريات مؤتمر سان – ريمو 1920، ومعاهدة لوزان، قبل الدخول إلى قضية الكينج، واستعراض التطورات السياسية في سوريا، وموقف الكرد من الاحتلال، ويستحضر جذور التواجد الفرنسي في منطقة شمالي سوريا، وهو ما لا ينفصل عن الكرد في شمال العراق، وفي القلب من ذلك تموضع "الموصل" في فترة الانتداب البريطاني، وتموقع ذلك كله في معاهدة عام 1922.
حينما ينتصف الكتاب، يجد القارئ نفسه أمام ذروة الأفكار والتساؤلات حول "مؤتمر القاهرة والأربعين حرامي"، فيستعرض الكاتب "جدول أعمال مؤتمر القاهرة في 12-24 أذار 1921"، "عقد مؤتمر القاهرة (الملحق ج)"، وما بعد مؤتمر القاهرة.
والمؤتمر تزعمه وزير المستعمرات البريطاني، ونستون تشرشل، الذي تولى منصب رئيس وزراء بريطانيا فيما بعد، وانعقد في فندق سميراميس بالقاهرة، في الفترة من 12 إلى 23 مارس 1921، بحضور القادة العسكريين البريطانيين والمديرين المدنيين في الشرق الأوسط، لمناقشة ووضع سياسة بريطانية موحدة للمنطقة، في سياق عدد من الاتفاقيات عُقدت قبله وبعده، منها سايكس بيكو 1916، ووعد بلفور 1917، واتفاقيتي أنقرة ١٩٢١ و١٩٢٦.
لا يغفل الكتاب ملامح أساسية تحدد علاقة القوى الإقليمية غير العربية في منطقة الشرق الأوسط، فيتحدث عن "العلاقة التركية - الكردية"، و"والعلاقات الكردية- الإيرانية"، والكرد في سوريا والعراق، وأزمة المنطقة والحلول المفترضة، بما في ذلك ما يراه حول "تجاوز مفهوم الدولة القوموية النمطي"، مشيرا إلى ضرورة البحث عن محاور في العلاقات العربية- الكردية، مخصصا الفصل الأخير بعنوان "مصر والعلاقات العربية الكردية".
ويختتم الكاتب كتابه أيضا بصفحات عدة حول المفكر عبدالله أوجلان في قلب العلاقة العربية- الكردية، قبل أن يضعنا في صورة القاهرة بعد قرن من الزمن.