وعيد إيراني وطوارئ في إسرائيل وأمريكا منذ هجوم القنصلية.. ماذا يحدث؟

رغم أن إيران لم ترد بعد وتواصل وعيدها منذ هجوم القنصلية بدمشق، شرع الجيش الإسرائيلي في مجموعة من الاستعدادات، كما دخلت الولايات المتحدة في حالة استنفار.

قبل أيام، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيعلق منح الإجازات لجميع الوحدات القتالية، بعد يوم من إعلانه حشد مزيد من القوات في وحدات الدفاع الجوي، وسط احتمالات متصاعدة بشأن الرد الإيراني على القصف الجوي الذي نفذته إسرائيل على السفارة الإيرانية في دمشق.

وقد جاءت ضربة القنصلية كواحدة من أخطر الضربات التي طالت أهدافاً إيرانية، ليس على مستوى الخسائر فحسب، بل كذلك لأنها طالت مقراً دبلوماسياً، رغم أن تل أبيب لم تعلن بشكل رسمي – كما جرت العادة – بعد مسؤوليتها عن الهجوم الذي قطع رأس محمد رضا زاهدي مسؤول فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا.

استعداد لكل الاحتمالات

وأعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية راكيلا كارامسون أن دولة إسرائيل مستعدة لكل الاحتمالات، وأنه سيتم الرد بقوة على أي محاولة للهجوم، في الوقت الذي تم فيه تعطيل خدمات نظام تحديد المواقع العالمي "جي.بي.إس"، كإجراء يهدف على ما يبدو إلى تحييد الصواريخ الموجهة.

وكانت طهران توعدت بالرد على مقتل اثنين من جنرالاتها وخمسة مستشارين عسكريين في غارة جوية على مجمع دبلوماسي إيراني في العاصمة السورية دمشق، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه هجوم إسرائيلي، ويمثل واحداً من أبرز عمليات استهداف المصالح الإيرانية في سوريا، حليفة طهران الوثيقة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه في حالة حرب وأن نشر القوات يخضع لتقييم مستمر وفقاً للاحتياجات، ومع قلق الإسرائيليين من تصعيد محتمل، أصدر الجيش في وقت لاحق بياناً قال فيه إنه لم تطرأ تغييرات على توجيهاته الاسترشادية على الجبهة الداخلية، وإنه لا حاجة لجمع المواد الغذائية أو النقد أو مولدات الكهرباء.

أما صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فنقلت عن مسؤولين أمريكيين في واشنطن والشرق الأوسط قولهم إنهم يستعدون لرد إيراني محتمل على الغارة الإسرائيلية في سوريا، حيث تم وضع القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة في حالة تأهب قصوى، ووضعت إسرائيل أيضا جيشها في حالة تأهب قصوى.

ونقلت الصحيفة الأمريكية، أيضاً عن مسؤولين إيرانيين طلبا عدم الكشف عن هويتهما، قولهم إن إيران وضعت جميع قواتها المسلحة في حالة تأهب قصوى، وإنه تم اتخاذ قرار بأن إيران يجب أن ترد مباشرة على هجوم دمشق لخلق الردع.

نقطة تحول

No description available.

في هذا السياق، يقول هاني سليمان المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات إن الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية عملية نوعية بامتياز، فهي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، رغم التاريخ الطويل للصراع والصدام بين طهران وتل أبيب، مؤكداً أننا أمام محطة مهمة جداً وتحول نوعي في مسار ومربع العلاقات والاستهداف بين الجانبين، ويشكل تصعيداً مهماً له تداعيات كبيرة على مستقبل المواجهات.

وأوضح سليمان، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هناك مواجهات كلاسيكية يتم فيها استخدام حزب الله، ثم انتقلنا لمرحلة أكثر تقدماً باستهداف إسرائيل علماء نوويين إيرانيين ومنشآت نووية، ثم مرحلة عمليات متبادلة داخل الأراضي السورية، وحرب الناقلات والهجمات السيبرانية، وصولاً إلى رجوع إسرائيل لاغتيال قادة الحرس الثوري الإيراني.

ويلفت الخبير في الشأن الإيراني إلى أن المرحلة الحالية يتم فيها توظيف المليشيات والفاعلين الإيرانيين للقيام بالمواجهة بالإنابة من خلال النشاط الحوثي في البحر الأحمر، والتفعيل الجزئي لنشاط حزب الله اللبناني، مضيفاً أن عملية القنصلية ربما تأذن بتصعيد خطير ونقل مستوى الصدام إلى مرحلة أكثر تقدماً في المرحلة المقبلة، مدللاً على أن ما يدعم طرحه تنامي الاستهدافات الإسرائيلية للقادة الإيرانيين وصولاً إلى عملية القنصلية التي أطاحت قيادي كبير في الحرس الثوري وفيلق القدس مثل محمد رضا زاهدي.

وشدد سليمان على أن سقوط زاهدي تحديداً ضربة موجعة للنظام الإيراني والمليشيات الموالية لها تأتي في الأهمية كمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق، مشيراً إلى أن هذه الاغتيالات قد تؤدي إلى أزمة جيل داخل الحرس الثوري، لأن هذا الجيل الذي يقتل كان مؤمناً بأفكار "الثورة" والأسس التي يقوم عليها النظام الإيراني، عكس الجيل الجديد الذي قد يرتبط ببعض المنافع.

وفي سياق حديثه، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يقول إن التصريحات خرجت من مختلف المسؤولين الإيرانيين تتوعد برد شديد، وعليه فإن جملة هذه التصريحات تؤكد أنه سيكون هناك تعامل مختلف ورد مغاير مقارنة بأي عملية سابقة، كما أن النظام الإيراني يواجه أزمة كبيرة في الوقت الحالي متعلقة بشكله وسمعته في ظل تواصل الاستهدافات، وعليه التحرك لحفظ ماء الوجه الإيراني.

وحول سيناريوهات الرد يقول المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات إن السيناريو الأول أن يكون هناك رد لحفظ ماء الوجه ويكون على غرار ما جرى في مناسبات سابقة، أي رد محدود وهذا حدث حتى في مقتل سليماني. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في تحريك أكبر للمليشيات في المنطقة، أما السيناريو الثالث، فهو استهداف الداخل الإسرائيلي، والأخير بالتأكيد أمر له حسابات دقيقة بناء عليها سيتم تحديد الرد، مرجحاً ألا يكون الرد بالحجم المتوقع.

وجدد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية اللواء محمد باقري تهديدات طهران بالرد، إذ قال إن ما وصفها بـ "العملية الانتقامية" ستتم في الوقت المناسب وبتخطيط وبأقصى قدر من الضرر للعدو بما يجعله يندم على عمله، مضيفاً: "نحن من نحدد وقت العملية وخطتها".

وعود جوفاء

No description available.

بدوره، يقول محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الجانب الإيراني يدرك أنه يتعرض لاستفزاز كبير من قبل الجانب الإسرائيلي على نحو فاق كل التوقعات، على نحو يدل على ضرورة وجود رد من الجانب الإيراني على كل العمليات والهجمات التي تتعرض لها طهران أو القادة الإيرانيين.

وأضاف اليمني أن عدم الرد الإيراني بالشكل المناسب خلال المرات السابقة ربما كان دافعاً لاستمرار تلك الضربات، معرباً عن اعتقاده بأن رد طهران على هجوم القنصلية لن يحمل جديداً، إذ قال إن الإيرانيين اعتادوا الوعد والوعيد خلال الفترة الماضية، والحديث عن الرد في الزمان والمكان المناسبين، لكن لا نرى ذلك.

وقال الخبير في العلاقات الدولية إن طهران تدرك أن تل أبيب تريد جرها إلى الصراع بشكل مباشر، لا سيما أيضاً مسألة فتح الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني، معرباً عن توقعاته بأن الرد في الأيام المقبلة لن يكون من إيران بشكل مباشر، بل من أحد محاورها في المنطقة، وقد رأينا ذلك في تحركات الحوثيين وما يجري من اعتداءات داخل الأراضي العراقية وغيرها.

وكانت شبكة "سي بي إس" الأمريكية ذكرت في تقرير أن الولايات المتحدة جمعت معلومات استخباراتية تشير إلى أن إيران تخطط لهجوم يتضمن إطلاق مجموعة من طائرات من طراز "شاهد" المتفجرة دون طيار، وصواريخ كروز. ونقلت "سي بي إس" عن مسؤولين أمريكيين، من دون الكشف عن هويتهم، قولهم إنهم لا يعرفون توقيت وهدف الرد الإيراني المتوقع، لكن الشبكة الإخبارية الأمريكية قالت إنه "من المتوقع أن يأتي قبل انتهاء شهر رمضان".