الخبر العاجل: الاحتلال التركي ومرتزقته يقصفون 3 قرى في ريف تل تمر

د. حسني أحمد: أوجلان صاحب مشروع فكري وقاد ثورة على مفاهيم الحداثة الرأسمالية

تتسم فلسفة المفكر عبدالله أوجلان بأنها منبع لكثير من الأفكار، ينهل منها المتخصصون في العلوم الإنسانية، لا سيما وأنه صاحب فلسفة إنسانية اجتماعية شاملة.

في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025 حوى أحد الأجنحة كتاباً تحت عنوان: "تحولات الأنساق الاجتماعية.. الواقع والمآلات .. رؤية أوجلانية" للدكتور حسني أحمد وهو متخصص مصري في علم الاجتماع، ككتاب يعكس ما تقدمه فلسفة المفكر الأممي عبدالله أوجلان من أفكار و معالجات وحلول لكثير من القضايا البشرية والمعرفية والقابلة للتطبيق.

لا يتوفر وصف.

وكالة فرات للأنباء (ANF) حاورت الدكتور حسني أحمد للوقوف حول ماهية كتابه، ولماذا اختار أن ينقب في فلسفة عبدالله أوجلان ليشبع نهمه البحثي والمعرفي، فيؤكد أنه قاد ثورة فكرية على المفاهيم التي طرحتها الحداثة الرأسمالية، ويبدي إعجابه الشديد للغاية بفلسفته القائمة على النظرة الشاملة للإنسان.

إلى نص الحوار:

*في البداية، ما فكرة الكتاب؟ ولماذا اخترت أن تكتب في موضوع يتصل بأفكار عبدالله أوجلان؟

- عبدالله أوجلان أنظر إليه نظرة فيلسوف، هذا ما جذبني للقراءة في تراثه الفكري والفلسفي بكل تفاصيله؛ فهو صاحب مشروع فكري يتسم بشموليته كفكر إنساني سواء في الاجتماع أو السياسة أو الاقتصاد أو الأخلاق. وأنا متخصص في علم الاجتماع، وفلسفة أوجلان يتجلى فيها الاهتمام بالبعد الاجتماعي الإنساني؛ فيناقش قضايا إنسانية، ويهتم بالأنساق الاجتماعية، ومن ثم فإنه حتى عندما تناول الدولة تعامل معها كأحد الأنساق الاجتماعية، فهي تطور لنسق الأسرة ثم نسق المجتمع ثم نسق الدولة ثم نسق الإقليم ثم الوصول إلى نسق الأمة والحضارة. وتعامل في فلسفته مع ثلاث قضايا بالأساس لها تأثيرها على النسق الاجتماعي للدولة أياً كانت.

*ما هي تلك القضايا؟

- القضايا الثلاث هي التغير المناخي، وقضية التواصل الشبكي والعالم الافتراضي، وقضية الهوية. هذه القضايا في ضوء تداعياتها المتغيرة لها تأثير على نسق الدولة. وهذه القضايا وجدت لها مكاناً في فلسفة عبدالله أوجلان، لأنه تعامل مع الدولة باعتبارها مفهوماً  لا ينقطع عن شمولية المكان والزمان والتاريخ، فلا تنقطع رؤيته عن مجريات الأحداث الزمنية وارتباطها بالبيئة الجغرافية والإيكولوجية، فيأخذ الأحداث مأخذاً شمولياً، ولا يجتزئ الأحداث ولا المفاهيم، بل يأخذها جملة في ضوء السياقات الإنسانية الاجتماعية الكلية. ولهذا جذبني المضمون الذي يقدمه في فلسفته وفكره، الذي ناقش مفهوم الدولة في إطار الوعاء المفاهيم الغربي، الوعاء المفاهيمي الحداثي في ضوء ما بعد الحداثة، والنظر إلى نسق تلك الدولة التي تختلف اختلافاً كلياً عن مدلول مفهوم الدولة في التراث النظري والفكري العربي الشرق أوسطي.

*أفهم من حديثك كأن عبدالله أوجلان قدم ثورة فكرية على المفاهيم الغربية المتعلقة بالحداثة الرأسمالية ومفهوم الدولة القومية، أليس كذلك؟

- بالفعل، أوجلان قام بثورة فكرية في ضوء تناوله للمفاهيم في فلسفته، على نحو يجعلنا نتعمق أكثر في كل مفهوم، حول أساسه وحاضنته الفكرية والإيديولوجية، والحاضنة بدورها قائمة على أغراض ومآرب وفلسفات وأفكار. وأوجلان حين بحث في نفق المفاهيم لم يفصل أي مفهوم عن المكان والزمان في إطار فكره الشمولي. والأمر هنا ليس قاصراً على الدولة لديه، وإنما امتد لمفاهيم أخرى مثل الحداثة والحضارة والمضامين السياسية والفكرية التي جاءت كصنيعة للإمبريالية.

*أعود معك لأول قضية، وهي قضية تغير المناخ، ماذا قال أوجلان عنها لا سيما وأنها قضية الآن تشكل محوراً للنقاشات العالمية؟

- قضية المناخ وإشكالية زعزعة الأمن البيئي، وفق الرؤية الأوجلانية فإن الدولة الآن في اختبار حقيقي لتقليل آثار تلك الظاهرة، وتحقيق الأمن الاجتماعي، وتحقيق الأمن الاقتصادي، وتحقيق الأمن السياسي. وهذه هي الأمور التي تحدد مدى استطاعة نسق دولة ما على مواجهة التحديات من عدمه. وقضية المناخ لدى أوجلان تظهر في أنه يتبنى نهجاً إيكولوجياً قائماً على علاقة أخلاقية بين الإنسان ومكونات الطبيعية، فهو يهتم ببناء آفاق أخلاقية لتجسير وعي إيكولوجي يقوم على الاعتقاد بماهية العلاقة الأخلاقية بين الإنسان وجميع مكونات الطبيعة.

*ما تقوله يجعلني أرى أنه كان سباقاً في رؤيته للعلاقة بين البيئة والإنسان، كما أنه لديه رؤية عميقة في تحليل جوهر الظواهر والأحداث السياسية، هل تتفق معي؟

- بالفعل، أوجلان نظر إلى هذا التجسير بين الإنسان والطبيعة، باعتباره يمثل الوعي الأول في صناعة الحضارة البشرية. أوجلان نظر إلى الطبيعة بنوع من الحب والتقدير الكبيرين؛ باعتبارها تمثل الأم الكبرى.

*هذا يجعلني أسألك إذا كانت هذه رؤية أوجلان للطبيعة والجماد، فماذا عن الإنسان في فكره؟

- أوجلان لديه رؤية أن العلاقة بين الإنسان والطبيعة إنسانية، تقوم على احترام الطبيعة بكل تنويعاتها البيئية من نبات وحيوان ومياه وتربة وطيور ومكونات بكل الأنماط الإيكولوجية، فما بالك بالبعد الذي يربط بين الإنسان والإنسان الآخر مثله؟، نحن أمام بعد قيمي يعبر عن قمة النضج في العلاقة البينية بين الإنسان والإنسان الآخر مع اختلاف كل التنوعات العرقية واللغوية والفكرية، وهذا هو لب المجتمع الديمقراطي، الذي يقوم على رؤية أوجلان القائمة بدورها على احترام التنوع والاختلاف.

*هل لديك ما تود إضافته في قضية المناخ قبل الانتقال إلى القضية الثانية؟

- أود الإشارة إلى أن النظم الرأسمالية وعدم انسجامها مع المنظومة البيئية بالأساس أصبحت منظومة قائمة على تفاقم المشكلات البيئية، التي تنبع من الربحية الأنانية الخالصة، ولا تقدر في منظورها البعد الإيكولوجي الآخر، على عكس رؤية أوجلان التي تحترم البيئة بكل تنوعاتها، فهي تحمل رمزية الأم ولا يجب الجور عليها، والتعامل من منظور غير أخلاقي معها سيؤدي إلى عدم قدرة الإنسان على توفير غذائه من البيئة، كما انقرضت الديناصورات من قبل لعدم تأقلمها مع البيئة. وبالتالي احترام البيئة في رؤية أوجلان احترام لبقاء الإنسان. إن النظم الرأسمالية تجور على البيئة على نحو يعزز القضايا الاجتماعية القائمة على القمع والاستغلال، بسبب النفعية الصرفة.

*وللأسف النظرة الأنانية للدول الرأسمالية في قضايا البيئة والمناخ أتت على حساب الدول النامية، لأنها الأكثر تضرراً من عدم احترام الرأسمالية للبيئة..

- بالفعل، لو نظرنا إلى البصمة الكربونية الأفريقية نجد أنها تمثل 4% فقط من البصمة الكربونية العالمية، في حين دول مثل أستراليا وأمريكا هي الأكثر نسبة في البصمة الكربونية.

*دعني أنتقل إلى قضية العالم الافتراضي والتواصل الشبكي، كيف تناولها أوجلان؟

- الثورة في العالم الافتراضي والتواصل الشبكي جزء من التطور والإنسان يستفيد منها؛ لكن هناك مخاطر واضحة من سيطرة النظم الرأسمالية على مقدرات توجيه العالم الافتراضي والتواصل الشبكي. وهذه هي الإشكالية التي حذر منها أوجلان، فيقول إن هذا الوجود غير حقيقي، وطبيعة الوجود الإنساني يجب أن تكون في العالم الفعلي. العالم الافتراضي في مضمون أوجلان كما قال عالم مسيّر على يد الأجهزة الإعلامية كأساس وطيد لهيمنة الرأسمالية الذهنية، فهي هيمنة ذهنية أخرى تحول الحياة إلى خيال افتراضي. ويعدد أوجلان هذه المساوئ التي أساسها تتحكم هذه النظم الرأسمالية في التقنيات وبسط هيمنتها على مليارات البشر.

*هذا أمر خطير، ما أبرز تلك المساوئ التي ذكرها؟

-  أوجلان اعتبر أن من شأنها تحويل الحياة إلى عالم افتراضي ما يعني أن الإنسان يموت وهو على قيد الحياة. كما أن التقليد والمحاكاة حالة ملموسة للغاية من خلال العالم الافتراضي، ومن ثم لا تحمل الإنسان إلى المعرفة. ولا يمكن إحراز التقدم بتقليد جميع المنجزات الحضارية؛ فالحياة الافتراضية تؤدي إلى التقليد الذي لا ينقطع، والجميع يقلد بعضه، وبالتالي يتشابه الجميع، وهكذا يخلق حشد القطيع. كما أن عصر المال، وفق أوجلان، لا يمكن العيش فيه دون العالم الافتراضي، ولا يمكن إدارته إلا بسيادة الحماقة والغبن. وهنا يطرح أوجلان معنى الحياة الحرة، في سبيل وضع العالم الافتراضي وتطبيقاته في نسق يخدم معنى حقيقة الحياة وجوهرها، وليس في سياق الاستلاب الذهني والاستعباد، فما تتعرض له المجتمعات هو هيمنة الاستلاب الذهني في إطار توجيهها نحو العالم الافتراضي، الذي تحول إلى آليات لسلب ذهن البشر. ويرى أن تلك الأمور هي نتاج لما قامت عليه الأنظمة الرأسمالية بشأن تراخي علاقة الإنسان مع الدين والأخلاق.

*ننتقل إلى القضية الثالثة، الهوية ماذا تعني في فكر أوجلان من خلال كتابك؟

- أزمة الهوية لم تحدث إلا في ظل النظم الرأسمالية؛ فلو نظرنا إلى رؤية أوجلان للهوية فيرى أن الشخص لديه أكثر من هوية في ضوء ارتباطه بالقوم واللغة وغيرها، وجميعها تشكل هوية الشخص نفسه. أوجلان يرى أن اللغة وحدها لا تشكل كل الهوية، ولكن الهوية ترتبط بالثقافة واللغة والآداب والامتداد القبلي والفنون، فكل هذه الأمور تشكل الهوية، بينما النظم الرأسمالية أخذت سياق الأمة والهوية لتصنع به أزمات متجددة. فتشكيل الهوية والأمم وفق النموذج الأوروبي الحداثي الرأسمالي يقوم على جعل الأمة ظاهرة، أو مجموعة علاقات ملتفة حول الوعي القبلي أو الوعي الديني أو السلطة القبلية المشتركة أو السوق. وهنا يتحول القبلي إلى أمة والديني إلى أمة والسوق إلى أمة والسلطة إلى أمة، وقد يضعها في تراكيب لغوية وقومية مصطنعة. وهذا تعاط ناقص مع مفهوم الأمم؛ فالأمة هي نتاج تطورات وسياقات وثورات ثقافية وفنية تتطور مع الزمن. وهنا ينصح أوجلان بعدم التركيز على مقوم ما واعتباره أمة كاللغة أو الدين أو الرأسمالية.

*أي قد تكون الأمة الواحدة بها من يتحدث العربية والكردية وبها المسلم والمسيحي وغيره، أليس كذلك؟

- أوجلان يحترم التنوع، وكل هذه التنوعات مقومات، فيرى أن اختزال الأمة في مقوم واحد يخلق التصارع، فالأمة تقوم على التنوع، والأمة تجمع المتنوع، نتيجة تنوع البيئة التي تخلق فيها الأمم. وما يوحد هؤلاء المتنوعين وفق رؤية أوجلان ليكونوا أمة هو المجتمع الديمقراطي، فهو نموذج فيه الحل من خلال أن يكون التنوع وسيلة للتلاق والتعاضد والتكافل والغنى الثقافي، وليس عاملاً للنزاع، وهذه الحالة أخلاقية بالأساس. فالأمة الواحدة قد تضم هويات مختلفة، يجمع أبناءها إقليم واحد الأساس فيه التعايش المشترك. بينما النظم الحديثة تريد صهر هذا التنوع في ضوء قالب واحد متعولم. الحضارة الحديثة تريد إبادة ثقافات وصهر ثقافات وشعوب وفنون وأفكار وتاريخ في سبيل تحقيق حضارة عولمية تكون بالأساس قائمة على استحواذ وتشكيل هذه الشعوب وفق مصلحة رأس المال.