«حسابات حساسة».. كيف تنظر السعودية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل؟

بينما إسرائيل تسرف في انتهاكاتها بقطاع غزة، وتثير غضب العالمين العربي والإسلامي، فجأة يخرج وزير الخارجية الأمريكي يتحدث عن تطبيع العلاقات بين السعودية وتل أبيب.

الإدارة الأمريكية، التي تعتبر أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل سيكون الإنجاز الدبلوماسي الأعظم في الشرق الأوسط، خرج وزير خارجيتها أنتوني بلينكن ليؤكد أن الولايات المتحدة أصبحت شبه مستعدة لتقديم ضمانات أمنية للمملكة، إذا طبّعت علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي، ما اعتبر أنه تقديم حوافز للأخير؛ للقبول بفكرة إقامة الدولة الفلسطينية.

لكن كثيراً من الخبراء يرون أن السعودية لن تقدم على أي خطوة في مسار التطبيع مع إسرائيل في الوقت الحالي، لا سيما في ظل ما يقوم به الإسرائيليون من انتهاكات غير مسبوقة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كما أن المملكة لديها حساباتها الحساسة، التي تقوم بالأساس على فكرة دولة فلسطينية مقابل التطبيع.

لا يتوفر وصف.

التوقيت الصعب

يقول مسعود معلوف سفير لبنان الأسبق في واشنطن إنه بشكل شخصي لا يعتقد أن المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي يمكنها أن تقدم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل؛ في الوقت الذي يقوم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء من النساء والأطفال.

وأضاف معلوف، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن المملكة العربية السعودية هي بكل حال رائدة وقائدة العالم الإسلامي، لافتاً إلى أنه عندما تكون هذه النسبة الكبيرة من القتل في قطاع غزة، فلا يتصور أن تكون الرياض جاهزة لهذه الخطوة، مشيراً إلى أنه قد يأتي ذلك، ولكن بعد انتهاء الحرب الحالية.

وأعرب الدبلوماسي اللبناني السابق عن اعتقاده أن وزير الخارجية الأمريكي ربما يكون قد أدلى بهذا التصريح؛ من أجل تشجيع تل أبيب إما على عدم الإقدام على القيام بعملية عسكرية في رفح الفلسطينية، أو للقبول بحل الدولتين، أو ربما لأي أمر آخر مثل التخفيف من قتل المدنيين.

ويقول السفير مسعود معلوف إنه أياً كان الأمر، فإنه يعتقد أن تصريحات بلينكن موجهة إلى إسرائيل وإلى بنيامين نتنياهو بالذات، أكثر منها موجهة للعالم، منوهاً إلى أنه ما من شك أن المملكة ستقدم على تطبيع علاقاتها مع تل أبيب، ولكن بعد انتهاء الحرب على غزة.

والسعودية من بين الدول العربية التي لم تعترف قط بدولة إسرائيل، فضلاً عن هذا فإنها لم تنضم إلى اتفاقات "السلام الإبراهيمي" التي أبرمت عام 2020، التي أفضت إلى تطبيع العلاقات بين تل أبيب والإمارات والبحرين وسلطنة عمان المجاورين للمملكة وشركائها في مجلس التعاون الخليجي، ثم بعد ذلك انضمت المغرب والسودان إلى تلك الاتفاقات.

وقبل اندلاع الحرب في قطاع غزة، كانت مؤشرات عدة تشير إلى أن السعودية قريبة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل بالفعل، بل وصرح أكثر من مسؤول سعودي حول هذا الملف الشائك، وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، لكن دائماً ما كانت الأمور تقترن بمسألة أن يكون هنا تحرك ما على صعيد حل القضية الفلسطينية.

دولة فلسطينية أولاً؟

لا يتوفر وصف.

بدوره، يقول الدكتور أيمن الرقب القيادي بحركة فتح، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه قبل اندلاع أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول كان هناك دور مهم جداً من خلاله تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تنجز أي شيء فيما يتعلق بالتطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، مؤكداً أن تل أبيب بدورها كانت تضع ذلك هدفاً لها، في المقابل كان للرياض في هذا الأمر موقفاً واضحاً، وهو أنها ستقبل بالتطبيع؛ إذا تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقامت هذه الدولة بالفعل.

وأضاف الرقب أنه ليس هذا فحسب؛ فقد بسّطت المملكة الأمر عليهم، حين قالت إنها تريد فقط الاعتراف السياسي بالدولة الفلسطينية من قبل إسرائيل، لكن القيادي الفلسطيني يرى أنه في الوقت الحالي قد تغير الوضع كثيراً، فقد اجتمعت السداسية العربية المعنية بالوضع في فلسطين، وتم تشكيل رؤية لحل الصراع، حيث طُرحت مسألة القبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، وبعدها يكون التطبيع من الدول العربية مع تل أبيب وعلى رأسهم السعودية.

ويرى الرقب أنه بالتالي، فإن المملكة لا تستطيع أن تقدم على أي خطوة تتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية، مشيراً إلى أن حماس نفسها أعلنت على لسان خليل الحية عضو المكتب السياسي لها أن الحركة ستقبل بتفكيك سلاحها إذا تم قيام الدولة الفلسطينية وأن تدخل في هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل.

ويرى القيادي بحركة فتح، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الإشكالية الرئيسية أنه لا يوجد طرف إسرائيلي في المقابل يقبل بقيام دولة فلسطينية، لا الحكومة الحالية ولا حتى المعارضة الإسرائيلية، بل إنهم يعتبرون علناً أن الموافقة على قيام دولة فلسطينية بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول سيكون بمثابة مكافأة لحركة حماس، وبالتالي لن يعترفوا ولن يوافقوا على قيام الدولة، ومن ثم فالجهد الأمريكي لا قيمة له، والرياض لن تقبل بغير ذلك، حسب رأيه.

ورغم دعمها لإسرائيل، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تأمل بالتوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، الأمر الذي يمكن أن يغير قواعد اللعبة في المنطقة، ليس هذا فحسب، بل ستكون كذلك أنجزت صفقة أكثر أهمية بكثير مقارنة من اتفاقات "السلام الإبراهيمي"، خلال فترة الغريم دونالد ترامب المنافس الشرس في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.