تبدأ العلاقات الخارجية الإيرانية خطوات جديدة خاصة بعد التطبيع مع السعودية وإعادة فتح السفارات، لتحاول أن تخطو خطوة جديدة نحو تطبيع العلاقات مع مصر وذلك عبر وساطة عمانية، وهو ما ذكرته أكثر من وسيلة إعلام إيرانية، فيما صمتت القاهرة عن تقديم أي رد، مما يثير التساؤلات حول الخطوة ومدى نجاحها.
طريق يسير على مهل
كشف رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق، أن الموضوع يسير بتؤدة شديدة، خاصة وأن محاولات إعادة العلاقات مع إيران تعود للتسعينات من القرن الماضي، ولكن تلك المحاولات كانت تتعثر بسبب مواقف إيرانية أو عدم استجابة لمتطلبات مصرية، ولكن هذه المرة طهران لديها استعداد.
وأكد حسن في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء، أنه يوجد اقتراب كبير من إعادة العلاقات، ولكن الجدول الزمني وهل ستسغرق ايام أو شهور فهو شيئ غير واضح, مبيناً أن المنطقة تشهد انفراجة بعد الأحوال الاقتصادية الإقليمية والدولية بعد الحرب الروسية ـ الأوكرانية وانشغال الدول الكبرى بمشاغلها الخاصة مما أدى لحالة انفراجة ومنها التقارب مع تركيا ومع إيران وعودة سوريا للجامعة العربية، بغرض التفرغ للتنمية والتخفيف من أعباء لا طائل لها، سواء السعودية انهكتها حرب اليمن وإيران العقوبات الاقتصادية التي تسببت في احتجاجات طيلة العام الماضي وبداية هذا العام.
واضاف أن العلاقات مع الدول العربية وبخاصة دول الخليج ومصر تنعش الاقتصاد الإيراني بعد العقوبات الدولية المفروضة، كما أنها تجعل من الإدعاء الإسرائيلي والأمريكي بأنها خطر يهدد المنطقة بلا معنى.
الفرص المشتركة
وبين حسن، أنه لا توجد عوائق حقيقية تمنع في الوقت الحالي حدوث تطبيع في العلاقات، كما أن مصر حالياً بدأت في تطوير مزارات ومقامات آل البيت استعداداً للسياحة الإيرانية الوافدة، خاصة بعد فتح التأشيرات للايرانيين منذ فبراير الماضي.
وأردف قائلاً" أن تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية سيفتح فرص استثمارية، خاصة مع وجود استثمارات بالفعل في مصر وشركات إيرانية تعود لعصر الشاه".
الوساطة العمانية
بينما كشف راهب الصالح، مدير مركز الرافدين للدراسات، أن الوساطة العمانية بين مصر وإيران جاءت من عمان التي تحتفظ بعلاقة جيدة جدًا مع النظام الإيراني و سجلت العلاقات العمانية مع إيران سلوكاً منفرداً ومختلفاً عن باقي دول الخليج في الملف الإيراني في الوقت الذي تجاهر فيه إيران بالعداء لعدد كبير من البلدان العربية، بسبب الطموحات الايرانية التوسعية في المنطقة العربية التي تخدم ايران وتمكّنها من تحقيق مصالحها وغاياتها في محيطها الجيوسياسي فتتمثل في هشاشة الدول والمجتمعات التي تستهدفها.
واكد الراهب في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء أن عمان كانت ولازالت تدور في فلك النظام الايراني منذ ايام الشاه واليوم في زمن الملالي، هذا يعود الى موقعها الجغرافي القريب من دولة كبيرة ذات نسبة سكانية مرتفعة مقارنة بالشعب العماني لذلك تعمل دائماً على تقديم التنازلات من خلال حل ازمات نظام الملالي الخارجية.
الضغوط الداخلية في إيران
وأضاف، انه بما أن الاتفاق السعودي الايراني تحقق وجرت فتح السفارات فيبدو انه اُنيط لعُمان هذا الدور لتلعب دور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين مصر وايران واعادة العلاقات.
وبين مدير مركز الرافدين، أن النظام الايراني يواجه اليوم ضغوطاً داخلية بسبب احتجاجات الشعوب الايرانية التي تصاعدت وتيرتها وتحولت الى ثورة وخرجت عن سيطرة الاجهزة الامنية، بل ان الثوار صاروا يحرقون مقرات للحرس الثوري والباسيج اضافة الى العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية التي توسعت اكثر لتشمل اسماء مسؤولين كبار في الدولة، كل هذه الاسباب جعلت ايران تقدم التنازلات وتطلب المصالحة مع الدول الاقليمية.
وأوضح، أن المتتبع لوضع إيران خلال العقود الأربعة الماضية لا بد أن يلاحظ أن قوة إيران تتعاظم بمقدار ما تزداد هشاشة دول المحيط، فالنفوذ الإيراني أخذ يتعاظم في المنطقة انطلاقاً من لبنان الذي كان يعد تجسيداً لضعف قوة الدولة في المنطقة.
المكاسب الإيرانية
وأشار الصالح إلى ان هذه الوساطة بطلب ايراني بسبب الحصار الامريكي على الدولار في العراق والذي كان رئة إيران التي تتنفس منها بدأ ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الإيراني الذي سبب الثورات الداخلية التي زعزت اركان النظام الإيراني الذي جعل نظام الملالي يغير سياسته بعدائه للعرب بشكل مؤقت.
واردف، ان الدهاء الايراني يعلم جيداً التأثير المصري وقوة الحكومة المصرية في العالم العربي وخصوصاً على دول الخليج العربي، لانها وريثة النهضة والتنوير العربي المقاوم والممانع ثقافياً ومدنياً وحضارياً حتى الآن والذي هو وحده المدعو لوقف الزحف الإيراني على العالم العربي، لأنه وحده يمتلك مقومات هذه المواجهة الإستراتيجية مع الظلامية والاستبداد و الطغيان الثيوقراطي والطائفي.
وشدّد مدير مركز الرافدين، على أن مصر ستتمسك بإصرار على منع إيران من التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية وخصوصاً العراق وسوريا واليمن والخليج العربي.
استغلال النفوذ المصري
بينما كشف علي البيدر، المحلل السياسي العراقي، أن إيران تحاول العودة للوسط العربي بعد أن عاشت فترة من العزلة والابتعاد، وعلاقة مصر بإيران كانت متشنجة منذ عصر الرئيس السادات واستمر حتى الآن، ولكن حالياً طهران بعد أن وطدت علاقاتها بالدول العربية مثل السعودية لتحسين علاقاتها مع احترام الحاجز المصري، وهي تعلم أن هذا الحاجز يحول دون تطوير علاقاتها مع الجانب الغربي من الوطن العربي ولا يمكنها اختراقه الا بعد توكيد علاقاتها بالقاهرة، والذي يمتلك حضور ونفوذ وتقدير، ونوع من التبعية إن صح الوصف بين الكثير من الدول العربية، وستحسن الكثير من الدول علاقاتها مع إيران إذا طبعت مع مصر.
أكثر من وسيط
وأكد البيدر، أن طهران تحاول أن تستغل اي فرصة للقيام بالتطبيع مع مصر، سواء عبر سياسيين عراقيين يتمتعون بعلاقات جيدة مع القاهرة ولديهم روابط مع طهران مثل زيارة رجل الدين عمار الحكيم لمصر، أو دول ترتبط بعلاقات استراتيجية مع طهران مثل سلطنة عمان.
واضاف المحلل السياسي العراقي علي البيدر، أن هذه العلاقات ستستخدم لصالح الموقف العربي تجاه التحركات الإيرانية، لأن الموقف المصري سيظل ثابتاً ومنحازاً لجميع المواقف العربية، مشيراً إلى أن النفوذ المصري سيغير الكثير من المواقف الإيرانية نجاه الدول والعواصم التي لديها نفوذ عليها.