جاء تجديد القرار الأمريكي في توقيت مهم يشهد مزيدا من تصاعد التوترات شرق البحر المتوسط نتيجة الدور الذي تلعبه دولة الاحتلال التركي في تلك المنطقة بداية من احتلال قبرص ومحاولة السيطرة على الثروات النفطية في تلك البقعة المهمة ضمن مخطط استعادة الاستعمار العثماني، ومرورا بالاستراتيجية العسكرية لدولة الاحتلال التركية في ليبيا التي تستهدف احتلال الدولة الليبية للحصول على أكبر مكاسب مادية عبر مشروعات إعادة الإعمار السيطرة على حقول الغاز والنفط.
مطامع استعمارية
وتجلت المطامع الاستعمارية للاحتلال التركي في توقيع أردوغان اتفاقية مع حكومة الوفاق السابقة لترسيم الحدود البحرية وعقب التغيير السياسي في سوريا اتبعت دولة الاحتلال نفس النهج الاستعماري بالسيطرة على قرارات إدارة تحرير الشام معلنة التفاوض لتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، لتؤكد تلك التحركات المطامع التركية في السيطرة على الثروة النفطية شرق المتوسط.
مثلت تلك التحركات الاستعمارية مصدر قلق لقبرص واليونان التي واجهت قواتها البحرية تحرشات عسكرية للاحتلال التركي استدعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رفع الحظر عن شراء السلاح الأمريكي لقبرص في محاولة لمواجهة الأطماع التركية في تلك المنطقة، وكان القرار تم اتخاذه قبل 33 عاما ضمن جهود توحيد الجزيرتين، إلا أن الإدارة الأمريكية رأت في تحركات دولة الاحتلال التركي خطط استعمارية استوجبت التفكير مرة أخرى في اتخاذ قرار مغاير لمجابهة تلك التحركات وخلق حالة من التوازن الاستراتيجي في المنطقة.
تغيير استراتيجي
الدكتور ماك شرقاوي المحلل السياسي في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF »، إنّ «القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي السابق جون بايدن في 16 يناير الماضي، بتمديد قرار رفع حظر تصدير الأسلحة إلى قبرص يعكس تغيراً استراتيجيًا في منطقة شرق المتوسط، ويمثل اعترافاً أمريكيا واضحا بدور بقبرص كشريك استراتيجي موثوق وحليف للبيت الأبيض في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة وشرق المتوسط بصفة خاصة، والقرار تم إصداره عام 1987 بهدف منع سباق التسلح بين القبارصة الأتراك واليونانيين بهدف توحيد الجزيرة التي انقسمت بعد الاحتلال التركي لدولة اوروبية، وكانت حينها الولايات المتحدة الأمريكية تقف على مسافة واحدة من طرفي الأزمة إلا أن تغير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط استدعى إلغاء قرار الحظر لخلق حالة من التوازن في تلك المنطقة المتوترة.
محمد عبد الفتاح الباحث في الشؤون الأوروبية أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF »، أنّ «تمديد قرار يرتبط بعودة الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض في إطار استراتيجية العصا والجزرة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية فإذا كان هناك توافق أمريكيا مع دولة الاحتلال التركي فيما يجري في سوريا فثمة خلافات متعلقة بشرق المتوسط»، ورغم استياء أنقرة من تمديد القرار إلا أن الأوضاع لن تشهد تصعيدا يصل إلى حد الحرب التقليدية خاصة بعدما جرى في غزة التي أثبتت أن الحروب التقليدية لم تحسم النزاعات والصراعات بقدر ما تتسبب في تداعيات جسيمة على الأمن والاقتصاد العالمي وقد يتبع ترامب استراتيجية إنشاء تحالفات جديدة ضمن خطة لممارسة الضغوط السياسية لخلق حالة من الاستقرار بمنطقة شرق المتوسط.
تحالفات جديدة
ويعكس القرار الأمريكي اهتمام البيت الأبيض بتعزيز العلاقات العسكرية والدفاعية مع قبرص، وهو ما تجلى في توقيع اتفاقية بين البلدين في سبتمبر 2024 بشأن خريطة طريق لتعزيز التعاون الدفاعي بين واشنطن ونيقوسيا، وهو ما أزعج دولة الاحتلال التركي التي وصفت التحرك الأمريكي بأنه يضر بالتوازنات الدقيقة في المنطقة، متوعدة باتخاذ كل التدابير الدفاعية لتحقيق مصالحها، ومن ثم فإن القرار الأمريكي ستكون له تداعيات على الطرفين فهو من جهة يعزز العلاقات القبرصية الأمريكية ويؤثر بالسلب على العلاقة بين واشنطن وأنقرة، خاصة وأنه يستهدف إعادة تشكيل التحالفات شرق المتوسط في محاولة من الولايات المتحدة لمجابهة حالة التوتر المتصاعدة، ما يتطلب إعادة التفكير في تنفيذ استراتيجيات تضمن استقرار تلك المنطقة المهمة ومن المرجح أن يتبع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب نهج سلفه لأنه هو من بدأ تلك الاستراتيجية باتخاذ قرار رفع الحظر عن تصدير الأسلحة الأمريكية لقبرص خلال ولايته الأولى في عام 2020.