تجسدت بالإدارة الذاتية.. كيف رسم القائد أوجلان قواعد العيش المشترك بين الشعوب

تعد قواعد العيش المشترك التي وضعها المفكر الأممي عبد الله أوجلان هي الأساس التي قامت عليه الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، إذ يعد فكرة الأمة الديمقراطية والتعايش المشترك كبديل لفكرة الدولة القومية.

كانت إحدى القواعد التي رسخها المفكر الأممي عبد الله أوجلان هي فكرة التعايش بين الشعوب وفق فكر الأمة الديمقراطية، وهو ما ظهر جلياً في تجربة الإدارة الذاتية في التعايش بين الكرد والعرب والشركس والسريان والأرمن مع الحفاظ على هوية كل منهم، مما يفتح باب التساؤلات حول جوهر وماهية التعايش بين المكونات داخل فكر الأمة الديمقراطية.

كشف فتحي محمود، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن حل القضية الكردية من وجهة نظر أوجلان وفق الحل الديمقراطي القائم على مفهوم الأمة الديمقراطية، يستند إلى اعتماد الحقيقة العلمية بوجود كردستان كحقيقة استمدت نفسها، من خلال نيلها هذا الاسم من منطقة جغرافية استمدت اسمها من تسمية سكانها الذين سموا بهذا الاسم من الشعوب الأخرى، وهي غير قابلة للمساومة بهدف إنكار وجود الأمة الكردية، أو التنكر لحقوقها، وقد فشلت كل المحاولات التي اتبعتها الدول القومية حين اختارت الحلول التصفوية والإبادة بأنواعها، منع هذه التسميات لتلك الجغرافيا وساكنيها من الانتشار والتداول.

وأكد محمود في كتابه "العلاقات العربية الكردية"، أن أوجلان رأى عدم اعتماد مفهوم وفق الحل الديمقراطي القائم على مفهوم الأمة الديمقراطية، الانفصال عن الدولة كخيار وحيد لا بديل عنه للحل يمكن تصوره واعتماده، والحل الديمقراطي لا يتبنى مفهوم الدولة المستقلة كشرط لا يمكن تجاوزه، ولا يميل إلى تبني الحلول الدولتية الفيدرالية أو الكونفيدرالية كتصور مسبق للدولة القومية المشيدة، ولكنه لا يرفضها كخيارات يمكن لها أن تطرح على الساحة في رحلة البحث عن الحل الديمقراطي كمقدمة ومدخل صحيح للنفاذ إلى الحل الجذري، كون الفيدرالية تفسح المجال أمام إدارة المجتمع لذاته ديمقراطيا، ويتبنى مشروع الفيدراليات و الكونفدراليات الديمقراطية للمجتمعات، ويقدمها إلى الأمام كحل جذري في القضايا جميعاً.

وأضاف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن مشروع أوجلان يقوم على مبدأ اعتراف الدولة بإرادة الفرد كأمة يحق لأبنائها إدارة أنفسهم بأنفسهم دون أن تتدخل الدولة في هذه القضية التي ستكون معنية فقط بالمجتمع الكردي وحده، مبيناً أن سلطات الدولة تتوقف عند حدود معينة حين تلامس إرادة الفرد في تلك الإدارة الذاتية، والحل الديمقراطي يستند إلى شرط أساسي يتطلب أن تلتزم الدولة القومية بالديمقراطية أسلوب ومبادئ وسلوك وقيم فعلاً لا قولاً.

وبيّن محمود، أنه لما كانت الدولة القومية عاجزة عن تقديم الحلول الديمقراطية بحكم طبيعتها الاستبدادية فالمهمة على الأغلب ستكون ملقاة على عاتق القوى الاجتماعية التي يجب عليها أن تبحث عن تلك الحلول وتتبناها بسبب تمنع الدولة القومية وعجزها من خلال التوصل إلى حالة وفاق وطنية تصاغ مضامينها في عقود اجتماعية تكون دستوراً للدولة يحدد العلاقة بين المجتمع والدولة، وذلك الدستور يعين المجالات ويحدد المسؤوليات.

وأوضح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تعد نموذجاً لمحاولة تطبيق مفهوم الأمة الديمقراطية ولذلك تعيش حالة من السلام والأمن والتعايش المشترك بين المكونات كما أن الكومينات التعاونيات تعد الخلية الصغرى والأساسية في تنظيم المجتمع وعلى هذا الأساس تشكلت الكومينات في المزارع والقرى والأحياء على اعتبار أن الكومين هو لب الإدارة الذاتية نشأت من هذه الكومينات مجالس الأحياء والمدن والمقاطعات وصولاً إلى هيكلة الإدارة الذاتية.

وأشار محمود إلى أنه باتت مناطق شمال وشرق سوريا تنظم على أساس سبع إدارات ذاتية لكل منها خصوصيتها بحسب سكان منطقتها واجتمعت هذه الإدارات السبع في الستة من سبتمبر\ أيلول عام 2018 تحت سقف الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وفقا للنسق العقد الاجتماعي تتألف بنية الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من مجلس تنفيذي ومجلس تشريعي ومجلس قضائي مفوضية عليا للانتخابات ومحكمة دستورية عليا ومجالس محلية وهناك لجنة مشكلة الآن لدراسة تطوير هذه المنظومة.

وتطرق محمود إلى التعايش بين المكونات، مبيناً أنه قد أقرت القوى والأحزاب والشخصيات والفعاليات المجتمعية والمؤسسات المدنية التي أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية عقداً اجتماعياً ينظم أسس العلاقة بين تكوينات المجتمع القومية الإثنية والدينية في مناطق روج آفا وشمال سوريا وشرقها حافظ من خلاله على مؤسسات الدولة الوطنية الموجودة وقامت الإدارة بتشكيل مئات المؤسسات والمجالس في القرى والأحياء والمدن علاوة على تأسيس مستوى متقدم في الحماية الذاتية عبر وحدات حماية الشعب والمرأة التي تحولت إلى قوات سوريا الديمقراطية من شعوب مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية من كرد وعرب وسريان الآشوريين.

وأردف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لا تقبل مفهوم الدولة القومية والعسكرية والدينية والمركزية في الإدارة والحكم المركزي ومنفتحة على أشكال التوافق مع تقاليد الديمقراطية وتعددية يستطيع جميع المجموعات الاجتماعية والهويات الثقافية والاثنية والوطنية أن تعبر عن ذاتها من خلال تنظيماتها واحترام الحدود السورية ومواثيق حقوق الإنسان والحفاظ على السلم الأهلي والعالمي.

وأوضح محمود، أن شمال وشرق سوريا حققت فكر أوجلان ومبادئ ميثاق العقد الاجتماعي وبناء المجتمع الديمقراطي من خلال الإدارة الذاتية الضامنة للعدالة الاجتماعية وإقامة مجتمع متمدد فقد توحدت أهداف كل مكونات مجتمع الإدارة الذاتية الديمقراطية من كرد وعرب وسريان وأرمن وشيشان وغيرهم على أساس قاعدة الوحدة في التنوع واتفقت مع إرادة بقية مكونات الشعب السوري لتكون مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية ضمن سوريا التعددية الديمقراطية كنظام سياسي وإداري للمجتمع وتجسيدا لهذه الإدارة.