ويرى مراقبون أن ما تقوم به تركيا من ممارسات بشأن المياه المتدفقة إلى شمال سوريا والعراق يرتقي إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، حيث يرتكب أردوغان تلك الممارسات عن عمد بقصد تعطيش سكان تلك المناطق لإذلالهم ومواصلة عدوانه ضدهم، والذي لم يتوقف فقط عند الآلة العسكرية بل امتد لتلك الوسائل الإجرامية.
عامان من المعاناة
في هذا السياق، قال ولات درويش مدير عام الإدارة العامة لسدود الفرات في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إن دولة الاحتلال التركي تستمر منذ عامين تقريباً بتخفيض كمية المياه الواردة إلى سوريا إلى ما يقارب 250 متر مكعب في الثانية عند نقطة الحدود السورية التركية، والتي تمثل أقل من نصف الحصة المتفق عليها سابقاً مع حكومة دمشق، وفق بروتوكول 1987 والمحددة بما لايقل عن 500 متر مكعب في الثانية عند نقطة الحدود السورية التركية.
وأوضح، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، أن الكمية الواردة حالياً لا تكاد تكفي لاستهلاكات الري والشرب والتبخر من المسطحات المائية، حيث يبلغ إجمالي الاستهلاكات أعلى سد الفرات بحدود 260 متر مكعب في الثلانية أي أكثر من الوارد والذي كما سبق وتمت الإشارة إليه 250 متر مكعب في الثانية.
وقال "درويش": "إننا ملتزمون بتأمين حصة العراق التي تبلغ 58% من الوارد من تركيا، حيث أننا نمرر حالياً ما يقارب 180 إلى 190 متر مكعب في الثانية من سدود الفرات للحفاظ على حياة النهر والبيئة النهرية ومياه الشرب للحفاظ على الحياة أسفل سد الحرية وحتى الحدود العراقية"، مضيفاً أن "هذا أدى إلى استنزاف مناسيب بحيرات السدود لدينا إلى ما يقارب الأحجام الميتة التي تخرج عندها السدود عن الخدمة في حال استمرار الوضع الحالي".
شلل بالحياة وانتشار للأمراض
وأوضح مدير عام الإدارة العامة لسدود الفرات في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أنه حالياً يتم بتوليد فقط 125 ميجا وات من سدود الفرات مجتمعة، رغم أن طاقته القصوى تبلغ 1600 ميجا وات، أي أنه يتم استخدام 8% فقط من الطاقة التوليدية المتاحة في السدود بسبب قلة المياه، لافتاً إلى أن هذه الكمية المولدة حالياً تكفي لتغذية المدن فقط بحدود أربع ساعات.
وأشار إلى أن هذا الوضع أثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في كامل المنطقة سلباً، كما خرجت أغلب محطات مياه الشرب والضخ للري عن الخدمة بسبب انخفاض مناسيب السحب من البحيرات والنهر، واضطر الأهالي والإدارة لاتخاذ إجراءات طوارئ مكلفة مادياً، ولكن لا بد منها لاستمرار عمل هذه المضخات.
وفي ختام تصريحاته، لوكالة فرات للأنباء، أكد أن قلة الوارد والممرر أدى إلى تركز الملوثات في المياه، مما أدى إلى زيادة الأمراض مثل الكوليرا وغيرها وأثر على نوعية المياه على الحجر والبشر وحتى الحيوانات.
جريمة ضد الإنسانية
على الجهة الأخرى من الحدود، يواجه العراقيون معاناة شديدة نتيجة نقص المياه، بسبب الجور التركي على حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات، في ظل إقدام السلطات التركية على بناء سد إليسيو، في وقت تواصل السلطات العراقية مناشدتها للجانب التركي بإعادة النظر في حصة الجانب العراقي، حتى يحصل على نصيب عادل منها.
وقبل يومين بحث وزير الموارد المائية بالعراق عون ذياب عبد الله مع السفير التركي علي رضا كوناي تداعيات أوضاع المياه في العراق، لا سيما مع ارتفاع معدلات الجفاف الحاد، لكن هناك من يشكك بالأساس في استجابة "أنقرة" للمطالب العراقية وأن يتم إدخال "بغداد" في مساومات من أجل هذا الغرض.
في هذا السياق، يقول حازم العبيدي المستشار السياسي لمركز الرافدين للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف إن ما يقوم به نظام أردوغان لا يمكن وصفه إلا بجريمة ضد الإنسانية تستوجب المسائلة الدولية، لأنه يتعمد تعطيش السوريين والعراقيين لتحقيق مكاسبه السياسية وتلبية متطلبات أجنداته التوسعية.
وأضاف المستشار السياسي العراقي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، أنه لا يعتقد أن "أنقرة" ستتراجع عن سياستها الخاصة بتعطيش الشعب العراقي، وإنما ستساوم "بغداد" حول بعض الملفات، منها على سبيل المثال القضية التي أقيمت ضد تركيا في محكمة العدل الدولية والتي قضت بدفع "أنقرة" تعويضاً قميته مليار دولار ونصف، وبالتالي يمكن أن تطلب من العراق عدم دفع تلك الأموال مقابل مسألة زيادة الحصة المائية.
ولفت "العبيدي" إلى أن موجة الجفاف الشديدة التي تضرب مناطق واسعة من العراق تهدد بكوارث بيئية كبيرة، وخير مثال على ذلك محافظة ميسان، والتي إن لم يتم التعامل مع وضعها عبر توفير المياه الكافية لها فإن الأمر قد يمتد إلى غيرها من المحافظات.
ودعا "العبيدي" في ختام تصريحاته لوكالة فرات، إلى ضرورة أن يكون هناك اجتماعاً لجامعة الدول العربية لمناقشة هذا الأمر الخطير، وأن يتم تشكيل لجنة عربية تكون مهمتها التواصل مع المنظمات الدولية ذات الصلة لمحاسبة النظام التركي على تلك الجريمة بحق الشعبين السوري والعراقي.