رسائل مستترة.. ماذا يعني استنفار روسيا قواتها في البحر الأسود؟

بينما كان العالم منشغلاً بما يجري في قطاع غزة وإرسال أمريكا معدات عسكرية ضخمة إلى منطقة الشرق الأوسط، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بإعلان حالة الاستنفار بصفوف قواته العسكرية في البحر الأسود.

وقد أعلن الرئيس الروسي في خطاب مؤخراً أنه بناء على توجيهاته باشرت القوات الجوية الروسية تسيير دوريات دائمة ومتواصلة في الأجواء الدولية فوق البحر الأسود، مشيراً إلى أن مقاتلات "ميج 31" مزودة بصواريخ "كينجال" الأسرع من الصوت بتسع مرات، ومداها أكثر من ألف كم تنفيذ تلك الدوريات.

ولفت "بوتين" إلى أن هذا لا يعني أنه هناك تهديد، إلا أنه أكد أن موسكو تراقب الوضع في البحر المتوسط، لكن مراقبين يرون أن المقصود من هذه الدوريات هي الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً في ظل التوترات الكبيرة بين موسكو وواشنطن منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. 

رسائل روسيا إلى الولايات المتحدة


في هذا السياق، يقول الدكتور محمد اليمني أستاذ العلاقات الدولية إن مسألة إعلان استنفار الأسطول الروسي في البحر الأسود خطوة تعني أن روسيا لا تزال ترسل رسائل قوية للولايات المتحدة الأمريكية بأنها قوية وتمتلك هي الأخرى أدواتها العسكرية، وأنه لا أحد يستطيع أن يرهبها أو يخيفها بنشر هذا العدد من الأسلحة أو أنه لا تخيفها كذلك القواعد العسكرية الأمريكية.

وأضاف "اليمني"، في اتصال هاتفي مع وكالة فرات للأنباء (ANF)، أن المخاوف الأمريكية والتحسب لأي جديد قد يطرأ في المنطقة، وكذلك تطورات حرب غزة، قد تعطي دفعة قوية لروسيا والصين لتواجد أكثر والدفع بكل ثقلهم للعب دور الوسيط أو على أقل تقدير استغلال هذه الحرب أفضل استغلال في منطقة الشرق الأوسط.

وأكد خبير العلاقات الدولية على أن انتشار المعدات العسكرية الأمريكية بهذه الضخامة في منطقة الشرق الأوسط أو البحر المتوسط، وكذلك الرد الروسي بإعلان حالة الاستنفار في صفوف أسطول البحر الأسود، يعتبر نوع من إظهار العضلات بين واشنطن وموسكو.

ويرى كذلك "اليمني" أن هذا الانتشار يعبر عن أن هناك نظام عالمي جديد يتشكل أو في طور التشكيل بقيادة روسية – صينية. ولعل الحديث عن تغير شكل النظام الدولي يتواتر بشكل كبير خلال آخر عامين على الأقل سواء لدى الساسة في مختلف دول العالم أو دراسات مراكز التفكير والأبحاث، لا سيما منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير/ شباط من العام الماضي.

وعقب اندلاع الأحداث في غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الماضي، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية حاملة الطائرات جيرالد فورد، ثم لحقتها حاملة الطائرات الثانية "يو إس إس أيزينهاور"، ثم أرسلت واشنطن لاحقاً الغواصة النووية "أوهايو" التي يقال إن لديها إمكانيات قادرة على نسف 25 دولة.

استفنار لحماية الأمن القومي الروسي


بدوره، يقول الدكتور عباس حبيش نائب رئيس المركز الثقافي العربي الروسي في روسيا إن هذا الإعلان جاء من قبل الرئيس بوتين في ختام زيارة له إلى الصين بعد أن وجه له أحد الصحفيين سؤالاً حول الانتشار العسكري الأمريكي في البحر المتوسط، وكشف وقتها عن أن هناك دوريات جوية باشرت عملها فوق البحر المتوسط، والأمر كان بمثابة تأكيد من الرئيس الروسي على أن موسكو جاهزة لحماية نفسها من أي خطر قد يهدد أمنها القومي.

وأضاف "حبيش"، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن كثيرين لم ينتبهوا لهذا القرار المهم بشأن القوات الجوية الروسية في البحر الأسود، والتي أصبحت في حالة استنفار دائم لتكون جاهزة في حال تمت أية عمليات قد تكون مهددة للأمن القومي الروسي، وبالتالي فإن القيادة السياسية الروسية تنظر إلى حد ما بعين الريبة تجاه الانتشار الأمريكي في البحر المتوسط.

وتصاعد منحنى التوتر بين موسكو وواشنطن عقب العملية العسكرية الروسية الواسعة التي تم تنفيذها في أوكرانيا بدايات العام الماضي، في ظل الدعم الأمريكي المفتوح لكييف وكذلك الغربي، فيما يتم النظر إلى حرب غزة كبؤرة جديدة للاستقطاب بين روسيا وأمريكا وبينهم كذلك الصين التي تتقارب بشكل كبير مع الروس.