ماذا يعني قرار القضاء الفرنسي بتوقيف بشار الأسد وتداعياته؟.. سياسيون يجيبون

أثار قرار محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الأربعاء، بالتصديق على مذكرة التوقيف التي أصدرها قضاة تحقيق بحق بشار الأسد كثيرًا من التساؤلات حول تداعياتها.

القرار جاء في إطار اتهام لبشار الأسد بالتواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية  في الهجمات الكيميائية القاتلة التي وقعت في أغسطس/آب من عام 2013، التي ارتكبت ليل 4 إلى 5 في درعا ودوما وأدت إلى سقوط 450 جريحًا، وفي 21 من ذات الشهر في الغوطة الشرقية حيث قُتل أكثر من ألف شخص وفق الاستخبارات الأمريكية بغاز السارين.

وأعلنت محاميات الأطراف المدنية للصحافة في ختام المداولات التي جرت في جلسة مغلقة أنه قد "تمت المصادقة" على مذكرات التوقيف، وبهذا القرار، تكون غرفة التحقيق قد رفضت طلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب بإلغاء مذكرة التوقيف بسبب الحصانة الشخصية للرؤساء أثناء وجودهم في السلطة.

عنصر ضغط؟

لا يتوفر وصف.

حول هذا القرار، أشاد الدكتور رياض درار الرئيس المشترك السابق لمجلس سوريا الديمقراطية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، بقرار المحكمة الفرنسية، مشيرًا إلى أنه لا يقتصر على بشار الأسد فقط، بل على عدد من قيادات النظام السوري، وهو قرار يعبر عن الموقف الفرنسي المتميز الذي لا يؤمن بفكرة التقارب مع الأسد.

واستبعد درار أن يكون هذا القرار نتيجة لتوجيهات سياسية فرنسية، موضحًا أنه جاء نتيجة التحركات الكبيرة التي يقوم بها لوبي سوري داخل الأراضي الفرنسية تضرر من النظام وقد قدم عديدًا من الشكاوى وقام بتحركات مستمرة، ولهذا فنحن أمام قرار قضائي بامتياز وليس قرارًا سياسيًا.

وعن التداعيات السياسية لقرار المحكمة لا سيما أنه يأتي في وقت ذهبت كثير من الدول إلى تطبيع علاقتها مع بشار الأسد، يقول السياسي البارز إنه ما من شك أنه يحمل قدرًا من الضغط على النظام السوري، أما فيما يتعلق بتطبيع العلاقات فيجب الأخذ في الاعتبار أن هناك وجهتين نظر بشأن هذه المسألة، الأولى تكتيكية ترى أن التطبيع والتقارب مع النظام ضرورة لتحريك المياه الراكدة في الأزمة السورية ولتغيير سياسات النظام واتخاذ بعض القرارات في إطار القرار رقم 2254.

ولفت إلى أن وجهة النظر الثانية تؤمن بأن النظام السوري لن يغير سلوكياته ولن يعدلها، وبالتالي مسألة تطبيع العلاقات معه لن يكون لها تأثيرًا في مسار حل الأزمة السورية، وهنا فإن فرنسا تؤمن بهذه الرؤية، وهذه أبرز ملامح الموقف الفرنسي تجاه الأزمة السورية والنظام.

مسار قانوني وقضائي

وقد أكد مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب أنه "بالإجماع يعتبر حتى الآن" أن الاستثناءات للحصانة الشخصية لرؤساء الدول في مناصبهم "مخصصة للهيئات القضائية الدولية فقط" مثل المحكمة الجنائية الدولية وليس محاكم الدول الأجنبية، مشيرًا إلى أن ذلك يأتي دون التشكيك في وجود عناصر تثبت تورط بشار الأسد في الهجمات الكيميائية التي ارتكبت، وإنما المدعي أراد فقط أن تبت في هذه المسألة محكمة أعلى.

المحلل السياسي الدكتور علي المرعبي رئيس تحرير مجلة كل العرب التي تصدر في باريس يكشف لوكالة فرات للأنباء (ANF)، بعض من تفاصيل هذا القرار وتداعياته السياسية والقانونية، فيقول إن توقيته لا يحمل دلالة ما ولكنه أتى في إطار إجراءات وخطوات قضائية، وما حدث أن الحكم كان قد صدر من قبل ولكن المدعي العام الخاص بمكافحة الإرهاب في فرنسا كان لديه اعتراض على إصدار مذكرات توقيف بحق بشار الأسد.

لا يتوفر وصف.

وأوضح المرعبي أن المدعي العام اعترض على أساس أنه لا يحق للقضاء الفرنسي إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس لا يزال في السلطة، في المقابل فإن المحامين الذين كان يحركون الدعوى بدورهم طعنوا أمام محكمة الاستئناف ضد موقف المدعي، وجاء الحكم لصالحهم برفض اعترض الأخير.

وأشار إلى أن قرار المحكمة جاء برفض طعن المدعي العام الخاص بمكافحة الإرهاب استنادًا إلى أن أدلة ووثائق وفيديوهات تدين النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية واستخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع خصوصًا في الغوطة وكان ذلك في أغسطس/آب من عام 2013، ولهذا أقرت بأحقية استصدار مذكرات التوقيف.

ويرى المرعبي أن الخطوة الأهم الآن أن تصدر بالفعل مذكرات توقيف بحق الأسد، فصحيح أنه قد صدر قرار قضائي بأحقية استصدارها لكنها لم تصدر بعد، موضحًا أنه في حال صدرت المذكرات سيتم إبلاغ الشرطة الدولية "الإنتربول" بها، وبناء عليه فإن أي دولة ضمن نطاق عمل الإنتربول مطالبة بالقبض على بشار الأسد إذا دخل أراضيها ويكون حاله مثل حال الرئيس السوداني السابق عمر البشر، وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

موقف بشار الأسد

وفي قراءة سياسية لهذا القرار القضائي، يؤكد رئيس تحرير مجلة كل العرب أنها خطوة مهمة دون أدنى شك ولكن إذا صدرت مذكرات الاعتقال بالفعل، مشيرًا إلى أن الدول الغربية لم تقم بأي تطبيع للعلاقات مع بشار الأسد وإنما دولًا عربية هي التي فعلت ذلك، وحتى في ضوء ذلك فإن مشاركة الأسد على سبيل المثال في القمة العربية الأخيرة بالبحرين كانت صورية، وبالتالي القرار لا يمثل جديدًا بالنسبة للموقف الأوروبي المعروف من بشار.

أما عما قد يفكر فيه بشار الأسد بشأن قرار تلك المحكمة وما قد يستتبعه من أوامر القبض من قبل الإنتربول، يقول المرعبي إن رئيس النظام السوري لن يغير مواقفه، فهو يعتمد كلياً على الدعم الإيراني الروسي ويتحصن به، وإن كنا كما نعلم أن طهران وموسكو لكل منهما أسبابها المختلفة لدعم حكومة دمشق، الأول في إطار مشروعها التوسعي، والثانية في إطار ضمان وجود قواعدها البحرية في اللاذقية وطرطوس.

وذكرت وسائل إعلام فرنسية أنه في الأيام المقبلة قد تتقدم نيابة مكافحة الإرهاب باستئناف أمام محكمة النقض، أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي، وربما يقتصر الطعن على مذكرة التوقيف الخاصة ببشار الأسد فقط، بينما لن يتم الطعن على استصدار مذكرات توقيف بشأن شقيقه ماهر الأسد وضابطين آخرين هما بسام الحسن وغسان عباس.