ويجمع خبراء سياسيون على أن "أردوغان" لن يتخلى عن تلك المجموعات الإرهابية، وسيحرص على إبقائهم داخل سوريا؛ لأنهم يشكلون مخلب قط وورقة مهمة له يستخدمها في أي وقت أراد فيما يتعلق بالوضع في سوريا وليس سوريا فحسب، بل في كل شبر تمتد إليه أجندة الرئيس التركي التوسعية.
انكشارية العصر
في هذا السياق يقول الدكتور طه علي الباحث والمحلل السياسي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء، إنه لا يتوقع أن تخرج تلك الجماعات من المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في سوريا، أي أنها ستظل رأس حربة وأداة تنفيذية للمخططات التركية في المنطقة، فمن المستبعد أن تتراجع القوات التركية للخلف.
وأضاف "علي" أن أحد ركائز الاستراتيجية التركية الإقليمية هو توسيع مساحات الحضور التركي في دول الجوار، خصوصاً في ظل هذه المرحلة التي يُعلي فيها الرئيس التركي أردوغان الحس القومي، ولإرضاء التيارات القومية الداعمة له في الداخل التركي، فإن السيطرة والوجود في مناطق خارجية ورقة مهمة بالنسبة للنظام في تركيا.
وقال المحلل السياسي المصري إن خروج هذه الجماعات يجعل تركيا غير مسيطرة على أوراق التفاوض، وبالتالي تلك القوات سواء تركية أو وكيلة من مرتزقة أو جماعات إرهابية تضمن تنفيذ المخطط التركي لما يتصوره صانع القرار في "أنقرة" بأن هذا تأمين لحدوده.
واستبعد الدكتور طه علي مسألة حدوث التطبيع الكامل في العلاقات بين دمشق وأنقرة، لأن كل طرف لديه شروطه، فدمشق تريد الانسحاب الكامل للقوات التركية والقوات الموالية لها، و"أنقرة" تتمسك بوجودهم، فهناك شروط وثوابت كل طرف يتمسك بها، وبالتالي لا أعتقد أنه سيكون في المنظور القريب تطبيعاً كاملاً بين النظامين السوري والتركي.
ويتوقع المحلل السياسي عدم خروج تلك الجماعات لأنها تسيطر على الأرض، وفي علم الصراع غاية المنى عند كل طرف السيطرة على الأرض، وبالتالي يمكن أن نشهد تنسيقاً أمنياً بين أردوغان وبشار الأسد، لكن أن تخرج تلك القوات لن يحدث لأنهم سيظلون رأس حربة لمخططات الرئيس التركي في المنطقة.
وأكد أنه لو كانت تركيا ستسحب قواتها من سوريا كانت من باب أولى سحبتهم من ليبيا، فهؤلاء هم البديل في استخدام القوة عن الجيش التركي، مضيفاً أن "أردوغان" يروج دائماً لفكرة الميثاق الميللي وتعويض الخسائر التي تعرضت لها بلاده بعد اتفاقيتي سيفر ولوزان بعد انهيار الدولة العثمانية، ولهذا فإن الخطاب التركي كله قائم على استعادة المجد العثماني.
وقال "علي"، في ختام تصريحاته لوكالة "فرات" للأنباء، إن قوات المرتزقة إحدى مفردات السياسة التركية خارج حدودها منذ قديم الأزل، أي منذ الانكشارية، فالعثمانيين هم من استنوا فكرة قوات المرتزقة وهم الانكشاريين وقتها.
الجيش الرديف
بدوره، يقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي العراقي حازم العبيدي، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء، إن هذه الجماعات الإرهابية والمرتزقة سواء في سوريا أو ليبيا يعتبرون جيشاً رديفاً للجيش التركي في تلك المناطق، فهم يقومون بنفس الدور الذي يقوم به الحرس الثوري الإيراني من أعمال تخريبية وخدمة المخططات التوسعية.
وأضاف "العبيدي" أن مصلحة أردوغان أن تبقى تلك العناصر الإرهابية في سوريا؛ وذلك أولاً لأنها ستبقى دائماً خنجراً في ظهر الدولة السورية من خلالها يحقق مخططاته وأهدافه، وفي الوقت ذاته هؤلاء لا يمكن أن يستقبلهم الرئيس التركي داخل تركيا؛ لأنهم حتى لو كانوا موالين له فهم بمثابة "نار" يمكن أن تحرقه في أي وقت.
وأشار المحلل السياسي العراقي كذلك إلى أن بشار الأسد بدوره استخدم وجود هؤلاء الإرهابيين الموالين لتركيا في سوريا ليدعم شرعيته ويستفيد من وجود هؤلاء ليتحدث عن نظرية المؤامرة، وقد كان وجودهم مبرراً لعنف النظام السوري وما ارتكب من جرائم بحق الشعب السوري.
وخلال السنوات الماضية عمل الرئيس التركي على جلب آلاف المرتزقة من جنسيات مختلفة سورية وتونسية وتركمانية وعراقية ودعمهم وقدم لهم المال والسلاح بالتعاون مع جماعات داعش والقاعدة، وتشير كثير من التقارير الدولية إلى أن هؤلاء المرتزقة والإرهابيين متورطون في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويرى المحلل العراقي حازم العبيدي أنه يجب محاسبة أردوغان ومحاكمته دولياً لجلبه هؤلاء الإرهابيين والمرتزقة، فهذا أمر يخالف الأعراف والمواثيق الدولية التي تدعو إلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شوؤنها الداخلية.