بدء هجوم بري ومخاوف من شبح 1982.. أي سيناريو تجهزه إسرائيل للبنان؟

عقب قصف ثقيل وضربات موجعة لحزب الله، بدأت إسرائيل في ساعة مبكرة من فجر اليوم الثلاثاء عملية برية جنوب لبنان، وتبدو حسب مراقبين أنها تعيد البلاد لشبح سيناريو 1982.

وقد أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه قد بدأ "عملية عسكرية برية مركزة" ضد أهداف لحزب الله في جنوب لبنان، وذلك بعد وقت وجيز من إعلان الحكومة الإسرائيلية المصغرة الموافقة على ما أسمته بالمرحلة التالية من العمليات باتجاه لبنان.

وقد أتى التحرك العسكري الإسرائيلي البري عقب ضربات مكثفة ومتتالية باتجاه عديد من مواقع حزب الله على مدار الأيام الماضية، نجحت في إسقاط عدد كبير من قادته على رأسهم حسن نصرالله الأمين العام وكبار المسؤولين العسكريين به، في تطورات جرّت لبنان ووضعته تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي.

وما يدعو إلى مزيد من المخاوف أن كثير من التسريبات الإسرائيلية التي رشحت على مدار الفترة الماضية تتحدث عن أن الظروف مواتية لإمكانية إعادة رسم الجغرافيا الإسرائيلية، أي عبر احتلال جنوب لبنان وتحويله إلى مستوطنات إسرائيلية، وكذلك الحال بالنسبة لقطاع غزة، وربما يمتد الأمر إلى مناطق أخرى في الجوار الإسرائيلي.

سيناريو قاتم

هل سيناريو المواجهة البرية بين إسرائيل وحزب الله مطروحا؟ كان هذا سؤالًا وجهته وكالة فرات للأنباء (ANF) إلى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن اللبناني محمد القزاز قبل أشهر، واستبعد وقتها هذا السيناريو، لكنه يقول في تصريحات جديدة إنه ما كان أحد يتوقع أن يغامر أي طرف ويندفع نحو الحرب المباشرة.

وأضاف الكاتب الصحفي المصري أن ما غير المعادلة فعليًا كان اغتيال القائد العسكري الكبير بحزب الله فؤاد شكر، ثم تفاقم الأمر أكثر مع اغتيال حسن نصر الله، ما شكل استفزازًا كبيرًا للحزب، ومن ثم بات الأمر واضحا بأن الهجوم البري لإسرائيل كان آت لا محالة.

ويقول القزاز أن الإشكالية الحقيقية أن الضربات الإسرائيلية من الواضح أنها لن تكون مقتصرة على الجنوب، ولا على الضاحية الجنوبية لبيروت، وإنما ستتمدد إلى مناطق أخرى سواء لاستهداف عناصر حزب الله أو استهداف بعض العناصر الفلسطينية، مشددا على أن نتنياهو يصر على حرب شاملة تعيد إلى الأذهان الاجتياح البري الذي جرى عام 1982 ووصل إلى احتلال بيروت، مرجحا تكرار هذا السيناريو.

عملية محدودة؟

وهذه هي المرة الأولى التي تنفذ فيها إسرئيل عمليات برية داخل الأراضي اللبنانية منذ حرب 2006 التي نشبت عقب أسر حزب الله عسكريين إسرائيليين، ووقتها استمرت لنحو 34 يوما، ولم تتمكن تل أبيب وقتها من حسم المعركة لصالحها بشكل كامل، لكنها يبدو هذه المرة استعدت بشكل كبير لتحقيق ما أخفقت فيه سابقا.

وتحوم شكوك حول أن تبقى العملية العسكرية البرية في إطار محدد، رغم تأكيد مصادر عدة في تل أبيب أنها ستكون كذلك، وحديث وسائل إعلام أمريكية عن رفض واشنطن التوسع الإسرائيلي البري في الأراضي اللبنانية وربما فكرة الاجتياح البري ككل وسط قناعات بأنها قد تزيد من شعبية حزب الله.

لكن التماهي مع التصريحات الإسرائيلية أمر لا يمكن الاعتماد عليه بدرجة كبيرة في استنباط ما قد تكون عليه الأوضاع خلال الأيام المقبلة، لا سيما أن إسرائيل في بداية الحرب بقطاع غزة كانت تتحدث عن توغل بري محدود في بعض مناطق الشمال، لكن مع الوقت تحول الأمر إلى اجتياح بري كامل، وأيضا كانت التسريبات بشأن موقف الإدارة الأمريكية متشابهة.

ليس هذا فحسب، ففي عام 1982 حين قامت إسرائيل باجتياح بري أعلن أرئيل شارون أن عملياته تستهدف الدخول إلى نحو 40 كلم بهدف طرد الفصائل الفلسطينية المسلحة من جنوب لبنان، إلا أن ما حدث أن تل أبيب احتلت بيروت وقتها.

يتفق الكاتب الصحفي اللبناني صلاح سلام مع الرؤية السابقة، إذ قال في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF) إنه لا يمكن على الإطلاق الثقة في تصريحات إسرائيل "الخادعة والكاذبة"، حسب تعبيره، مشيرا إلى أن تجربة لبنان عام 1982 خير دليل على ذلك.

وأضاف أن تل أبيب تعلن أن العملية الهدف منها الوصول إلى جنوب نهر الليطاني والبقاء هناك في المنطقة التي نص عليها القرار رقم 1701 بأن تكون منطقة خالية من المسلحين وتكون منطقة عمل للجيش اللبناني بالتنسيق مع القوات الدولية الموجودة هناك، مشددا أنه لا يوجد أي ضمانات أن تبقى عملية إسرائيل عند هذا الحد ويمكن أن تمتد شمالا.

استعدادت عسكرية

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية عدة أعلنت، فجر اليوم، أنه في ضوء هذا التحرك العسكري البري، فإن القوات البحرية وقوات جوية مستعدة للتدخل في أي وقت إن لزم الأمر، فيما يتزامن ذلك مع تكثيف الولايات المتحدة الأمريكية تواجد قواتها في الشرق الأوسط.

وحول تلك الاستعدادات، يؤكد الخبير العسكري اللبناني إلياس حنا أنه من السابق لأوانه الحديث عن توسع العملية البرية الإسرائيلية، مؤكدا أنها حتى الآن ستبقى في إطار مسافة لا تتجاوز 5 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، بهدف تدمير البنية التحتية لحزب الله في هذه المنطقة والتأثير بشكل كبير على منظومته الصاروخية.

ولفت إلى أن هذه الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية المعلن عنها أمر طبيعي في ظل شن الجيش عمليات على الأرض، معتبرا أن كل المعطيات حتى الآن تشير إلى أن العمليات الإسرائيلية ستبقى محدودة ومركزة في نطاق جغرافي معين، مؤكدا أن الأمر لا يمكن قياسه بعد على ما جرى في قطاع غزة وعلى الطبيعة الجغرافية المختلفة للمنطقتين.

ويعتقد البعض أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يتحسس الوضع في جنوب لبنان، خاصة أنه عندما تقدم عام 2006 داخل لبنان لاقى خسائر كبيرة، لا سيما الأكمنة التي نصبت للدبابات الإسرائيلية، ومن ثم فإن ما قد تكون عليه الأيام المقبلة يتوقف على قراءة إسرائيل للوضع على الأرض.

ولا شك أن هذا التوغل الإسرائيلي البري في الأراضي اللبنانية أشد صور التصعيد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط مخاوف تتواصل وتحذيرات إقليمية ودولية من انزلاق المنطقة إلى حرب واسعة النطاق.