كان قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" قد عقدوا اجتماعاً مؤخراً أقروا خلاله جاهزيتهم للتدخل العسكري في أقرب وقت، حيث اتفقوا على تشكيل قوة عسكرية تكون جاهزة للتحرك في أي وقت دون أن تظهر معلومات بعد حول حجم تلك القوة في وقت تتسابق أطراف الأزمة في النيجر على جذب الدعم الخارجي بين روسيا وأمريكا.

ملامح انفتاح على حل دبلوماسي

وأمس الأحد أعلن وفد الوساطة المكون من رجال دين نيجيريين أن قادة الانقلاب في النيجر أبدوا الاستعداد لحل الأزمة عبر الحل الدبلوماسي، حيث أبلغهم قائد الانقلاب عبد الرحمن تياني أن بابه مفتوح للسلام والدبلوماسية وليس الحل عبر الصراع، بحسب بيان رجال الدين الذين يتحركون بموافقة من رئيس نيجيريا الذي يتولى حالياً الرئاسة الدورية لمجموعة "إيكواس".

ولفت بيان وفد الوساطة إلى أن الغضب بين قادة الجيش مرده الأساسي كان الإنذار باستخدام القوة العسكرية ضدهم الذي تبنته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، كما انتقد البيان التلويح باستخدام القوة العسكرية لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم. وكانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قطعت المعاملات المالية وإمدادات الكهرباء وأغلقت الحدود مع النيجر غير الساحلية، مما منع الواردات التي تشتد الحاجة إليها في واحدة من أفقر دول العالم.

وقد أدى احتمال التدخل العسكري لإعادة الرئيس المخلوع إلى الانقسام بين أعضاء المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وسط انتقادات لإمكانية استدعاء دول أجنبية للتدخل في النيجر، وقالت مالي وبوركينا فاسو، جارتا النيجر، اللتان تحكمهما أيضاً حكومات عسكرية استولت على السلطة في انقلابات، إن التدخل سيكون بمثابة إعلان حرب عليهما.

مخاوف من حرب واسعة

في هذا السياق، يقول رامي زهدي الخبير في الشؤون الأفريقية، لوكالة فرات للأنباء، إن الأمور في النيجر لن تكون في صالح أي طرف إذا تطورت باتجاه الحل العسكري أو التدخل العسكري بين الطرفين وبدعم خارجي سواء من روسيا والصين أو فرنسا وأمريكا، لأن هذه المنطقة من أفريقيا لا تتحمل هذا العبء، خصوصاً أن دول إيكواس لديها وضعاً اقتصادياً هشاً وأوضاعاً سياسية واقتصادية لا تتحمل مسألة التدخل العسكري.

وأضاف "زهدي" أن حدوث الصراع بهذا الشكل يعني إمكانية تحوله إلى صراع قبلي وعرقي لن يقتصر عند حدود النيجر فقط، بل سيمتد إلى دول جوار النيجر، ومن ثم فنحن سنكون أمام تهديد كبير للأمن والسلم في قارة أفريقيا التي تعاني بالأساس وليست مستعدة لأزمة جديدة بهذا الشكل.

ويلفت الخبير في الشؤون الأفريقية إلى أن النيجر من الدول المعتادة على الانقلابات، فالانقلاب الأخير ربما يكون الرابع في تاريخها، كما أنها تقع في منطقة معتادة على الانقلابات، فآخر 25 انقلاب عسكري وقعوا في قارة أفريقيا كان بينهم 21 انقلاب حدثوا في منطقة الغرب والساحل الأفريقي، بينما القارة شهدت تاريخياً حدوث 205 انقلاب نجح منهم 100 ولذلك تصنف بأنها قارة الانقلابات العسكرية.

ويقول رامي زهدي إن كل الانقلابات أو معظمها كانت تسير وفق سياسة الأمر الواقع ويتم تقنين وضع من قاموا بالانقلاب بغض النظر عن أسبابه سواء تصحيح أوضاع أو صراع سياسي، لكن في النهاية يتم تقنين الأوضاع وكتابة دستور جديد يتواكب مع الإرادة الشعبية، لكن وضع النيجر كذلك مختلف.

وأوضح أن المختلف في النيجر أن هناك إرادة شعبية داعمة للانقلاب، فقد كان ما يحدث مع انقلابات سابقة أنه نتيجة الظروف المعيشية لشعب النيجر لا يهتمون بما يحدث في الحكم، لكن هذه المرة خرج البعض وأعلنوا في مظاهرات دعمهم لما يقوم به قادة الانقلاب وذلك لأول مرة، وربما من خرجوا لدعم الانقلاب أكثر ممن عارضوه، وهذا يعني أنه لا أحد يستطيع مجاراة سيناريو الصراع العسكري في هذا البلد ومسألة الاستقواء بدول خارجية.

وفي ختام تصريحاته، يرى رامي زهدي أن الصيغة المناسبة للحل أن مجموعة الإيكواس تقدم صيغة سياسية للحل، فليس هناك ما يمنع أن يتم تنظيم استفتاء شعبي بخصوص الوضع السياسي الجديد، وكذلك أن تحمي الإيكواس الرئيس المنقلب عليه وأطراف النظام السياسي المخلوع لأن الأمر كان مرتبطاً بصراع سياسي، كما يجب أن تكون هناك عقوبات لكن يجب أن تكون على الأطراف المتورطة في الأزمة ولا يصل تأثيرها إلى الشعب حتى لا يدفع الثمن، مع العمل على فتح حوار دبلوماسي.

هذا ما حدث

وفي 26 تموز/ يوليو المنصرم كان الرئيس النيجري محمد بازوم يتابع عمله اليومي في قصره الرئاسي ليتفاجأ بدخول 3 ضباط عليه يطلبون نقله إلى غرفة أخرى وأن هناك أمراً ما يحدث في الدور الأرضي من القصر، وكانت هذه بداية الانقلاب العسكري في البلاد الذي حول القصر إلى محبس للرئيس المخلوع الذي يقضي أسبوعه الثالث داخله.

وكان الرئيس المخلوع قد كتب الأسبوع الماضي مقالاً في إحدى الصحف الأمريكية يدعو الولايات المتحدة إلى تدخل عسكري لمنع سقوط بلاده في براثن النفوذ الروسي على حد زعمه، فيما دعا قادة الانقلاب بدورهم قوات فاجنر الروسية إلى التدخل ومساندتهم معتبرين أنهم يواجهون نفس العدو الذي تواجهه روسيا.