"المرأة حياة حرّة" الشعار الذي وحَّد صفوف النساء في كافّة أنحاء العالم، أين ومتى وكيف؟ المكان طهران في إيران، وقبل أكثر من خمسة عشر يوماً عندما انتفضت النساء في كافّة أنحاء البلاد، احتجاجاً على مقتل الشابة الكردية مهسا أميني (جينا) البالغة من العمر اثنين وعشرين ربيعاً، على يد السلطات الإيرانية، التي تتخذ من قتل النساء وتعنيفهن هدفاً لها.
هذا الشعار الذي تصدح به حناجر آلاف النساء شرقي كردستان وإيران، خلال الاحتجاجات الشعبية ذات الطابع النسوي، التي ألفت بين قلوب جميع النساء، ووحدت صفوفهن في كافة أصقاع العالم، بدأت النساء بترديده بأعلى أصواتهن في الاحتجاجات العارمة والمناهضة لسياسات وممارسات للنظام الإيراني، وبقص شعرهن في كافة الميادين والساحات، في رسالةٍ واضحةٍ وصريحةٍ للحاقدين على المرأة، وجسدها وروحها وفكرها وإرادتها الحرة، بأنهن لن يقبلن من الآن فصاعداً بسياستهم، التي تحرم المرأة من أبسط حقوقها في الحياة، وتفرض عليها قوانينَ وتشريعاتٍ مجحفةً لا تمتّ لقوانين وحقوق الإنسان بصلة أبداً.
واللوحة الأكثر برزواً في هذه الاحتجاجات والتي تبعث في المرء القوة إثر مشاهدتها عن كثب، هي أنه على الرغم من تباعد المسافات الجغرافية وعدم اتصالها، ما بين أولئك النساء في شتى أصقاع العالم، واختلاف الأفكار، والألوان، واللغات والثقافات والأديان والهويات، والأوطان، فإنهن تضامنَّ بشكلٍ كبيرٍ لا مثيلَ له، مع الشابة الكردية المنحدرة من مدينة سقز في شرق كردستان مهسا أميني، وعبّرن عن دعمهنَّ الكامل لقضيتها وثورتها القائمة بسواعد النساء، وأطلقن نداءاتٍ ودعواتٍ لمحاسبة مرتكبي هذه الجريمة البشعة، المتمثلين بعناصر شرطة النظام الإيراني.
وها هنّ الأمهات في أجزاء كردستان الأربعة، يؤكدن أنه على الرغم من رحيل مهسا، فإن مسيرة نضال المرأة ضد الاستبداد لن تتوقف، فمع استشهاد مهسا، ولدت ألف مهسا جديدة، أما خصلةُ شعرها فتحوّلت إلى رمزٍ لثورةٍ تخطّت حدود البلاد، وتردّد صداها في جميع أنحاء العالم.
نعم وحدة النساء ورصُّ صفوفهنَّ يتطلّب تكاتفاً قوياً وحقيقياً، وعلى كافة الصّعُد، لمواجهة كافة الانتهاكات والممارسات اللاأخلاقية، التي تستهدفهن، وآلة القمع المخزية والهمجية التي ترى في النساء الحلقةَ الأضعفَ لصب جام غضبها عليهنّ، في كافة الأماكن والأزمنة، ومتى سنحت الفرصة لها.
اليوم وبعد جريمة قتل مهسا أميني وتكاتف النساء معاً، وما سبقها في مدينة كوباني السورية، عندما تصدّت المقاتلات في صفوف وحدات حماية المرأة، لهجمات مرتزقة داعش نيابةً عن جميع نساء العالم، وسطّرنَ أروع ملاحم البطولة والتضحية بالذات، وضحّين بالعشرات من المقاتلات من أجل أن تعيش جميع النساء بأمان، لا بُدَّ من تشكيل منصةٍ موحدةٍ ومشتركةٍ لتوحيد نضال وجهود جميع النساء، من أجل تحقيق الحرية والحياة الكريمة، التي طالما سعَين وراءها.
قضية مهسا أميني وجريمة قتلها، ليست محصورةً فقط بفرض نظام الحجاب أو تحجيب المرأة، أو ظهور خصلةٍ من شعرها من تحت قطعة القماش التي كانت تغطي بها رأسها، الجميع يعلم أن النظام الإيراني، مُعادٍ للمرأة ونضالها، مُعادٍ لمبادئ ومقاييس الحرية والديمقراطية كاملة، إذ يُعتبر النظامَ الأكثرَ اضطهاداً للمرأة في المنطقة، بحرمانها من أبسط حقوقها الطبيعية، فهو يقمع النساء بوحشيةٍ لا مثيلَ لها ويسيء معاملتهن على الدوام، كما أنه يعد نظاماً عسكرياً مناهضاً للحياة الديمقراطية والأخلاق الإنسانية والمجتمعية الأصيلة، لذا فاليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، هناك حاجةٌ ماسّةٌ للتصدي لهذا النظام، ولقواعده الصارمة ضد النساء، وذلك بهدف إرساء نظامٍ ديمقراطيٍّ يشمل جميع المكونات التي تعيش في إيران، من أجل تحصيل حقوق المرأة في الحرية والحياة والعيش بأمنٍ وسلامٍ وكرامة، ومشاركتها في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية.
من هنا على جميع النساء الكرديات والإيرانيات، ومن شتى المكونات الرئيسية الأخرى، الموجودة في المجتمع الإيراني وشرق كردستان، أن يدركن جيداً أنه من خلال تصعيد روح النضال، والعمل التنظيمي والتوعوي والتشاركي، يستطعن الخلاص من أنظمة الاستبداد والقمع والعنصرية وتحقيق كل ما يصبون إليه، وإدراك أنّ عصرتلك الأنظمة قد ولّى دون رجعةٍ، وأن المجتمع باقٍ بديناميكياته البنيوية الأساسية، بأخلاقه وعاداته وتقاليده القويمة السليمة الأصيلة، التي لا يمكن للجنس البشري التخلي عنه... وليرددن معاً بصوتٍ واحدٍ مرةً أخرى، في وجه آلة القمع، الشعار الأسطوري والتاريخي "المرأة حياة حرة" jin jiyan azdî وبكافة لغات العالم، حتى لا تبقى امرأةٌ واحدةٌ خارج إطار التنظيم، ولتصبح ثورةُ الشابة الكردية مهسا أميني ثورةَ جميع النساء في العالم، ليس في إيران فقط. وليصبح القرن الحادي والعشرين قرن حرية المرأة. ولتنبض قلوب جميع النساء هذه المرة عبقاً بروح جينا أميني الذي تركت أثراً بقدر كبر الجبال وشموخها على الجميع.
نعم الروح كرديةٌ والثورة نسويةٌ عالميةٌ لا حدود لامتدادها. وتطويرها وتعزيرها سيكون بسواعد النساء المنظمات، واللواتي يخضن نضال الحرية من أجل من خلق حياةٍ كريمة.