كشف إيفان أوس مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أنه أصبحت حرب روسيا الشاملة ضد أوكرانيا إحدى القضايا الرئيسية على جدول الأعمال العالمي. تأكيد آخر لهذه الحقيقة هو القمة التي عقدت يومي 5 و 6 آب/ أغسطس 2023 في مدينة جدة (المملكة العربية السعودية)، وشارك في هذه القمة ممثلو 42 دولة من مختلف المناطق، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. كان هذا هو الاجتماع الثاني من نوعه، وكان موضوعه تحقيق السلام في أوكرانيا.
وأكد أوس في تصريح خاص لوكالة فرات، أنه عقد الاجتماع الأول في 24 حزيران/ يونيو 2023 في مدينة كوبنهاغن (الدنمارك)، وعقدت المشاورات حول المبادئ الأساسية للسلام على مستوى مستشاري الأمن القومي، وكذلك المستشارين السياسيين من البرازيل، بريطانيا العظمى، الدنمارك، الاتحاد الأوروبي، إيطاليا، الهند، كندا، ألمانيا، جنوب إفريقيا، المملكة العربية السعودية، الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، أوكرانيا، فرنسا واليابان.
كما تم تقديم في الاجتماع الأول، الذي عقد في جدة، خطة السلام لرئيس أوكرانيا زيلينسكي، والتي تتكون من 10 نقاط، وهي:
1ـ الإشعاع والسلامة النووية.
2ـ سلامة الغذاء.
3ـ أمن الطاقة.
4ـ الإفراج عن جميع الأسرى والمبعدين.
5ـ تنفيذ ميثاق الأمم المتحدة واستعادة وحدة الأراضي والنظام العالمي.
6ـ انسحاب القوات الروسية ووقف الأعمال العدائية.
7ـ إعادة العدالة، أي محاكمة المذنبين بارتكاب الاعتداء والتعويض عن الأضرار.
8ـ منع الإبادة البيئية.
9ـ ضمانات أمنية لأوكرانيا لمنع التصعيد.
10ـ تحديد نهاية الحرب.
وأضاف مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أنه مع ذلك، كان الاجتماع الثاني مختلفاً بشكل كبير عن الاجتماع الأول، لأنه إذا تم الاجتماع في كوبنهاغن لأوكرانيا، باستخدام مصطلحات كرة القدم، في "ميدانها الخاص" (بشكل رئيسي في دائرة الحلفاء)، فإن الاجتماع الثاني كان حول "المجال المحايد" (حيث كانت مجموعة كبيرة من المشاركين من ممثلي الدول التي ليست حلفاء لأوكرانيا بشكل معلن).
وبين أوس، أنه يعتبر تمثيل موقف أوكرانيا في مثل هذه الشركة مهماً للغاية بالنسبة لأوكرانيا، لأن أوكرانيا تسعى إلى توحيد أكبر عدد ممكن من الدول حول رؤيتها لتحقيق السلام في أوكرانيا، ويجب الإشارة إلى المشاركة في القمة في جدة، الصين، بشكل منفصل. بفضل وجوده، كانت جميع دول البريكس، باستثناء روسيا، في الاجتماع. إنها نقطة مهمة في حد ذاتها أن جميع هذه البلدان- الصين والهند والبرازيل وجمهورية جنوب إفريقيا- وافقت على شكل الاجتماع، الذي لم تكن روسيا حاضرة فيه.
وبين مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أن أحد تطلعات أوكرانيا غير المعلنة في الحرب الحالية هو الرغبة في البدء في تشكيل رؤية العديد من دول العالم لمستقبل العلاقات الدولية دون مشاركة نشطة من روسيا، ولذلك كانت مشاركة الممثل الخاص للحكومة الصينية للشؤون الأوراسية لي هوى في المفاوضات المتعلقة بـ "صيغة السلام" الأوكرانية مهمة أيضاً لأن (كما أشار وزير خارجية أوكرانيا) تسعى أوكرانيا إلى مشاركة الصين في القمة العالمية المستقبلية لـ "صيغة السلام"، وبالتالي فإن "الأنباء التي تفيد بأن الصين ستفوض لي هوى إلى جدة هي إنجاز خارق".
وأردف أوس، أن المملكة العربية السعودية لعبت دوراً مهماً في قرار الصين، وكذلك المحادثة الهاتفية بين رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ولخص وزير خارجية أوكرانيا "السعودية جذبت الصين، وهذا نصر تاريخي".
وناقش مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أسباب مشاركة ممثل الصين، أولاً، عدم الرغبة في إعطاء الدور الرائد في حوار أوكرانيا مع بلدان الجنوب العالمي إلى دول أخرى، وفي مقدمتها الهند، ثانياً هو عدم الرضا عن خطاب روسيا بشأن استخدام الأسلحة النووية وخطوات وضعها في بيلاروسيا (على الرغم من بضعة أيام قبل إعلان روسيا عن هذه الخطة، في اجتماع لزعماء الصين وروسيا في موسكو، من بين أمور أخرى، كان هناك اتفاقاً على عدم انتشار الأسلحة النووية)، وثالثاً عدم الرضا عن قرار روسيا رفض تمديد مبادرة حبوب البحر الأسود. تلقت الصين بموجب هذه المبادرة بضائع أكثر من الدول الأخرى - 24٪ من إجمالي البضائع.
وأردف، انه كانت هذه السلع أساساً من الذرة، وفي هيكل واردات الذرة من قبل الصين، ولعبت الولايات المتحدة وأوكرانيا الأدوار الرئيسية تاريخياً (عندما لم تتمكن أوكرانيا من توريد الذرة إلى الصين، بلغت حصة الولايات المتحدة من واردات الصين من هذا المنتج 99٪. الصين لا تريد أن يكون لديها مثل هذا الاعتماد على الولايات المتحدة)، وتم تقييم مشاركة الصين في هذه الاجتماعات بشكل إيجابي من قبل دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي.
بينما بالنسبة لمصلحة المملكة العربية السعودية بحسب أوس، فمن المفهوم أن الدولة التي تساهم في إنهاء الحرب ستزيد من أهميتها بشكل كبير في السياسة العالمية، مشيراً إلى أنها ليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حل المشكلات العالمية، لأنه منذ أكثر من 4 سنوات، قدم عمليا حلا لأزمة الهجرة الأوروبية عندما قال إنه "يجب صنع أوروبا جديدة في الشرق الأوسط"، وتنفيذ هذه الفكرة من شأنه أن يساهم في حل هذه الأزمة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، مثل الصين والعديد من الدول الأخرى، غير راضية عن قرار روسيا بمنع نقل الحبوب من أوكرانيا عن طريق البحر.
وأشار أوس، أنه بالنسبة للنتائج الحقيقية للاجتماع، فلا توجد معلومات واضحة عنها حتى الآن، ومع ذلك، وفقاً لمصادر معينة، هناك تفاهم على أن النقاط العشر التي اقترحتها أوكرانيا ستؤخذ كأساس للتحضير للقمة المستقبلية بشأن "صيغة السلام"، والمتوقعة في خريف عام 2023.
وأفاد مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، أنه من البيان الصادر في نهاية القمة المنعقدة في جدة، يمكن افتراض أن فنلندا ستشارك بنشاط في إزالة الألغام للأغراض الإنسانية؛ لقد قدمت هلسنكي بالفعل المساعدة في هذا الشأن.
ووفقاً لمكتب رئيس أوكرانيا، أعربت النرويج عن استعدادها للانضمام إلى تنفيذ بند "معادلة السلام" فيما يتعلق بالإشعاع والسلامة النووية، والسويد- أيضاً بشأن هذه المسألة والسلامة البيئية.
وأبدت تركيا استعدادها "للعمل كقائد في تنفيذ بند معادلة السلام فيما يتعلق بالأمن الغذائي"، وناقش مع بولندا وسلوفاكيا نقل الحبوب الأوكرانية برا في ظروف حصار روسيا للموانئ الأوكرانية.
كما عرض رئيس مكتب رئيس أوكرانيا على المملكة العربية السعودية المساهمة في إطلاق سراح السجناء الأوكرانيين واستمرار مبادرة حبوب البحر الأسود.
وعُرض على جمهورية جنوب إفريقيا المساهمة في إطلاق سراح السجناء الأوكرانيين، وعودة الأطفال المرحلين، واستمرار "اتفاقية الحبوب"، بحسب أوس.
ولفت أوس إلى أن كييف تحدثت مع عدد من الدول الغربية حول المزيد من المساعدة العسكرية، ومع أولئك الذين انضموا إلى إعلان مجموعة الدول السبع بشأن "الضمانات الأمنية" لأوكرانيا - حول الاتفاقيات الثنائية المستقبلية في هذا الشأن مع مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، موضحاً أنهم تحدثوا عن تعزيز الدفاع الجوي الأوكراني في الجنوب، بالنظر إلى حقيقة أن روسيا بدأت في مهاجمة الموانئ عن قصد.
بينما كشف السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن السعودية شأنها شأن معظم الدول العربية التي أخذت موقف الحياد في الحرب الأوكرانية، وتنسق مع روسيا في مجموعة أوبك بلس للدول المصدرة والمنتجة للبترول بالنسبة للإنتاج والأسعار، ولم تستجيب لضغوط ترامب لزيادة الإنتاج كي لا تؤثر العقوبات على روسيا على دول أخرى، ورفضت تطبيق العقوبات على روسيا، وقدمت معونات إنسانية تقدر بـ 40 مليون دولار، فهي مقبولة من الطرفين.
وأكد حسن في تصريح خاص لوكالة فرات، أن السعودية بوجه عام كان مقبول عقدها لهذا المؤتمر من الطرفين، خاصة وأنها قامت في وقت سابق هي والإمارات بعمل وساطة بين أوكرانيا وروسيا نجحت في الإفراج عن عدد من الأسرى بين الطرفين.
وأضاف، أنه نتيجة لتلك الخلفية شجعت السعودية لعمل مؤتمر، وكانت السعودية تسعى لوجود تجاوب من جانب أوكرانيا سواء المبادرة الصينية أو أفريقيا وافقت عليها روسيا أو لم تعترض عليها ولكن رفضتها أوكرانيا من البداية، ولذلك قررت السعودية أن تحضر أوكرانيا وتطرح على ممثلي 40 دولة ماذا تريد، وما هو الحل الذي يمكن تنفيذه في المرحلة الأولى بعد وقف إطلاق النار وإطلاق المفاوضات.
وبيّن حسن، أنه ما أفسد المؤتمر هي الدعاية الغربية التي سبقت المؤتمر حتى من قبل سياسيين أمريكيين بأن المؤتمر لحشد الدعم لأوكرانيا وذلك غير صحيح وإنما كان لحلحلة الأزمة الحالية، ولكن الحرب في خلفيتها حرب بين روسيا والولايات المتحدة، وواشنطن لا تريد إيقاف الحرب على الأقل قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كي لا تظهر في موقف أنها تراجعت عن موقفها، وهم دائماً يروجون أن روسيا هي الطرف المتعنت، ولكن العكس الصحيح لأنهم يرون أن الحرب تنهك روسيا والتصنيع العسكري الروسي، لأن موسكو تقف وحدها أمام كل دول الناتو في الإمدادات العسكرية وليس في عدد القوات.
وأوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن النتيجة التي وصل إليها المؤتمر هو رفض الجانب الروسي له خاصة بعد الدعاية الغربية أنه لحشد الدعم لأوكرانيا، وبعد المؤتمر قدم الرئيس الأوكراني زيلينسكي مبادرة من وجهة النظر الأوكرانية التي لم يتغير بها الكثير، مما جعلت موسكو تقول إنها غير مقبولة.
وتطرق حسن لحضور الصين للمؤتمر وهي قدمت مبادرة سابقة وهي دولة لها وزنها، ولكن المشكلة تكمن أن الولايات المتحدة لا تريد وقف القتال الآن.