ما بعد هجوم "داعش" في روسيا.. تحذيرات دولية تتصاعد من موجة إرهاب قادمة
يفتح هجوم قاعدة الحفلات الموسيقية قرب العاصمة الروسية "موسكو" عديداً من التساؤلات التي لا تتوقف، بشأن ما يفكر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك سبل المواجهة مع "داعش".
يفتح هجوم قاعدة الحفلات الموسيقية قرب العاصمة الروسية "موسكو" عديداً من التساؤلات التي لا تتوقف، بشأن ما يفكر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك سبل المواجهة مع "داعش".
وعلى مدار الفترة الماضية، سواء قبل الهجوم أو بعده، نُشرت في وسائل الإعلام الغربية تقارير عدة تحذر من خطورة تنظيم داعش الإرهابي، وإمكانية عودته لنشاطه مرة أخرى، وتحديداً ما يسمى بـ "ولاية خراسان"، الذي يتخذ من منطقة آسيا الوسطى وأفغانستان قاعدة ارتكاز رئيسية له، حتى أنه قد قيل إن الولايات المتحدة رصدت خطط التنظيم للهجوم وحذرت موسكو، إلا أن الأخيرة تجاهلت التحذيرات، وفق الجانب الأمريكي وإن كان الروس نفوا ذلك لاحقاً.
وعلى سبيل المثال، صحيفة جارديان البريطانية نقلت، هذا الأسبوع، عن مسؤولين أمنيين وغربيين تأكيدهم أن تنظيم داعش يعمل بشكل كبير على تقوية فروعه من خلال تقديم التدريبات اللازمة لهم والنصائح بشأن الهجمات، وقد تم رصد اتصالات دقيقة للغاية بين عناصر "داعش"، في ظل توسع نشاطه في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
معضلة التعاون بين روسيا والغرب
عما بعد هجوم قاعة الحفلات الموسيقية، يقول ماركو مسعد، الباحث في العلاقات الدولية بهيئة سياسات الشرق الأوسط بواشنطن، إن التفجيرات التي شهدتها روسيا، أعادت الاهتمام الدولي بقضية "داعش"، خاصة بعد التهديدات التي حذر منها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن باريس مهددة من تنظيم داعش خراسان.
وأضاف "مسعد"، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن من المعلوم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه كان يشارك معلومات استخباراتية مع الغرب، خصوصاً في الفترة من 2000 وحتى 2010، تتعلق بأمن منطقة وسط آسيا، وكان يعطي مساحة للولايات المتحدة أن تعمل فيها بالقرب من الحدود الروسية.
وأوضح الباحث في العلاقات الدولية أن هذا التعاون من قبل الرئيس الروسي يأتي من أنه كان صاحب مصلحة في أن تقوم الولايات المتحدة بالقضاء على تنظيم داعش، إلا أن الذي تغير أنه مع انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ثم اندلاع الحرب مع أوكرانيا، يمكن القول إن التعاون بين موسكو وواشنطن في هذا الملف وصل إلى مرحلة ميتة، حسب تصريحه.
أسباب تأثر "بوتين"
من جهة أخرى، يقول ماركو مسعد إن "بوتين" تأثر بهجمة تنظيم داعش الأخيرة، لأنها أثرت على شكله كحاكم قوي، معروف بقبضته الأمنية الكبيرة والخاصة، مع تزايد الضغوط عليه بعد الحرب مع كييف، وبالتالي فهو يواجه انتقادات تتزايد، نظراً للخرق الأمني الكبير الذي حدث بهذا الهجوم.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية أن الرئيس الروسي ليس أمامه سوى حل من اثنين، الأول يثبت أن داعش مدعوم من أوكرانيا، وأن تنفيذ الهجوم الأخير على قاعة الحفلات الموسيقية كان في ضوء ذلك، قائلاً إن هذا الأمر سيبرر له ما يقوم به من أفعال عسكرية في أوكرانيا للدفاع عن النفس، وبطبيعة الحال فإن الدول الغربية ستشكك في تلك الرواية.
أما الحل الثاني، وفق ماركو مسعد، فهو أن يكون "داعش" المسؤول الفعلي عن هذه الهجمات دون أية صلات بأوكرانيا، وعليه يبدأ الرئيس الروسي التعاون مع الغرب للقضاء على التنظيم، إلا أنه أكد استبعاد هذا الحل في الوقت الحالي أو أن يقدم الرئيس بوتين على القيام به.
وفي ختام تصريحاته، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يقول "مسعد" إنه أياً كان ما حدث، والحلول المقترحة أمام الرئيس الروسي، فالأمر الثابت الآن أن الكل تذكر تنظيم داعش من جديد، والجميع يتذكرون الآن الانسحاب الأمريكي المهين والعشوائي من أفغانستان، والعودة مرة أخرى إلى مسألة البحث عمن يمكن تسليحهم لمحاربة التنظيم الإرهابي، وكأنها عودة للنقطة الأولى في مواجهة التنظيم.
وقبل أسبوعين تقريباً، صدر التقرير السنوي للاستخبارات الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب، وكان واضحاً في تحذيراته من أن الفروع الإقليمية لتنظيم داعش ستتوسع مستقبلاً، وقد يظهرون من خلال خلايا نائمة أو جماعات صغيرة بنفس الأفكار لشن هجمات عنيفة، في إشارة إلى أن هناك موجة قادمة من الإرهاب.
صراعات تفاهم نشاط التنظيم
بدوره، يقول محمد فتحي الشريف مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن التنظيمات الإرهابية تتغذى على الصراعات المتفاقمة، وبالتالي ففي ظل تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا، والوضع في قطاع غزة، والاضطرابات التي تطال عدة مناطق في قارتي آسيا وأفريقيا، فإن "داعش" يستغل حالة الانشغال بهذه التوترات ليعيد بناء قدراته من جديد.
ويؤكد "الشريف"، في الوقت ذاته، أن هناك بعض القوى الإقليمية والدولية تستفيد من تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، فبالنسبة لمصالحها فإن "داعش" والجماعات الإرهابية يقدمون الوقود الذي تُطهى عليه مكاسب تلك القوى، ومن ثم فإنه من السهولة بمكان أن نجد التنظيم يظهر في مناطق أخرى من العالم، لا سيما وأنه لا يزال حتى الآن يواجه فشلاً في معاقله الرئيسية السابقة مثل مناطق شمال وشرق سوريا وكذلك العراق.
يشير الباحث السياسي المصري إلى نقطة أخرى ذات أهمية، وهي أن "داعش" يستغل ما يجري في قطاع غزة من أجل جذب مزيد من الأتباع الجدد، فقد ركزت دعاية التنظيم على القيام بذلك، فضلاً عن التحريض بشن مزيد من الهجمات خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، مشدداً على أن هذا الأمر يفرض الحاجة إلى ضرورة التوصل لحل يوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفقاً له.
وكان تقرير صادر عن معهد واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، حذر من خطورة تنظيم ولاية خراسان، مؤكداً أنه أكبر تهديد عالمي الآن لـ"داعش"، مشيراً إلى أن الأخير بات يوزع قوته حول العالم.