العلاقات التركية المصرية - 1
استأنفت حكومة حزب العدالة والتنمية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر رغم عدم حدوث أي تغيير في الموقف المصري، لماذا انقطعت العلاقات، لماذا تحسنت؟
استأنفت حكومة حزب العدالة والتنمية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر رغم عدم حدوث أي تغيير في الموقف المصري، لماذا انقطعت العلاقات، لماذا تحسنت؟
لم يدم حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي تولت السلطة بعد الإطاحة بحكم حسني مبارك مع "الربيع العربي"، طويلاً، وبعد تولي السيسي السلطة، تدهورت العلاقات بين تركيا ومصر، واستخدمت حكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي أردوغان دعم جماعة الإخوان المسلمين في السياسة الداخلية لفترة طويلة، وقالوا إنهم لن يجتمعوا أبداً مع عبد الفتاح السيسي، بل واتهموا المعارضة بأنها "تدعم السيسي"، وقد استضاف أردوغان وحزب العدالة والتنمية مؤخراً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تركيا، فكيف تدهورت هذه العلاقات، وما هو الموقف الذي اتخذه أردوغان وحزب العدالة والتنمية تجاه مصر؟ وكيف تبلورت سياساتها الإقليمية مع مصر؟ وفي هذا الصدد، سننظر إلى الخلفية التاريخية للعلاقات بين مصر وتركيا.
الإطاحة بحكم مبارك: يا مصر، يا أم الدنيا
انتشر "الربيع العربي" الذي بدأ في تونس عام 2010 تدريجياً إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي فبراير/ شباط 2011، انتهى حكم حسني مبارك الذي دام 29 عاماً في مصر، وكانت هذه النهاية بمثابة بداية لتولي الإخوان المسلمين، لحزبهم العدالة والحرية، السلطة في مصر، فبعد الإطاحة بحكم مبارك، أصبح زعيم جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، رئيساً للبلاد في يونيو/ حزيران 2012، وبعد انتخاب مرسي في 30 سبتمبر/أيلول، شارك في مؤتمر حزب العدالة والتنمية في أنقرة، وشكر الحكومة التركية على دعمها لهم، وفي وقت لاحق، زار رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، العاصمة المصرية القاهرة، برفقة 10 وزراء و350 رجل أعمال، وتحدث أردوغان عن قضية فلسطين وسوريا في القاهرة، وأعرب أردوغان عن دعمه لجماعة الإخوان المسلمين والحكومة المصرية الجديدة بقوله: "يا مصر يا أم الدنيا، ارفعي رأسك، أنت مصر"، كما ذكر أردوغان مهمة قيادة الجغرافيا الإسلامية التي كان يحلم بها بقوله: "الفلسطينيون لم يخضعوا، لن يخضعوا، اللبنانيون لم يخضعوا، لن يخضعوا، العراقيون، الأفغان، السوريون لم يخضعوا، لن يخضعوا، لأننا، أهل هذه الجغرافيا، نؤمن، لذلك نحن متفوقون".
تولي عبد الفتاح السيسي السلطة
لم يدم تحالف أردوغان المقدس طويلاً، فبعد مرور عام على حكم مرسي، تم عزله من السلطة في 3 يوليو/ تموز، وتولى الرئيس آنذاك عبد الفتاح السيسي السلطة، وأدى احتجاج تركيا على "الانقلاب في مصر" إلى زيادة التوتر بين البلدين، وبعد وقت قصير من تدهور العلاقات، أعلنت مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 أن سفير تركيا "شخص غير مرغوب فيه"، وبعد ذلك، تراجعت العلاقات بين أنقرة والقاهرة إلى مستوى القائم بالأعمال، وتدهورت العلاقات بين البلدين لدرجة أنه لن يتم استعادتها لسنوات عديدة، وبعد عام 2014، أجرى السيسي انتخابات ذات إقبال منخفض وتم انتخابه رئيساً وعزز سلطته، وفي مصر، ازدادت الضغوط على جماعة الإخوان المسلمين، واستقر العديد من قياداتها في تركيا، ودفع ذلك السيسي إلى إظهار المزيد من الاستياء تجاه تركيا.
المشكلة مع العالم العربي
وتسببت انتقادات تركيا للسيسي والموقف الذي اتخذته خلال تلك الفترة في تدهور العلاقات ليس فقط مع مصر، بل مع العالم العربي أيضاً، وكان لرد فعل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أكبر الداعمين للإدارة الجديدة في مصر، على موقف أنقرة، عواقب سلبية على العلاقات الإقليمية لتركيا.
وعلى الرغم من أن مصر أعلنت أن السفير التركي "شخص غير مرغوب فيه"، إلا أن تركيا فشلت في الرد على مستوى عال، ذلك لأن التجارة والاستثمار بين تركيا ومصر ستتعرض للخطر، وعقد وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داود أوغلو مؤتمراً صحفياً خلال زيارته للبحرين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وقال فيما يتعلق بمصر: "عندما تحدثنا بشأن الانقلاب العسكري في مصر، لم يكن هدفنا التدخل في الشؤون الداخلية المصرية، ولم ندعم أي شخص أو أي مجموعة في مصر، وموقفنا من مصر كان دليلاً على احترامنا لاختيارات الشعب المصري".
ورغم أن أردوغان لم يتمكن من تنفيذ مخططاته الإقليمية كما أراد بسبب خسارة حليفه جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن هذه الخسارة جلبت له مكاسب داخلية، فبينما حدثت احتجاجات في مصر، كانت هناك احتجاجات كزي في تركيا، خلال هذه السنوات، عندما كان أردوغان يحاول إسكات المعارضة، ابتكر رمز "رابعة"، وهو رمز حزب العدالة والتنمية، وهذا الرمز الذي استخدمه الإخوان المسلمون في الاعتصام ضد السيسي يعني "أربعة" باللغة العربية وهو رمز لذلك، كما أصبح رمز رابعة رمزاً لأردوغان، لقد صاغ أردوغان هذا الرمز على شكل "دولة واحدة، علم واحد، بلد واحد، أمة واحدة"، ومهد الطريق إلى سلطة الرجل الواحد، لقد وضع حزب العدالة والتنمية استراتيجية لسنوات عديدة جعلت السياسة الخارجية هي الأجندة الرئيسية للسياسة الداخلية، وعلى الرغم من أنه عانى من خسائر مختلفة خلال تغيرات القوى الإقليمية، إلا أنه تمكن من استخدام هذه الخسائر كمجال للسيادة وانتصر.
الجزء التالي: الأحداث التي جرت خلال قطع العلاقات مع مصر...