سيناريوهان يحسمان مستقبل الإسلاميين في سوريا

منذ سيطرة هيئة تحرير الشام وحلفائها على دمشق وإسقاط حكم بشار الأسد، لا تزال التساؤلات تتواصل حول مستقبل تيار الإسلام السياسي في هذا البلد، وضمان استمرار وحدتها.

وفي إطار تساؤلات تناقشها وكالة فرات للأنباء (ANF)، حول مستقبل الوضع في سوريا بعد سيطرة تنظيم هيئة تحرير الشام على دمشق، جرى التواصل مع ماهر فرغلي الخبير والباحث في الحركات والتيارات الإسلامية والإرهابية، حيث يقول إنَّ هذه التنظيمات تختلف مع بعضها حول أمرين، الإيديولوجية والأفكار، ثم الوسائل، ويتفقون في أنَّ هدفهم "الخلافة" المزعومة.

ويوضح فرغلي بأنهم يختلفون في أفكار حول ما إذا كانت الدولة مؤمنة أم كافرة، وأحكام الكفر وعلى من يتم إنزالها، وهنا تتشكل جماعات مختلفة، أما بالنسبة للوسائل فإنَّ طريقتهم حول "الخلافة المزعومة" يتباين، ما بين حرب عصابات أو ثورات مسلحة أو انقلابات عسكرية أو حتى ثورات سلمية، وبالتالي يختلفون حولها.

وكما لفت الخبير والباحث في الحركات الإرهابية إلى أنَّ الخلافات هذه تستتبعها خلافات أخرى حول السيطرة والقيادة، مشيراً إلى أنَّ سوريا على مدار 10 سنوات قدّمت نماذج لهذا، فتعددت التنظيمات الإرهابية، وكل منها يتلقى تمويلاً من جهة معينة، وهنا السؤال الذي يفرض نفسه حول إمكانية استمرار توحد الفصائل المسيطرة على المشهد في دمشق حالياً وتنسى أفكارها واستراتيجياتها.

ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011 ظهر الكثير من الجماعات والتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وغيرهم من تنظيمات الإسلام السياسي، من الإخوان والقاعدة وتنظيم داعش، وهناك عشرات التنظيمات التي لم يعد لها وجود، إما لتصفيتها على أيدي خصومها، أو اندماجها في تنظيمات أخرى، لكن هيئة تحرير الشام الأكثر من بين هذه التنظيمات التي خدمتها الظروف لتصبح الأكثر قوة.

وهنا يقول فرغلي إنَّ التوحد بين فصائل الإسلام السياسي لم يحدث من قبل، منوهاً إلى أن المشهد يبدو أمامنا فيه سيطرة للجولاني، إلا أنه قد تكون سيطرة ربما ترتبط بحالة من الرغبة في تجاوز المرحلة الحالية؛ حتى لا يخسروا كل شيء، ولكن هنا سيكون السؤال حول ماذا بعد السيطرة واستتباب الأمر لهم؟، مؤكداً أن عند هذه المرحلة ستظهر الخلافات والصراعات حول من يستمر بيده السلاح ومن يندمج في الجيش، وموقف أصحاب الجنسيات الأجنبية.

تجربة إدلب ومصير الجولاني

وأشارالباحث ماهر فرغلي كذلك إلى أن إدلب نفسها كانت شاهدة على هذه الخلافات، وإن كان الجولاني استطاع السيطرة عليها بالقوة، إلا أنه يرى أن الوضع الحالي صعب ومعقد، وإذا حدث خلاف فلا يتوقع أن ينهيه كما فعل من قبل، لأن الأمر يرتبط هنا بسوريا ككل وليس بمساحة محدودة كإدلب.

وبسؤاله عن إمكانية مقتل أو اغتيال الجولاني، يؤكد ماهر فرغلي، في نهاية تصريحاته بأن التنظيمات الموجودة في سوريا والفصائل المسلحة غير متفقة حول شخصية الجولاني  بل ذهب البعض إلى اتهامه إلى درجة الخيانة، وحاول البعض الآخر الإبتعاد عنه مثل ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري"، وهناك بقايا النظام السابق، وهناك قوميات وأثنيات أخرى، وعليه فإنه يمكن لأي جهة من تلك الجهات أن تتخلص منه في أي وقت.

محطات في مسيرة هيئة تحرير الشام

وقد مرت هيئة تحرير الشام بعدد من المرحل، أولها في (2012 – 2013) وكانت تنشط تحت اسم "جبهة النصرة" المنبثقة عن تنظيم القاعدة الإرهابي، وجرى تمويلها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. لكن في الفترة من (2013 – 2016) انفصلت الجبهة عن تنظيم الدولة وأعلنت ولائها لزعيم القاعدة أيمن الظواهري وليس لزعيم "داعش" وقتها أبوبكر البغدادي.

ثم تمر النصرة بمرحلة أخرى في الفترة (2016 – 2017)، حيث أعلنت انفصالها ظاهرياً عن "القاعدة"، وشكلت تحالف من فصائل عسكرية سورية تحت مسمى "جبهة فتح الشام". وبعد عام 2017 أعلنت جبهة فتح الشام انفصالها تماماً عن القاعدة، واندمجت مع فصائل سورية أخرى وكونت ما يعرف بـ"هيئة تحرير الشام". ومع كل مرحلة كانت هيئة الجولاني تتغير وتتبدل، فالظهور العلني، ثم التخلي في مرحلة لاحقة عن ملابسه التقليدية ليرتدي ملابس عادية، وصولاً إلى اعتماد اسم "أحمد الشرع" بدلاً من "أبومحمد الجولاني".

وقد تأسست هيئة تحرير الشام باندماج 5 جماعات مسلحة هي جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين زنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة، وقد شهدت عديداً من الانشقاقات لاحقاً، فيما بقت الهيئة بفضل اتباعها استراتيجية عسكرية لهزيمة فصائل مسلحة في إدلب وكذلك شرق حلب، لتضمن استمرار نفوذها.

رأي آخر

لكن في المقابل، لدى أحمد سلطان الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، رأياً مختلفاً بشأن إمكانية حدوث خلافات أو انشقاقات في هيئة تحرير الشام، فيقول إن الهيئة مرت بتحولات كبيرة، بما في ذلك رحلة تحول الجولاني من شخص يتبنى خطاباً جهادياً تقليدياً، إلى شخص يتبنى خطاباً سياسياً مختلفاً.

وأضاف أن هيئة تحرير الشام سبق وأعلنت أن التشكيلات المسلحة التابعة لها ستكون ضمن وزارة الدفاع السورية، ما يعني أن لديها رغبة في التحول إلى كيان سياسي، ودمج الجهاز العسكري في منظومة الأمن الجديدة التي ستتم إعادة تشكيلها بعد رحيل بشار الأسد، كما ضمت المنشقين عن بشار في الأيام الأخيرة إلى مرتبات حكومة الإنقاذ، ضمن عملية تحول سياسي واسعة النطاق بالاتفاق مع غيرها من الكيانات. 

ويقول سلطان حول الحديث عن خلافات محتملة، إنَّ من يتوقع ذلك يكون متأثراً بما حدث في سوريا خلال أوقات سابقة، أو في أماكن أخرى مثل أفغانستان التي تقاتلت فيها الأحزاب الإسلامية من قبل، إلا أن الوضع ربما يختلف مع هيئة تحرير الشام، لأنها ليست تنظيماً وليد اللحظة، كما أنها فككت التنظيمات الأخرى التي يمكن أن تشكل أزمة لها.

تحالف جبهوي

ويوضح سلطان أن الهيئة عبارة عن تحالف جبهوي يضم فصائل مسلحة جزء منها هيئة تحرير الشام التي كانت فتح الشام، وكل من كان أو يتوقع خروجه عن النسق الذي تريده الهيئة تمت تصفيته، بما في ذلك تنظيمات تعاونت معها بالفعل مثل حراس الدين، كما أنها تعمل بتنسيق مع تركيا، التي تنسق بدورها مع فصائل أخرى مثل الجيش الوطني السوري.

ولهذا يستبعد الباحث السياسي في شؤون الحركات الإسلامية حدوث اقتتال بين الفصائل المكونة لهيئة تحرير الشام أو المتحالفة معها، وإن حدثت سيتم حسمها سريعاً، ما لم تتغير المعطيات، معتبراً أن الحديث عن اقتتال حالياً يبنى على معطيات غير واقعية، مستدلاً أيضاً على موقفه بأن الجولاني استطاع القضاء على بعض خصومه من قبل في إدلب.

وقد حظت هيئة تحرير الشام بدعم واسع من قبل النظام التركي، ويرى مراقبون أنه لولا هذا الدعم لما استطاعت الهيئة تصفية العديد من خصومها والاستمرار حتى وقتنا الراهن، بل وتوسيع مساحات سيطرتها، رغم أنها على لوائح الإرهاب التركية بما في ذلك الجولاني، كما هو الحال لدى عدد آخر من دول العالم.