تواصل الدولة التركية سياساتها التوسعية كاستمرار لتقليدها التاريخي، وباعتبارها دولة عضو في حلف شمال الاطلسي (الناتو)، ترتكب تركيا جميع أنواع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في كردستان والأراضي التي احتلتها، وتلتزم القوى المسؤولة عن حماية القانون الدولي، الصمت تجاه كافة انتهاكات الدولة التركية، كما ذكر الرئيس التركي أردوغان اسم إسرائيل في اجتماع في مدينة ريزه، وقال: "مثلما دخلنا كاراباخ وليبيا، يمكننا أن نفعل الشيء نفسه في تلك المناطق"، وبذلك أظهر أنه في موقف احتلالي تجاه كافة أراضي سوريا والعراق.
وفي السياق، تحدثنا مع فرانسوا ديفيدجيان، أحد محاميي نقابة المحامين في باريس، والذي يتابع عن كثب السياسات التوسعية للدولة التركية في منطقة آرتساخ ويناضل من أجل الشعب الأرمني على الساحة الدولية.
"أردوغان يواصل إرث طلعت باشا"
وذكر المحامي ديفيدجيان إن السياسات التوسعية للدولة التركية برئاسة أردوغان خارج حدودها هي استمرار لتقليدها التاريخي، وقال: "هذه السياسات التوسعية لتركيا هي استمرار للسياسة التي بدأها طلعت باشا في مطلع القرن العشرين، وواصلها أتاتورك، ويواصلها أردوغان اليوم.
وهذا يعني بوضوح سياسة إنكار الأقليات التاريخية والشعوب الغير تركية في بعض المناطق، وكان لسياسة الإنكار هذه تأثير كبير على الأرمن والروم، الأشوريين - الكلدانيين، الكرد والعديد من الشعوب الأخرى".
"يريدون شرعنة الجرائم المستمرة منذ أكثر من 100 عام"
وأشار ديفيدجيان إلى أن سياسة الإنكار التاريخية مستمرة اليوم في أوضح صورها ضد الشعبين الأرمني والكردي، وتابع: "الشعب الكردي يمثل اليوم أكثر من 35 مليون نسمة، ولا ينبغي لهم أن يقولوا للعالم إن هؤلاء الخمسة والثلاثين مليوناً ليس لهم الحق في أن تكون لهم دولة، ويعيش معظم هؤلاء السكان اليوم على حدود تركيا والدولة التركية ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة تماماً مثل رفضها الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية وحقوق الأرمن على أراضي تركيا، تركيا بكل سياساتها ضد الشعب الكردي وفي نفس الوقت ضد الشعب الأرمني، وبدعم من أذربيجان، تهدف إلى تعزيز موقفها وشرعنة الجرائم التي ارتكبتها في القرن العشرين والتي ترتكبها في القرن الحادي والعشرين".
"أذربيجان تستخدم نفس أسلوب تركيا"
وذكر فرانسوا ديدفيدجيان أنه تم تدمير كل الأشياء باسم الأرمن في آرتساخ، وأن آرتساخ هي من أراضي الشعب الأرمني واحتلتها الدولة الأذربيجانية بدعم واضح من تركيا، وقال إن هذا أكبر مثال على ثقافة الإنكار والمحو، وأضاف: "الوضع في آرتساخ مأساوي تماماً، لأنه لم يبقى أرمن هناك الآن، تم طرد الأرمن من أراضيهم في آرتساخ، وسيطرت أذربيجان على المنطقة بأكملها ودمرت المنازل والكنائس والمقابر هناك، وتستخدم أذربيجان، مثل تركيا، نفس الأسلوب في طرد المواطنين من أراضيهم وتدمير ما تبقى من مساحات معيشتهم والادعاء بأن تلك الأراضي ليست للأرمن، وعلى الرغم من أن آرتساخ لها تاريخ يمتد لأكثر من ألف عام، إلا أنه في المستقبل لن يكون هناك أي أثر للشعب الأرمني في المنطقة، ولذلك فإن الوضع مأساوي للغاية، وبموجب قرار محكمة العدل الدولية، يجب على دولة أذربيجان السماح لشعب آرتساخ بالعودة إلى أراضيه، ويجب عليهم احترام هذا القرار وتنفيذه، لكن مع ذلك، تم انتهاك هذا القرار، ويجب على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفاً ضد أذربيجان، لكن يبدو أن أذربيجان لن تنفذ هذا القرار بأي شكل من الأشكال، في الواقع، تأسس نظام أذربيجان وحلفاؤه على معاداة الأرمن وكرههم، إن طرد الأرمن من آرتساخ واحتلال هذه الأراضي هو بمثابة نصر حقيقي للرئيس الأذربيجاني علييف، وليس لديهم أي نية للتراجع ضد الأرمن؛ بل على العكس من ذلك، فهم يعتبرون التراجع وتقليص احتلال المنطقة بمثابة ضعف".
"يرتكبون الجرائم بذريعة أمن وحماية الحدود"
ولفت ديفيدجيان الانتباه إلى الصمت الذي يلتزمه المجتمع الدولي تجاه سياسات الاحتلال للدولة التركية، وقال: "منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، مع مفهوم أنه إذا لم يتم الاستيلاء على الحدود فلن تندلع حروب، بدأت حماية الحدود في الظهور كوسيلة للعلاقات الدولية، وهذه هي الذريعة الرئيسية لسياسات الاحتلال الحالية، علاوة على ذلك، يتم دعم هذه الذريعة لأنها تخدم مصالح القوى العظمى، هذا هو قانون الأقوى، بالنسبة للدول العظمى والقوية، يعد أمن الحدود ميزة، كما أن هذا أقل صحة بالنسبة للصغيرة والضعيفة، أي بالنسبة للمضطهدين، واليوم، تعتمد تركيا على هذا العنصر لشرعنة جرائمها، ترتكب الجرائم بذريعة أمن وحماية الحدود، انظروا إلى تركيا وأمريكا، اللتين تربطهما علاقة منذ 70 عاماً، لديهما مصلحة في حماية حرمة هذه الحدود من أجل منع المزيد من مديونية العالم، إن مطالب الشعوب بالحرية وتقرير المصير يتم اعتبارها غير موجودة ويتم تجاهلها، ولا يريدون حتى أن يذكروا هذه المفاهيم، لأنهم يعلمون أن هذه المفاهيم جاهزة لإحداث صدى واسع وكبير، إلا أن المطالبة بالحرية، حتى لو تسببت باضطرابات في البداية، هي دائماً خطوة ضرورية قبل تحقيق السلام الحقيقي".
"يجب مواصلة النضال"
وذكر المحامي ديفيدجيان أنه يجب عليهم مواصلة النضال لكسر حاجز الصمت حيال الهجمات على الشعبين الكردي والأرمني، وتابع: "أعتقد أننا في كل الأحوال سنعود إلى طريق السلام. لكن يجب أن نؤمن بالقانون وحقوقنا وعقولنا، سيستغرق الأمر وقتاً، وسيكون صعباً، لكننا شعوب قديمة، وعانينا الكثير، لكننا ما زلنا هنا، إن تطور القانون والعقل في الإنسانية طويل ومعقد وصعب.
أصبح الجميع يعترفون بالإبادة الجماعية بحق الأرمن، ولا يوجد الآن أي مؤرخ يعترض بشكل جدي على هذه الإبادة الجماعية، والأمر لم يكن هكذا منذ مدة، المعرفة والحكمة تتقدمان، وفي رأيي، يجب أن نناضل من أجل التقدم أكثر وحماية حقوقنا".