ويقدر عدد الناخبين الكرد بأكثر من 6 ملايين صوت، ولهذا توصف بالكتلة الحرجة أو الكتلة الحاسمة، ويذهب كثيرون إلى التوقع بأن تكون الكتلة الكردية سببا في عدم حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية البرلمانية، وربما عدم قدرة "أردوغان" على حسم انتخابات الرئاسة على الأقل من الجولة الأولى.
موقف الكرد في العملية الانتخابية ومخاوف أردوغان
يختلف وضع المكون الكردي من الانتخابات وتحديدا حزب الشعوب الديمقراطي هذه المرة عن أية انتخابات سابقة، حيث أنه بالنسبة للانتخابات البرلمانية لن يخوض الحزب الانتخابات باسمه، وإنما يخوضها تحت راية حزب الخضر اليساري ، بسبب مخاوف من قرار محتمل للمحكمة العليا بإغلاق حزب الشعوب ومن ثم يمكن الطعن ببطلان عضوية نوابه الذين سينجحون في هذه الانتخابات، كما أن بعضهم سيواجه الحظر السياسي من المحكمة العليا.
أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية، فقد قرر حزب الشعوب الديمقراطي عدم الدفع بمرشح لانتخابات الرئاسة هذه المرة، وهو أمر جعل التوقعات تذهب إلى أن الصوت الكردي سيتجه إلى كمال كليجدار أوغلو مرشح طاولة الستة والمنافس الرئيسي لأردوغان في هذه الانتخابات، الأمر الذي ينظر إليه باعتباره قوة دافعة للمعارضة التي تبدو أقرب من أي وقت مضى للإطاحة بـ"أردوغان".
ومع كل انتخابات يلجأ الرئيس التركي وحكومته إلى القمع والضغط على أحزاب المعارضة، وأبرز من تعرضوا للقمع كانوا الكرد وحزب الشعوب الديمقراطي، الذي يعد ثاني أكبر حزب معارض في تركيا بعد حزب الشعب الجمهوري.
لكن الملاحظ أن النظام التركي كثف قمعه تجاه الكرد والحزب هذه المرة، ويبدو أن في رأسه ما جرى من قبل في انتخابات برلمان 2015 عندما نجح حزب الشعوب في تجاوز العتبة الانتخابية وأصبح أول حزب سياسي ذي أغلبية كردية يدخل البرلمان في تاريخ تركيا.
لكن إذا كان هذا الأمر إنجازا يحسب لحزب الشعوب الديمقراطي وقتها، إلا أنه كان خصما من رصيد حزب العدالة والتنمية الذي فقد أغلبيته البرلمانية وقتها لأول مرة منذ عام 2001، أي منذ وصوله إلى السلطة ما اضطره إلى الدخول في مفاوضات معقدة لتكوين حكومة ائتلافية.
تصعيد أردوغان ضد الكرد وحزب الشعوب
منذ تلك اللحظة، شعر أردوغان بالخطر الحقيقي تجاه الكرد خوفا من ضياع سلطانه، وتناسى كل وعوده السابقة بحل قضية الكرد، وسرعان ما انقلبت الأمور، وقرر أردوغان وإعلامه وحلفاؤه ربط حزب الشعوب الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني الذي تحظره السلطات التركية.
كما تحول هذا الادعاء إلى خطوات عملية ملموسة عبر توقيفات متعددة واعتقالات لمئات من قيادات وأعضاء حزب الشعوب الديمقراطي والصحفيين والمحامين الكرد، وكانت التهمة جاهزة على الفور وهي "الدعاية لمنظمة إرهابية" أو "الانتماء لتنظيم إرهابي"، وأصبحت هذه التهمة جاهزة للتنكيل بالمكون الكردي وخصوصا ضد كل صحفي يتناول الشأن الكردي، على أمل تقويض شرعية حزب الشعوب الديمقراطي وإرهاب الناخب الكردي.
وأبرز من قذف بهم خلف القضبان صلاح الدين دميرتاش الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي والذي قاد حزبه لدخول البرلمان عام 2015، كما أنه خاض انتخابات الرئاسة لاحقا وكانت المفاجأة بحلوله ثالثا، لكن النظام التركي كذلك عمل من خلال نوابه في البرلمان على تجريد كثير من نواب حزب الشعوب الديمقراطي من مقاعدهم النيابية.
أما على مستوى البلديات، فقد شنت الحكومة حملة إقالات لعشرات من رؤساء البلديات الذين تم انتخابهم في مدن الجنوب الشرقي ذي الأغلبية الكردية، وبدلا من ذلك تم تعيين أوصياء على البلديات وهم من رجال حزب العدالة والتنمية، أي أن النظام التركي كما لو كان نفذ انقلابا على نتائج الانتخابات لكن فيما يخص المكون الكردي.
تصعيد أردوغان ضد الكرد لا حدود له
لم يكتف الرئيس التركي بكل هذا القمع بحق الكرد والانقلاب على نتائج الانتخابات، فقد استعد مبكرا لانتخابات 14 مايو 2023، حيث أنه في يونيو من عام 2021 وافقت المحكمة العليا في البلاد على مراجعة القضية التي رفعها المدعي العام في أنقرة لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي وفرض الحظر السياسي على مئات من أعضاء الحزب بمن فيهم بعض أعضاء البرلمان والذين يفترض أن لديهم حصانة.
وأتى هذا التحرك من قبل النظام التركي عبر القضاء الخاضع لسيطرته وبنفس التهمة الجاهزة وهي العلاقة مع تنظيم إرهابي، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، رغم نفي حزب الشعوب مرارا وتكرارا تلك المزاعم، وافتقاد المحاكمات والاعتقالات والتحقيقات التي تجرى في هذا الأمر إلى الدليل.
اعتقالات عشوائية للكرد بهدف سرقة الانتخابات
وقبيل الانتخابات الحالية، شنت السلطات التركية حملة اعتقالات طالت كثير من الصحفيين والمحامين الكرد، منها على سبيل المثال حملة الاعتقالات التي نفذت يوم 25 أبريل، حين تم القبض على 110 شخص عبر 21 محافظة بينها ديار بكر بتهم تتعلق بممارسة الإرهاب، وهي التهمة الجاهزة كما سبق وتمت الإشارة.
كما كانت من بين التهم الموجهة للمعتقلين ما ذكرته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية بأن بعض هؤلاء حركوا أكثر من 60 احتجاج في البلاد منذ عام 2017، وهي تهمة بالتأكيد تكشف مدى ديكتاتورية النظام التركي، إذ أن الحق في تنظيم الاحتجاجات حق أصيل للمواطنين في الدول ذات النظام الديقمراطي، وبالتالي فإن التهمة الحقيقية التي يجب أن يحاسب عليها هو النظام التركي من خلال مخالفته الدستور وقمع الحقوق والحريات.
وقد رد حزب الشعوب الديمقراطي على تلك الاعتقالات المستمرة بتأكيده أن تركيز السلطات على اعتقال الصحفيين والمحامين هي مقدمة لسرقة النظام التركي العملية الانتخابية، لأن من المفترض أن المحامين والصحفيين هم الذين سيحمون الصناديق الانتخابية وهم من ينقلون المعلومات للشعب عن سير العملية الانتخابية.