منذ بداية هجوم هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى متعاونة معها على قوات النظام البعثي في 27 تشرين الثاني الماضي، شنّت دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها من فصائل الجيش الوطني هجوماً على إقليم شمال وشرق سوريا، مما كشف بشكل واضح عن مخططها الاحتلالي. وخلال هذه الهجمات، ارتكبت العديد من المجازر.
وفي التقرير، الذي أوردته وكالة أنباء هاوار، استعرضت هاوار الهجمات التي استهدفت الإقليم في الفترة ما بين ليل 8 كانون الأول وحتى ليل 11 كانون الأول، ووفقاً للإحصائيات التي تم توثيقها، أسفرت الهجمات عن استشهاد 31 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، وإصابة 10 آخرين بجروح خطيرة. كما لقي 45 جندياً من جنود الخدمة الإلزامية للنظام السابق حتفهم نتيجة قصف نفذته القوات التركية أثناء عودتهم إلى منازلهم بعد تسريحهم، في حين لا يزال مصير 15 آخرين مجهولاً.
الاحتلال التركي يستهدف الأطفال والنساء وطواقم الإسعاف في كوباني
ففي مقاطعة الفرات، شنت دولة الاحتلال التركي هجمات برية وعبر الطائرات المسيّرة، بالتزامن مع هجمات مرتزقة الاحتلال التركي على المنطقة. حيث استهدفت قوات الاحتلال التركي سيارة تقل ثلاثة أعضاء من قوى الأمن الداخلي يوم 8 كانون الأول، مما أدى إلى استشهادهم جميعاً، وهم: سهيل بكي، حسن نعسان، ومحمد أمين حمو.
كما قصفت قوات الاحتلال التركي قرية الجعدة الكبيرة الواقعة في الريف الجنوبي الغربي لمدينة كوباني بالقرب من جسر قرقوزاق على الضفة الشرقية لنهر الفرات، يوم 10 كانون الأول، مما أدى إلى استشهاد المواطن عبد الله محمود شيخ علي (25 عاماً) والطفل عبد الله محمود شيخ علي (12 عاماً)، وإصابة طفلين (8 و10 سنوات).
وفي ذات اليوم، قصفت دولة الاحتلال برياً قرية كون عفتار الواقعة في الريف الجنوبي الغربي لمدينة كوباني، ما أدى إلى استشهاد طفلين شقيقين هما "مظلوم ويوسف عبد القادر إسماعيل"، وتسبب الهجوم بفصل رأس أحد الأطفال عن جسده في مشهد مأساوي يجسد وحشية القصف.
وأيضاً، استهدفت مسيّرات الاحتلال يوم 10 كانون الأول سيارة إسعاف كانت تقلّ جرحى على الطريق بين سد تشرين وبلدة
صرين، مما أدى إلى استشهاد مواطنين اثنين (أحدهما يدعى كوردو نجدت بوزي) وأحد الجرحى، وإصابة ممرضة وأحد الجرحى بإصابات بليغة.
كما استهدف الاحتلال ومرتزقته في الجيش الوطني جسر قرقوزاق والمارة عليه بشكل مباشر، حيث استشهدت المسنّة زاهدة كوسي (60 عاماً) وأصيب حفيدها البالغ من العمر 8 سنوات بجراح أثناء عبور السيارة التي كانوا يستقلونها على الجسر يوم 11 كانون الأول الجاري.
مجزرتان مروّعتان في عين عيسى
وفي مدينة عيسى التي ارتكب الاحتلال التركي العديد من المجازر فيها دون أن يتم محاسبته، ارتكب الاحتلال مجزرة مروّعة بحق المواطنين في قرية المستريحة في ريف عين عيسى، حيث قصفت مسيّرات الاحتلال القرية في وقت متأخر من ساعات الليل يوم 8 كانون الأول، ما أدى لاستشهاد 12 مواطناً من عائلة واحدة، بينهم 6 أطفال. تسببت الهجمات في حرق جثتين بالكامل.
والشهداء هم "إبراهيم العيدو 70 عام، مصطفى العيدو 45 سنة وزوجته رقية محمد 40 سنة، تركية محمود العيدو 27 سنة، فوزية العيدو 35 سنة، لوما العيد 17 سنة، كوثر العيدو 16 سنة، عبد القادر العيدو 7 سنوات، محمد مصطفى العيدو، فطيم حبش العيدو، إسماعيل محمود العيدو، ندى مصطفى العيدو".
كما ارتكب الاحتلال التركي مجزرة بشعة أخرى يوم 10 كانون الأول، بقصف مسيّراته لقرية صفيا في الريف الغربي لمدينة عين عيسى، راح ضحيتها 8 شهداء بينهم أطفال ونساء. والشهداء هم: (خليل سليمان، وضاح سليمان، محمد العابو، عبد الكريم العابو، دلال سليمان، ناديا سليمان، جاسم وحسام سليمان وهما طفلان).
مجزرة بحق جنود النظام السابق بعد تسريحهم
واستمراراً للمجازر التي يرتكبها الاحتلال التركي بحق السوريين، استهدفت مسيّرات الاحتلال مجموعة من جنود الخدمة الإلزامية السابقين أثناء عودتهم إلى منازلهم بعد تسريحهم. وأسفر الهجوم عن فقدان 45 جندياً، ولا يزال 15 آخرون في عداد المفقودين.
استهداف للمواطنين الآمنين في مقاطعة الجزيرة
ولم تقتصر هجمات الاحتلال التركي على بقعة محددة في إقليم شمال وشرق سوريا، بل استهدفت المواطنين في كل مكان، ما يعكس غايات الاحتلال في ترهيب المواطنين وقتلهم بشكل متعمد.
وفي السياق، قصفت قوات الاحتلال التركي يوم 11 كانون الأول، قرية تل جمعة في ريف مدينة تل تمر، ما أدى لإصابة مواطن بجراح.
وفي اليوم ذاته، استهدفت قوات الاحتلال قريتي تل حرمل وأم محرملة بالأسلحة الثقيلة ما أدى لاستشهاد المواطن محمد حسن حسن وإصابة اثنين آخرين.
كما أصيب ثلاثة مواطنين بجروح خطيرة إثر استهداف سيارة مدنية في قرية شور على الطريق بين زركان ومدينة سري كانيه المحتلة، ولا تزال حالتا اثنين من المصابين حرجة.
استهتار بالقانون الدولي
إن استهداف سيارات الإسعاف من قبل الاحتلال التركي يعكس استهتاراً بالقانون الدولي الإنساني الذي يحظر المساس بالكوادر الطبية والمساعدات الإنسانية، مما يزيد من معاناة المدنيين ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية.
مخطط احتلالي واسع
وتسعى دولة الاحتلال التركي إلى احتلال مناطق شمال وشرق سوريا، بحجج وذرائع واهية ولكن تصريحات مسؤوليها لا تخفي نيتهم باحتلال كامل الشريط الحدودي في سوريا، وذلك بهدف إعادة رسم الحدود بما يتماشى مع مخططها وما تسميه "حدود الميثاق الملي" فضلاً عن مساعيها في السيطرة على خيرات المنطقة ومواردها ونهبها.
ولذلك لا تدخر دولة الاحتلال جهداً ولم يبقَ نوع من أنواع الأسلحة إلا وقد استخدمتها في قصف المنطقة وخصوصاً البنى التحتية، وذلك بهدف تدمير الإدارة الذاتية والقضاء عليها وتهجير السكان من هذه المنطقة واستبدالهم بمرتزقة تابعين لها، وما يجري في عفرين وسري كانيه وكري سبي/تل أبيض من تهجير قسري للكرد وتوطين آخرين مكانهم إلا تأكيداً على هذه السياسة.
حرب نفسية ومساعي لخلق الفتنة
ولا تقتصر هجمات الاحتلال التركي على المنطقة بالهجمات العسكرية، بل تستخدم التضليل الإعلامي عبر شن حملة إعلامية مكثفة بالتعاون مع أبواقها في بعض القنوات الإعلامية العربية، لتشويه سمعة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، لتبريد هجماتها الاحتلال على المنطقة.
كما تلجأ دولة الاحتلال عبر خلاياها ومرتزقتها الذين جندتهم بالأموال، إلى محاولات إثارة الفتن بين مكونات المنطقة وخصوصاً بين الكرد والعرب، حيث تعمل أبواقها عبر وسائل التواصل الافتراضي ليل نهار من أجل تحقيق هذه الغاية وتنشر الأخبار الكاذبة.
الاحتلال التركي يسعى لإعادة إحياء مرتزقة داعش
من بين أهداف الاحتلال التركي الأخرى لشن الهجمات على شمال وشرق سوريا، هو إعادة إحياء داعش، عبر خلق فرصة مواتية لإخراج المرتزقة المعتقلين في السجون وأفراد عائلاتهم في مخيم الهول.
فدولة الاحتلال التركي التي دعمت مرتزقة داعش على مدار سنوات واستثمرت فيه، تريد إعادة إحيائهم من أجل تحقيق حلمها التوسعي بالسيطرة على محافظات حلب، وعموم شمال وشرق سوريا، وصولاً إلى الموصل وكركوك وإقليم كردستان العراق، وهي جميعها تراها تركيا جزءاً من ميثاقها الملي ويعيد رئيس دولة الاحتلال أردوغان مراراً الحديث عنها.
الحاجة إلى يقظة عربية ومحاسبة دولية
إن مخطط دولة الاحتلال التركي في سوريا، هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة، ويتطلب التصدي لهذا المخطط يقظة عربية أولاً تجاه هذه المخططات الاستعمارية التي تهدد عموم الدول العربية، وثانياً اتحاد شعوب المنطقة بوجه هذه المخططات.
كما يتطلب الأمر خروج القوى الدولية عن صمتها حيال جرائم الاحتلال ومساعيه لخلق الحروب والأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومحاسبته على الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين طيلة السنين الماضية.